بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الإسلامية
روض السائلين لفتاوى سيد المرسلين
● [ فتاوى عن الرهن والدَّين ] ●
393 - وأفتى صلى الله عليه وسلم «بأن ظهر الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدَّرِّ يُشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» . ذكره البخاري. وأخذ أحمد وغيرُه من أئمة الحديث بهذه الفتوى، وهو الصواب.
394 - وأفتى صلى الله عليه وسلم «بأن الرهن لا يَغْلَق من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمُه، وعليه غُرْمه» .
395 - وأفتى صلى الله عليه وسلم في رجل أصيبَ في ثمار ابتاعها فكثر دَينه، فأمر أن يتصدق عليه، فلم يُوفِ ذلك دَينه، فقال للغرماء: «خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك» .
396 - وأفتى صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، فهو أحق به من غيره».
● [ فصل عن تصدق المرأة ] ●
وعن الأكل من مال اليتيم397 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة عن حُليَ لها تصدق به. فقال لها: «لا يجوز لامرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها» وفي لفظ: «لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجُها عصمتها» .
398 - وعن ابن ماجة أن خَيرة امرأةَ كعب بن مالك أتته بحليَ فقالت: تصدقت بهذا، فقال: «هل استأذنت كعباً» ؟، فقالت: نعم، فبعث إلى كعب، فقال: «هل أذنَت خَيْرَة أن تتصدق بحليها هذا» ؟ فقال نعم، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
399 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ليس لي مال، ولي يتيم، فقال: «كلْ من مال يتيمك غيرَ مُسرِفٍ ولا مبذر ولا متأثلٍ مالاً» «ومن غير أن تقي مالك» أو قال: «تفدي مالك بماله» .
400 - ولما نزلت: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(الأنعام: 152)، عزلوا أموالَ اليتامى، حتى جعل الطعام يفسد، واللحم ينتن، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: {فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(البقرة: 220).
401 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن لُقطةِ الذهب والورِقِ، فقال: «اعرفْ وكاءها وعِفاصها، ثم عرِّفها سنة؛ فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك؛ فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدِّها إليه» . فسئل صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل، فقال: «ما لَكَ ولها؟ دَعها فإن معها حِذاءها وسِقاءَها تَرِدُ الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربُّها» . فسئل صلى الله عليه وسلم عن الشاة، فقال: «خذْها فإنما هي لك أو لأخيك أو الذئب» . وفي لفظ لمسلم: «فإن جاء صاحبها فعرفَ عِفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه، وإلا فهي لك» . وفي لفظ لمسلم: «ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه» .
402 - وقال أُبَيّ بن كعب: وجدت صُرَّة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مائة دينار، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «عَرِّفها حَولاً» ، فعرفتها حولاً. ثم أتيته بها، فقال: «عرفها حولاً» ، فعرفتها، ثم أتيته بها، فقال: «عرفها حولاً» فعرفتها ثم أتيته بها الرابعة، فقال: «اعرف عددَها ووكاءها ووعاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها» ، فاستمتعت بها..
403 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل من مُزينة عن الضالة من الإبل، قال: «معها حِذَاؤها وسقاؤها تأكل الشجرَ وترد الماء، فدعها حتى يأتيها باغيها» قال: الضالة من الغنم، قال: «لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتيها باغيها» ، قال: الحَريسة، التي توجد في مراتعها، قال: «فيها ثمنها مرتين، وضرب نَكالٍ،، وما أخذ من عَطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المِجنَّ» قال: يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها؟ قال: «ما أخذ بفمه فلم يتخذ خبيئة، فليس عليه شيء، وما احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نَكالٍ وما أُخذ من أجرانه، ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنِّ» ، قالوا يا رسول الله فاللُّقَطَة يجدُها في سبيل العامرة؟ قال: «عرفها حولاً، فإن وجدت باغيها، فأدِّها إليه، وإلا فهي لك» قال: ما يوجد في الحرب العادي؟ قال: «فيه وفي الركاز الخمس» . والإفتاء بما فيه متعين، وإن خالفه من خالفه، فإنه لم يعارضه ما يوجب تركه.
404 - وأفتى بأن «من وجد لُقطة فلَيشهدْ ذَوي عدْل، وليحفظ عفاصها ووِكاءها، ثم لا يكتم ولا يغيب؛ فإن جاء ربُّها فهو أحق بها وإلا فهو مالُ الله يؤتيه من يشاء» .
405 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل جلس لحاجتِه فأخرج جُرذٌ من حجر ديناراً، ثم أخرج آخر، ثم أخرج آخر؛ حتى أخرج سبعة عشر ديناراً؛ ثم أخرج طرف خرقة حمراء، فأتى بها السائلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرَها، وقال: خُذْ صدقتها، قال: «ارجع بها، لا صدقة فيها، بارك الله لك فيها» ، ثم قال: «لعلك أهوَيت بيدك في الحجر» ، قلت: لا، والذي أكرمك بالحق، فلم يفن آخرها حتى مات. وقوله والله أعلم: لعلك أهويْتَ بيدك في الحجر، إذ لو فعل ذلك لكان ذلك في حكم الرِّكاز، وإنما ساق الله هذا المَالَ إليه بغير فعل منه، أخرجته له الأرضُ، بمنزلة ما يخرج من المباحات، ولهذا -ـ والله أعلم -ـ لم يجعله لقطة؛ إذ لعله علم أنه من دفن الكفار.
406 - أهدى له صلى الله عليه وسلم عياضُ بن حمار إبلاً قبل أن يسلم، فأبى أن يقبلها، وقال: «إنا لا نقبل زَبْد المشركين» ، قال: قلت وما زَبْد المشركين؟ قال: «رِفْدُهم وهديتهم» ، ولا ينافي هذا قبوله هدية أُكَيْدِر وغيره من أهل الكتاب، لأنهم أهل كتاب فقبل هديتهم، ولم يقبل هدية المشركين.
407 - وسأله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، فقال: رجل أهدى إلي قوْساً ممن كنت أعلِّمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله، فقال: «إن كنت تحبُّ أن تطوَّق طوْقاً من نار فاقبلها» .
408 - ولا ينافي هذا قوله: «إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» ، في قصة الرُّقية، لأن تلك جَعالة على الطب؛ فطبَّه بالقرآن، فأخذ الأجرة على الطب، لا على تعليم القرآن، وها هنا منعه من أخذ الأجرة على تعليم القرآن؛ فإن الله تعالى قال لنبيه: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } ـ (الأنعام: 90)، وقال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٍ } (سبأ: 47)، وقال تعالى: {اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }(يس: 21)، فلا يجوز أخذ الأجرة على تبليغ الإسلام والقرآن.
409 - وسأله صلى الله عليه وسلم أبو النعمان بن بشير أنبني مات، فما لي من ميراثه؟ فقال: «لك السدس» ، فلما أدبر دعاه فقال: «لك سدس آخر» ، فلما ولى دعاه وقال: «إن السدس الآخر طُعمة» .
413 - وسأله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الكلالة، فقال: «يكفيك من ذلك الآية التي أُنزلت في الصيف في آخر سورة النساء» .
414 - وسأله صلى الله عليه وسلم جابر: كيف أقضي في مالي، ولا يرثني إلا كلالة؟ فنزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُو?اْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } (النساء: 176).
415 - وسأله صلى الله عليه وسلم تميم الداري: يا رسول الله، ما السنة في الرجل من المشركين يُسْلم على يد رجل من المسلمين؟ فقال: «هو أولى الناس بمحياه ومماته» .
416 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: كنت تصدَّقت على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت الوليدة. قال: «قد وَجَبَ أجرك. ورجعت إليك في الميراث» . هو ظاهر جداً في القول بالرد، فتأمله.
417 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن الكلالة قال: «ما خلا الولدَ والوالد» .
418 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد، قتل معك يوم أُحد، وإن عمهما أخذ جميع ما ترك أبوهما، وإن المرأة لا تنكح إلا على مالها، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أُنزلت آية الميراث، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا سعد بن الربيع، فقال: «أعطِ بنتي سعدٍ ثلثي ميراثه، وأعط امرأته الثمن، وخذ أنت ما بقي» .
419 - وسئل أبو موسى الأشعري عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال: «للبنت النصف، وللأخت: النصف، وأت ابنَ مسعود فسيتابعني» ، فسئل ابن مسعود وأُخْبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم، للبنت النصفْ ولابنة الابنِ السدسُ تكملة للثلثين، وما بقي فللأخت.
420 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: عندي ميراث رجل من الأزد، ولست أجد أزْديًّا أدفعه إليه، فقال: «اذهب فالتمس أزْديًّا حولاً» ، فأتاه بعد الحول، فقال: يا رسول الله، لم أجد أزديًّا أدفعه إليه، قال: «فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه، فلما ولى قال: «عليَّ بالرجل» فلما جاءه قال: «انظر أكبر خزاعة فادفعه إليه».
421 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل مات ولم يدَعْ وارثاً إلا غلاماً له كان أعتقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل له أحد» ؟ قالوا: لا، إلا غلاماً له كان أعتقه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه له. ذكره أحمد وأهل السنن، وهو حسن، وبهذه الفتوى نأخذ.
422 - وأفتى صلى الله عليه وسلم: «بأن المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعَنَتْ عليه» . ذكره أحمد وأهل السنن، وهو حديث حسن، وبه نأخذ.
423 - وأفتى صلى الله عليه وسلم بأن المرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً، فإذا قتل أحدهما صاحبه عمداً لم يرث من ديته وماله شيئاً، وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته. ذكره ابن ماجة، وبه نأخذ.
424 - وأفتى صلى الله عليه وسلم بأنه أيما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا، لا يرث ولا يورث.
425 - وقضى صلى الله عليه وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمَّه وترثه أمه، ومن قذفها جلد ثمانين. ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين.
426 - وعند أبي داود: وحعل ميراث ولد الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها.
427 - وسأله صلى الله عليه وسلم الشريد بن سُويد، فقال: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة مؤمنة، وعندي جارية سوداء نوبية، أفأعقتها عنها؟ فقال: «ائت بها» ، فقال: «من ربك» ؟ قالت: الله، قال: «من أنا» ؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» .
428 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: عليَّ عتق رقبة مؤمنة: وأتاه بجارية سوداء أعجمية، فقال لها: «أين الله» ؟ فأشارت إلى السماء بأصبعها السّبابة، فقال لها: «من أنا» ؟ فأشارت بأصبعها إلى رسول الله، وإلى السماء، أي أنت رسول الله، فقال: «أعتقها» .
429 - وسأله معاوية بن الحكم السلمي فقال: كانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل نجد والجَوَّابية فاطلعت ذات يوم فإذا الذئبُ قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صَكة، فعظم ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ فقال: «ائتني بها» ، فقال لها: «أين الله» ؟ قالت: في السماء، قال: من أنا، قالت: «أنت رسول الله» ، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة» . قال الشافعي: فلما وصفت الإيمان وأن ربها تبارك وتعالى في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله. وسأل صلى الله عليه وسلم أين الله؟ فأجاب مَنْ سأله بأن الله في السماء، فرضي جوابه، وعَلم به أنه حقيقة الإيمان لربه، وأجاب هو صلى الله عليه وسلم مَنْ سأله أين الله، ولم ينكر هذا السؤال عليه، وعند الجهمي أن السؤال بأيْنَ الله كالسؤال بما لونه وما طعمه وما جنسه وما أصله، ونحو ذلك من الأسئلة المحالة الباطلة.
430 - وسألته صلى الله عليه وسلم ميمونة أم المؤمنين فقالت: أشعرت أني أعتقت وليدتي؟ قال: «لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك» .
431 - وسأله صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم عن صاحب لهم قد أوجب يعني النار بالقتل، فقال: «أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار» .
432 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: كم أعفو عن الخادم؟ فصمت عنه، ثم قال: يا رسول الله كم أعفو عن الخادم؟ قال: «اعْفُ عنه كل يوم سبعين مرة» .
433 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا، فقال: «لا خير فيه، نعلان أجاهد فيهما في سبيل الله أحب إليَّ من أن أعتق ولد الزنا» .
434 - وسأله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة فقال: إن أمي ماتت وعليها نَذْر، أفيجزىء عنها أن أعتق عنها؟ قال: «أعتق عن أمك» وعند مالك: إن أُمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ فقال: «نعم» .
435 - واستَفْتَتْهُ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فقالت: إني أردت أن أشتري جارية فأعقتها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فقال: «لا يمنعك ذلك. إنما الولاء لمن أعتق» . والحديث في الصحيح، فقالت طائفة: يصح الشرط والعقد، ويجب الوفاء به، وهو خطأ. وقالت طائفة: يبطل العقد والشرط، وإنما صح عقدُ عائشة، لأن الشرط لم يكن في صلب العقد، وإنما كان متقدماً عليه، فهو بمنزلة الوعد لا يلزم الوفاء به، وهذا وإن كان أقربَ من الذي قبله فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُعلل به، ولا أشار في الحديث إليه بوجه ما، والشرط المتقدم كالمُقارن. وقالت طائفة: في الكلام إضمار تقديره: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطيه، فإن اشتراطه لا يفيد شيئاً، لأن الولاء لمن أعتق، وهذا أقرب من الذي قبله مع مخالفته لظاهر اللفظ. وقالت طائفة: اللام بمعنى عَلى، أي اشترطي عليهم الولاء؛ فإنكِ أنتِ التي تُعتقين، والولاء لمن أعتق، وهذا وإن كان أقل تكلفاً مما تقدم، ففيه إلغاء الاشتراط؛ فإنها لو لم تشترطه لكان الحكم كذلك. وقالت طائفة: هذه الزيادة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من قول هشام بن عروة، وهذا جواب الشافعي نفسه. وقال شيخنا: بل الحديث على ظاهره، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم باشتراط الولاء تصحيحاً لهذا الشرط، ولا إباحة له، ولكن عقوبة لمشترطه، إذ أبى أن يبيع جارية للمعتق إلا باشتراط ما يخالف حكم الله تعالى وشرعه، فأمرها أن تدخل تحت شرطهم الباطل ليظهر به حكم الله ورسوله؛ لأن الشروط الباطلة لا تغير شرعه، وإن من شرط ما يخالف دينه لم يجز أن يُوفى له بشرطه، ولا يبطل البيع به، وإن من عرف فساد الشرط، وشَرَطه ألغي اشتراطه ولم يعتبر، فتأمل هذه الطريقة وما قبلها من الطرق، والله تعالى أعلم.
● [ فصل عن الزواج ] ●436 - وسئل صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ فقال: «التي تسره إذا نَظَر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» .
437 - وسئل صلى الله عليه وسلم أي المال يتخذ؟ فقال: «ليتَّخِذْ أحَدُكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم عَلَى أمر الآخرة» .
438 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أصبت امرأة ذات حَسَبٍ وَجَمال وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: «لا» ، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الوَدُود فإني مُكاثِر بكم الأمم» .
439 - وسأله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة رضي الله عنه، فقال: إني رجل شابّ وإني أخاف الفتنة، ولا أجد ما أتزوج به، أفلا أخْتصِي؟ قال: فسكت عني، ثم قلت، فسكت عني، ثم قال: «يا أبا هريرة، جَفَّ القلم بما أنت لاقٍ، فاختصر على ذلك أو زد» .
440 - وسئل صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أختصي، قال: «خِصَاءُ أُمَّتي الصيام» .
441 - وسئل صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه، فقالوا: ذهب أهل الدُّثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل لكم ما تصدقون به، إن كلَّ تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تَهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن مُنكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة» ، قالوا: يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو كان وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا كان وضعها في الحلال كان له أجر» . وأفتى صلى الله عليه وسلم من أراد أن يتزوج امرأة بأن ينظر إليها.
422 - وسأله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة عن امرأة خَطبها، قال: اذْهَب فانظر إليها فإنه أَجْدَر أن يؤْدم بينكما. فأتى أبويها فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك، فسمعت ذلك المرأة وهي في خِدْرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أنشدك، كأنها عظَّمت ذلك عليه، قال: فنظرت إليها فتزوجتها، فذكر من موافقتها له.
443 - وسأله صلى الله عليه وسلم جرير عن نظرة الفجاءة، فقال: «اصرفْ بصرَك».
444 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: عوراتُنا ما نأتي منها وما نَذَر؟ قال: «احفَظْ عَوْرتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك» ، قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القومُ بعضهم في بعض، فقال: «إن استطعت أن لا يرينها أحدٌ فلا يَرينَّها» ، قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً، قال: «الله أحق أن يُسْتَحيا منه» .
445 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أن يزوجه امرأة، فأمره أن يُصْدِقها شيئاً ولو خاتماً من حديد، فلم يجده، فقال: «ما معك من القرآن» ؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: «تقرؤهن عن ظهر قلب» ؟ قال: نعم، قال: «اذْهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن» .
446 - واستأذنته أم سَلمة في الحِجامة، فأمر أبا طيبة أن يحجمها، قال: «حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة، أو غلاماً لم يحتلم» .
447 - وأمر صلى الله عليه وسلم أم سلمة وميمونة أن يحتجبا من ابن أم مكتوم، فقالتا: أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ قال: «أفَعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» . فأخذت طائفة بهذه الفتوى، وحرمت على المرأة نظرها إلى الرجل، وعارضت طائفة أخرى هذا الحديث بحديث عائشة في الصحيحين أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وفي هذه المعارضة نظر، إذ لعل قصة الحبشة كانت قبل نزول الحجاب، وخصت طائفة أخرى ذلك بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
448 - وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا؟ فقال: «نعم تستأمر» ، قالت عائشة رضي الله عنها: فإنها تستحي، فقال صلى الله عليه وسلم: «فذاك إذنها إذا هي سكتت» . وبهذه الفتوى نأخذ، وأنه لا بد من اسْتِئْمار البكر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: «الأيِّمُ أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأمَر في نفسها، وإذنها صُماتُها» وفي لفظ: «والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها» . وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح البكر حتى تستأذن» ، قالوا: وكيف إذنُها؟ قال: «أن تسكت» وسألته صلى الله عليه وسلم جارية بكر، فقالت: إن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمر باستئذان البكر، ونهى عن إنكاحها بدون إذنها، وخيَّرَ صلى الله عليه وسلم من نكحت ولم تستأذن، فكيف بالعدول عن ذلك كله ومخالفته بمجرد مفهوم قوله: «الأيِّم أحق بنفسها من وليها» ؟ كيف ومنطوقه صريح في أن هذا المفهوم الذي فهمه مَن قال تنكح بغير اختيارها غير مراد؟ فإنه قال عقيبه: «والبكر تستأذن في نفسها» ، بل هذا احتراز منه صلى الله عليه وسلم مِنْ حَمل كلامه على ذلك المفهوم كما هو المعتاد في خطابه كقوله: «لا يقتَل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده» فإنه لما نفى قتل المسلم بالكافر أوهم ذلك إهدارَ دمِ الكافر، وأنه لا حرْمة له، فرفع هذا الوهم بقوله: «ولا ذو عهد في عهده» . ولما كان الاقتصار على قوله: «ولا ذو عهد» يوهم أنه لا يقتل إذا ثبت له العهد من حيث الجملة رفع هذا الوهم بقوله: «في عهده» وجعل ذلك قيداً لعصمة العهد فيه، وهذا كثير في كلامه صلى الله عليه وسلم لمن تأمله، كقوله: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» فإن نهيه عن الجلوس عليها لما كان ربما يوهم التعظيم المحذور رفعه بقوله: «ولا تصلوا إليها» . والمقصود: أن أمره باستئذان البكر ونهيه عن نكاحه بدون إذن
وتخييرها حيث لم تستأذن لا معارِض له؛ فيتيعن القول به، وبالله التوفيق.
449 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن صَدَاق النساء، فقال: «هو ما اصطلح عليه أهلوهم» ذكره الدارقطني. وعنده مرفوعاً: «أنكحوا اليتامى» ، قيل: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: «ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيباً من أراك» .
450 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خَسيسته، فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أَجَزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم النساء أنْ ليس إلى لآباء من الأمر شيء.
451 - ولما هلك عثمان بن مظعون ترك ابنة له، فزوجها عمها قُدَامة من عبد الله بن عمر، ولم يتسأذنها؛ فكرهت نكاحه، وأحبت أن يتزوجها المغيرة بن شعبة؛ فنزعها من ابن عمر، وزوجها المغيرة، وقال: «إنها يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها» .
452 - وسأله صلى الله عليه وسلم مَرْثَد الغَنَوي فقال: يا رسول الله أنكح عَناقاً؟ وكانت بَغيًّا بمكة، فسكت عنه، فنزلت الآية: {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } (النور: 3) فدعاه فقرأها عليه، وقال: «لا تَنْكحها» .
453 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل آخرُ عن نكاح امرأة يقال لها: أم مهزول كانت تسافح فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية.
454 - وأفتى صلى الله عليه وسلم بأن الزاني المجلودَ لا ينكح إلا مثله، فأخذ بهذه الفتاوى التي لا معارض لها الإمام أحمد وَمَن وافقه، وهي من محاسن مذهبه رحمة الله عليه، فإنه لم يجوِّز أن يكون الرجل زوج قحبة، ويعضد مذهبه بضعة وعشرون دليلاً قد ذكرناها في موضع آخر.
455 - وأسلم قيس بن الحارث وتحته ثمانُ نسوةٍ، فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «اختر منهن أربعاً» .
456 - وأسلم غَيلان وتحته عشر نسوة، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهن أربعاً. وهما كالصريح في أن الخيرة إليه بين الأوائل والأواخر.
457 - وسأله صلى الله عليه وسلم فيروزُ الديلمي فقال: أسلمتُ وتحتي أختان، فقال: «طلق أيتهما شئت» .
458 - وسأله صلى الله عليه وسلم بَصْرَة بن أكتم، فقال: نكحت امرأة بكراً في سترها، فدخلت عليها، فإذا هي حُبْلَى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك. فإذا ولدت فاجلدوها، وفرق بينهما» . ولا يشكل من هذه الفتوى إلا مثل عُبُودية الولد، والله أعلم.
459 - وأسلمت امرأة على عهده صلى الله عليه وسلم، فتزوجت، فجاء زوجها فقال: يا رسول الله إني كنت أسلمت، وعلمت بإسلامي؛ فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر، وردها إلى الأول.
460 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقاً حتى مات، فقضى لها على صداق نسائها، وعليها العدة، ولها الميراث. ذكره أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وغيره، وهذه فتوى لا معارض لها، فلا سبيل إلى العدول عنها.
461 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن امرأة تزوجت ومرضت، فتمعَّط شعرها، فأرادوا أن يَصِلُوه، فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» .
462 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن العزل، قال: «أو إنكم لتفعلون» ؟ قالها ثلاثاً، «ما من نَسْمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة» . ولفظ مسلم: «ألا عليكم أن لا تفعلوا: ما كتب الله عز وجل خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون» .
463 - وسئل صلى الله عليه وسلم أيضاً عن العزل فقال: «ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء» .
464 - وسأله صلى الله عليه وسلم آخر فقال: إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موؤودة صُغْرَى، فقال: «كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» .
465 - وسأله صلى الله عليه وسلم آخر فقال: عندي جارية وأنا أعزل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ذلك لا يمنع شيئاً أراده الله» . فجاء الرجل فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجارية التي كنت ذكرتها لك حملت، فقال: «أنا عبد الله ورسوله» .
466 - وعنده أيضاً: إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل؛ فقال: «اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها» فلبث الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت، فقال: «قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها» .
467 - وسأله صلى الله عليه وسلم آخر عن ذلك فقال: «لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرجه الله منها، وليخلقن الله عز وجل نفساً هو خالقها» .
468 - وسأله صلى الله عليه وسلم آخر فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال: «لم تفعل ذلك» ؟ فقال: إني أشفق على ولدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان ذلك ضاراً ضر فارس والروم» ، وفي لفظ: «إن كل كذلك فلا، ما ضر ذلك فارس والروم».
● [ فصل عن وطء المرأة ] ●469 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار عن التَّجْبية، وهي وطء المرأة في قبلها من ناحية دبرها فتلا عليها قوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُو?اْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (البقرة: 223) «صماماً واحداً» .
470 - وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هلكتُ، قال: «وما أهلكك» ؟ قال: حولت رَحْلي البارحة، فلم يردَّ عليه شيئاً؛ فأوحى الله إلى رسوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُو?اْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (البقرة: 223) «أقبل وأدْبِر واتقوا الحيضة والدبر» . وهذا هو الذي أباحه الله ورسوله، وهو الوطء من الدبر لا في الدبر، وقد قال: «ملعون من أتى امرأته في دبرها» ، وقال: «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه فقد كفر بما أُنزل على محمد» .
471 - وقال: «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن» .
472 - وقال: «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر» .
473 - وقال في الذي يأتي امرأته في دبرها: «هي اللوطية الصغرى» ، وهذه الأحاديث جميعها ذكرها أحمد في المسند.
● عن حق امرأة ●474 - وسئل صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: «أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت» .
● [ فصل عن أحكام الرضاع ] ●475 - وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين فقالت: إن أفلح أخا أبي القُعَيْس استأذن عليَّ؛ وكانت امرأته أرضعتني، فقال: «ايذني له، إنه عمك» .
476 - وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: إني كانت لي امرأة، فتزوجْتُ عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثاء رَضْعة أو رضعتين، فقال: «لا تحرم الإمْلاجة ولا الإملاجتان» .
477 - وسألته صلى الله عليه وسلم سَهْلة بنت سهيل: فقالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال: «أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة» فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. فأخذت طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة، ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقدموا عليها أحاديثَ توقيت الرضاع المحرَّم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه: أحدها: كثرتها وانفراد حديث سالم. الثاني: أن جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خلا عائشة رضي الله عنهن في شق المنع. الثالث: أنه أحْوط. الرابع: أن رضاع الكبير لا ينبت لحماً ولا ينشر عظماً، فلا تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم. الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصاً بسالم وحده، ولهذا لم يجىء ذلك إلا في قصته.
478 - السادس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخلأ من الرضاعة، فقال: «انظرن مَنْ إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة» . وفي قصة سالم مَسْلك آخر، وهو أن هذا كان موضع حاجة؛ فإن سالماً كان قد تبنَّاه أبو حذيفة ورباه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد، فإذا دَعَتِ الحاجة إلى مثل ذلك فالقولُ به مما يسوغ، فقيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يَجنح، والله أعلم.
479 - وسئل صلى الله عليه وسلم أن ينكح ابنة حمزة، فقال: «لا تحل لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» .
480 - وسأله صلى الله عليه وسلم عقبة بن الحارث فقال: تزوجت امرأة، فجاءت أمة سوداء فقالت: أرضعتكما، وهي كاذبة؛ فأعرض عنه، فقال: إنها كاذبة، فقال: «كيف بها وقد زعمت بأنها أرضعتكما؟ دَعْها عنك»، ففارقها وأنكحت غيره» . ذكره مسلم. وللدارقطني: دعها عنك فلا خير لك فيها.
481 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ما يذهب عني مَذِمَّةَ الرضاع؟ فقال: «غُرَّةٌ، عَبْد أو أمَة» . ذكره الترمذي وصححه، والمذمة -ـ بكسر الذال -ـ من الذِّمام، لا من الذم الذي هو نقيض المدح، والمعنى أن للمرضعة على المرضع حقاً وذِماماً، فيذهبه عبد أو أمة فيعطيها إياه.
482 - وسئل صلى الله عليه وسلم: ما الذي يَجُوز من الشهود في الرضاع؟ فقال: «رجل أو امرأة» .
● [ فصل من فتاويه صلى الله عليه وسلم في الطلاق ] ●483 - ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأله عن طلاق ابنهِ امرأتهُ وهي حائض، فأمر بأن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أن يطلق بعد فلْيطلق.
484 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن امرأتي، وذكر من بَذائها، فقال: «طلقها» ، فقال: إن لها صحبة وولداً، قال: «مُرْها وقل لها، فإن يكن فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظَعينَتَكَ ضَرْبك أَمَتَك» .
485 - وسأله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تردُّ يَدَ لامس، قال: «غيِّرها إن شئت» ، وفي لفظ: «طلقها» ، قال: إني أخاف أن تتبعها نفسي، قال: «فاستمتع بها». فعورض بهذا الحديث المتشابه الأحاديثُ المحكمة الصريحة في المنع من تزويج البغايا، واختلفت مَسالك المحرمين لذلك فيه. فقالت طائفة: المراد باللامس ملتمسُ الصدقة، لا ملتمس الفاحشة. وقالت طائفة: بل هذا في الدوام غير مؤثر، وإنما المانع ورود العقد على زانية؛ فهذا هو الحرام. وقالت طائفة: بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما؛ فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حراماً؛ فأمره حينئذٍ بإمساكها؛ إذ مُواقعتها بعد عقد النكاح أقل فساداً من مواقعتها بالسفاح. وقالت طائفة: بل الحديث ضعيف لا يثبت. وقالت طائفة: ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية، وإنما فيه أنها لا تمتنع ممن لمسها أو وضع يده عليها أو نحو ذلك؛ فهي تعطي اللِّيان لذلك، ولا يلزم أن تعطيَه الفاحشة الكبرى، ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها لداعي الفاحشة، فأمره بفراقها تركاً لما يريبه إلا ما لا يريبه، فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكِها أرْجَحَ نمن مفارقتها لما يكره من عدم انقباضها عمن يلمسها، فأمره بإمساكها، وهذا لعله أرجح المسالك، والله أعلم.
● عن الطلاق الثلاث ●486 - وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقال: إن زوجي طلقني، يعني: ثلاثاً، وإني تزوجت زوجاً غيره، وقد دخل بي، فلم يكن معه إلا مثل هُدْبَة الثوب، فلم يَقْرَبني إلا بهنَةٍ واحدة، ولم يصل مِنِّي إلى شيء، أفأحل لزوجي الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلِّينَ لزوجك الأول حتى يذوقَ الآخرُ عُسيْلَتَكِ وتذوقي عُسَيْلَتَهُ» .
487 - وسئل صلى الله عليه وسلم أيضاً عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً، فيتزوجها الرجل فيغلق الباب، ويُرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، قال: «لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر» .
488 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن التيس المستعار فقال: «هو المحلل» ، ثم قالُّ: «لعن الله المحلِّل والمحلَّل له» .
489 - وسألته امرأة عن كفر المنعمين، فقال: لعل إحْدَاكن أن تطول أيْمَتها بين يدي أبويها تَعْنُس، فيرزقها الله زوجها، ويرزقها منه مالاً وولداً، فتغضب الغضبة، فتقول: «ما رأيت منه يوماً خيراً قط» .
490 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام غضبان، ثم قال: «أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم» ؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله أَلاَ أقتله؟.
491 - وطلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأتَهُ ثلاثاً في مجلس واحد، فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف طلقتها» ؟ فقال: طلقتها ثلاثاً، فقال: «في مجلس واحد» ؟ فقال: نعم، قال: «إنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت» قال: فراجعها، فكان ابن عباس يروي «إنما الطلاق عند كل طهر» ذكره أحمد، قال: حدثنا سعيد بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس، فذكر،ه، وأحمد يصحح هذا الإسناد، ويحتج به، وكذلك الترمذي.
492 - وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جُريج قال: أخبرني بعضُ بني رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس، قال: طلَّق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أمَّ ركانة ونكح امرأة من مُزَينة، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يُغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرة أخذَتها من رأسها، ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حَمِيَّته، فدعا بُركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: «أترون أن فلاناً يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد، وفلاناً منه كذا وكذا» ؟ قالوا: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: «طلِّقها» ، ففعل، فقال: «راجع امرأتك أم ركانة وإخوته» فقال: إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله، قال: «قد علِمْتُ، راجعها» ، وتلا: {ياأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } (الطلاق: 1).
493 - قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق، فذكره، فهذه طريقة أخرى متابعة لابن إسحاق، والذي يُخافُ من ابن إسحاقٍ التدليسُ، وقد قال: حدثني، وهذا مذهبه، وبه أفتى ابن عباس في إحدى الروايتين عنه، صح عنه ذلك، وصح عنه إمضاء الثلاث موافقة لعمر رضي الله عنه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عَهْده وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما، وغاية ما يقدر مع بُعده أن الصحابة كانوا على ذلك ولم يبلغه. وهذا وإن كان كالمستحيل فإنه يدلُّ على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك، وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم به، فهذه فتواه وعملُ أصحابه كأنه أخذ باليد ولا معارض لذلك. ورأى عمر رضي الله عنه أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبةً وزجراً لهم لئلا يرسلوها جملة، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، غايته أن يكون سائغاً لمصلحة رآها، ولا يوجب ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه في عَهْده وعهد خليفته، فإذا ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء، وبالله التوفيق. عن «إن تزوجت فلانة فهي طالق»
494 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثاً، فقال: «تزوجها، فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح» .
495 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فقال: «طَلَّقَ ما لا يملك» .
496 - وسأله صلى الله عليه وسلم عبد فقال: إن مولاتي زوجَتْني، وتريد أن تفرق بيني وبين امرأتي، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بالُ أقوامٍ يزوجون عبيدهم إماءهم، ثم يريدون أن يفرقوا بينهم، ألا إنما يملك الطلاقَ من أخذ بالساق» .
497 - وسأله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس: هل يصلح أن يأخذ بعضَ مال امرأته ويفارقها؟ قال: «نعم» ، قال: فإني قد أصدقتها حديقتين وهما بيدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «خذهما وفارقها» ذكره أبو داود، وكانت قد شكَتْه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحبُّ فراقه كما ذكره البخاري أنها قالت: يا رسول الله ثابتُ بن قيس ما أعِيبُ عليه في خُلُق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال: «أتردين عليه حديقته» ؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الحديقة وطلقها تطليقة» . وعند ابن ماجة : إني أكره الكفر في الإسلام، ولا أطيقه بغضاً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. وعند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها أن تتربَّصَ حيضة واحدة، وعند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتدَّ بحيضة واحدة.
498 - وأفتى النبي صلى الله عليه وسلم «أن المرأة إذا ادَّعَتْ طلاقَ زوجها، فجاءت على ذلك بشاهدٍ عدلٍ استحلفت زوجها، فإن حلف بطلتْ شهادة الشاهد، وإن نَكَل فنُكُوله بمنزلة شاهد آخر، وجاز طلاقه» .
499 - وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل ظَاهَرَ من امرأته، ثم وقع عليها قبل أن يُكفِّر، قال: «وما حملك على ذلك يرحمك الله» ؟ قال: رأيت خلْخَالها في ضوء القمر، قال: «لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عز وجل» حديث صحيح.
500 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: لو أن رجلاً وَجَدَ مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قَتَلَ قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال: «اللهم افْتَحْ، وجعل يدعو، فنزلت آية اللِّعان، فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعَنا» .
501 - وسأله صلى الله عليه وسلم رجل آخر فقال: إنَّ امرأتي ولدت على فراشي غلاماً أسود، وإنا أهل بيتٍ لم يكن فينا أسود قط، قال: «هل لك من إبل» ؟ قال: نعم، قال: «فما ألوانها» ؟ قال: حُمر، قال: «هل فيها من أوْرَق» ؟ قال: نعم، قال: «فأنَّى كان ذلك» ؟ قال: عسى أن يكون نَزَعَهُ عِرق، قال: «فلعل ابنك هذا نزعه عرق» .
502 - وحكم بالفرقة بين المتلاعنين، وأن لا يجتمعا أبداً، وأخْذِ المرأة صداقَها، وانقطاع نسب الولد من أبيه، وإلحاقه بأمه، ووجود الجلد على مَنْ قذفه أو قَذَف أمه، وسقوط الحد عن الزوج، وأنه لا يلزمه نفقة، ولا كُسْوة ولا سُلْني بعد الفرقة.
503 - وسأله صلى الله عليه وسلم سلمة بن صخْر البَياضي فقال: ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نَزَوْتُ عليها، فقال: «أنت بذاك يا سلمة» ، فقلت: أنا بذاك فأنا صابر لأمر الله عز وجل، فاحكم فيَّ بما أراك الله، قال: «حَرِّرْ رقبة» ، قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربْتُ صفحة رقبتي، قال: «فَصُمْ شهرين متتابعين» فقلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: «فأطْعِمْ وَسْقاً من تمر بين ستين مسكيناً» ، قلت: والذي بعثكَ بالحق نبياً لقد بتْنا وَحْشَيْن ما لنا من طعام، قال: «فانطلق إلى صاحب صدقة بني زُرَيق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وَسقاً من تمر، وكل أنت وعيالَك بقيتها» فرجعتُ إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السَّعة وحسن الرأي، وأمر لي بصدقتكم.
504 - وسألته صلى الله عليه وسلم خَولَة بنت مالك، فقالت: إن زوجها أوسَ بن الصامت ظاهرَ منها، وشكته إلى رسور الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُجادلها فيه بقوله: «اتق الله فإنه ابن عمك» ، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى? إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة: 1) الآيات. فقال: «يعتق رقبة» ، قالت: لا يجد، قال: «فيصوم شهرين مُتَتابعين» ، قالت: إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: «فليطعم ستين مسكيناً» قالت: ما عندهُ من شيء يتصدق به، فأتى ساعته بعَرَق من تمر، قلت: يا رسول الله إني أُعينه بعَرَق آخر، قال: «أحسنت» ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك. ذكره أحمد وأبو داود، ولفظ أحمد: قالت: فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صَدْر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده، وكان شيخاً كبيراً قد ساءَ خُلقه وضجر، قالت: فدخل عليَّ يوماً، فراجعته بشيء، فغضب فقال: أنت عليَّ كَظَهرِ أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت: قلت: كلا، والذي نفس الخوَيلة بيده لا تخلص إلي، وقد قلتَ ما قلتَ حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكم، قالت: فواثبني، فامتنعتُ منه، فغلبتُه بما تغلب المرأة الشيخَ الضعيفَ، فألقيته عني، ثم خرجت إليَّ بعض جاراتي، فاستعرت منها ثيابها، ثم خرجت حتى جئت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا خُويلة ابنُ عمك شيخ كبير، فاتقي الله فيه» قالت: فوالله ما برحتُ حتى نزل القرآن، فتغشَّى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُرِّيَ عنه، فقال: «يا خُوَيلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك» ثم قرأ
عَليَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى? إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة: 1). إلى قوله: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (المجادلة: 4) قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرِيه فليعتق رقبة» ، وذكر نحو ما تقدم. وعند ابن ماجة أنها قالت: يا رسول الله أكلَ شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي ظاهَرَ مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحتُ حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات.
وعن الأكل من مال اليتيم