من طرف صبايا السبت مارس 31, 2018 2:53 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ بداية أحداث سنة اربع عشر ومائتين وألف }
ثم دخلت سنة اربع عشر ومائتين وألف
استهل شهر المحرم بيوم الاربعاء فيه حضر جماعة من الفرنسيس الى العادلية فضربوا خمسة مدافع لقدومهم فلما كان في ثاني يوم عملوا الديوان وأبرزوا مكتوبا مترجما ونسخته صورة جواب من العرضي قدام عكا وفي سابع عشرين فريبال الموافق لحادي عشر شهر الحجة 1213 من بونابارته سارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية الى محفل ديوان مصر نخبركم عن سفره من بر الشام الى مصر فاني بغاية العجلة بحضوري لطرفكم نسافر بعد ثلاثة أيام تمضي من تاريخه ونصل عندكم بعد خمسة عشر يوما وجائب معي جملة محابيس بكثرة وبيارق ومحقت سراية الجزار وسور عكا وبالقنبر هدمت البلد ما أبقيت فيها حجرا على حجر وجميع سكانها انهزموا من البلد الى طريق البحر والجزار مجروح ودخل بجماعته داخل برج من ناحية البحر وجرحه يبلغ لخطر الموت ومن جملة ثلاثين مركبا موسوقة عساكر الذين حضروا يساعدون الجزار ثلاثة غرقت من كثرة مدافع مراكبنا واخذنا منها أربعة موقره مدافع والذي أخذ هذه الاربعة فرقاطه من بتوعنا والباقي تلف وتبهدل والغالب منهم عدم واني بغاية الشوق الى مشاهدتكم لاني بشوف انكم عملتم غاية جهدكم من كل قلبكم لكن جملة فلاتية دائرون بالفتنة لاجل ما يحركون الشر في وقت دخولي كل هذا يزول مثل ما يزول الغيم عند شروق الشمس ومنتوره مات من تشويش هذا الرجل صعب علينا جدا والسلام ومنتوره هذا ترجمان سارى عكسر وكان لبيبا متبحرا ويعرف باللغات التركية والعربية والرومية والطلبياني والفرنساوي ولما عجز الفرنساوية عن أخذ عكا وعزموا على الرجوع الى مصر ارسل بونابارته مكاتبة الى الفرنساوية المقيمين بمصر يقول فيها ان الامر الموجب للانتقال عن محاصرة عكا خمسة عشر سببا
الاول الإقامة تجاه البلدة وعدم الحرب ستة ايام الى ان جاءت الانكليز وحصنوا عكا باصطلاح الافرنج
الثاني الستة مراكب التي توجهت من الاسكندرية فيها المدافع الكبار أخذها الانكليز قدام يافا
الثالث الطعون الذي وقع في العسكر ويموت كل يوم خمسون وستون عسكريا
الرابع عدم الميرة لخراب البلاد قريب عكا
الخامس وقعة مراد بك مع الفرنساوية في الصعيد مات فيها مقدار ثلثمائة فرنساوي
السادس بلغنا توجه اهل الحجاز صحبة الجيلاني لناحية الصعيد
السابع المغربي محمد الذي صار له جيش كبير وادعى انه من سلاطين المغرب
الثامن ورود الانكليز تجاه الاسكندرية ودمياط
التاسع ورود عمارة الموسقو قدام رودس
العاشر ورود خبر نقض الصلح بين الفرنساوية والنيمساء
الحادي عشر ورود جواب مكتوب منا لتيبو احد ملوك الهند كنا ارسلناه قبل توجهنا لعكا وتيبوا هذا هو الذي كان حضر الى اسلامبول بالهدية التي من جملتها طائران يتكلمان بالهندية والسرير والمنبر من خشب العود وطلب منه الامداد والمعاونة على الانكليز المحاربين له في بلاده فوعدوه ومنوه وكتبوا له أوراقا واوامر وحضر الى مصر وذلك في سنة 1202 ايام السلطان عبد الحميد وقد سبقت الاشارة اليه في حوادث تلك السنة وهو رجل كان مقعدا تحمله اتباعه في تخت لطيف بديع الصنعة على اعناقهم ثم انه توجه الى بلاد فرنسا واجتمع بسلطانها وذلك قبل حضوره الى مصر واتفق معه على أمر في السر لم يطلع عليه أحد غيرهما ورجع الى بلاده على طريق القلزم فلما قدم الفرنساوية لمصر كاتبه كبيرهم بذلك السر لانه اطلع عليه عند قيام الجمهور وتملكه خزانة كتب السلطان ثم ان تيبوا المذكور بقي في حرب الانكليز الى ان ظفروا به في هذه السنة وقتلوه وثلاثة من اولاده فهذا ملخص معنى السبب
الثاني عشر موت كفرللي الذي عملت المتاريس بمقتضى رأيه واذا تولى امرها غيره يلزم نقضها ويطول الامر وكفرللي هذا هو المعروف بابي خشبة المهندس
الثالث عشرة سماع ان رجلا يقال له مصطفى باشا أخذه الانكليز من اسلامبول ومرادهم أن يرموه على بر مصر
الرابع عشر ان الجزار أنزل ثقله بمراكب الانكليز وعزم على انه عندما تملك البلد ينزل في مراكبهم ويهرب معهم
الخامس عشر لزوم ومحاصرة عكا ثلاثة شهور أو أربعة وهو مضر لكل ما ذكرناه من الاسباب انتهى
وفي يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة ايضا من العسكر بأثقالهم وحضرت مكاتبة من كبير الفرنساوية انه وصل الى الصالحية وأرسل دوجا الوكيل ونبه على الناس بالخروج لملاقاته بموجب ورقة حضرت من عنده يأمر بذلك
فلما كان ليلة الجمعة عاشره أرسلوا الى المشايخ والوجاقات وغيرهم فاجتمعوا بالازبكية وقت الفجر بالمشاعل ودقت الطبول وحضر الحكام والقلقات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية وملازمون وجاويشية وغير ذلك وحضر الوكيل وقائمقام وأكابر عساكرهم وركبوا جميعا بالترتيب من الازبكية الى أن خرجوا الى العادلية فقابلوا سارى عسكر بونابارته هناك وسلموا عليه ودخل معهم الى مصر من باب النصر بموكب هائل بعساكرهم وطبولهم وزمورهم وخيولهم وعرباتهم ونسائهم وأطفالهم في نحو خمس ساعات من النهار الى ان وصل الى داره بالازبكية وانفض الجمع وضربوا عدة مدافع عند دخولهم المدينة وقد تغيرت ألوان العسكر القادمين واصفرت ألوانهم وقاسوا مشقة عظيمة من الحر والتعب وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يوما حربا مستقيما ليلا ونهارا وأبلى أحمد باشا وعسكره بلاء حسنا وشهد له الخصم
وفيه قبضوا على اسمعيل القلق الخربطلي وهو المتولي كتخدا العزب وكان ساكنا بخط الجمالية وأخذوا سلاحه واصعدوه الى القلعة وحبسوه والسبب في ذلك انه عمل تل الليلة وليمة ودعا أحبابه وأصدقاءه وأحضر لهم آلات اللهو والطرب وبات سهرانا بطول الليل فلما كان اخر الليل غلب عليهم السهر والسكر فناموا الى ضحوة النهار وتأخر عن الملاقاة فلما أفاق ركب ولاقاهم عند باب النصر فنقموا عليه بذلك وفعلوا معه ما ذكر ولما وصل سارى عسكر الفرنساوية الى داره بالازبكية تجمع هناك أرباب الملاهي والبهالوين وطوائف الملاعبين والحواة والقرادين والنساء الراقصات والخلابيض ونصبوا أراجيح مثل ايام الاعياد والمواسم واستمروا على ذلك ثلاثة ايام وفي كل يوم من تلك الايام يعملون شنكا وحراقات ومدافع وسواريخ ثم انفض الجمع بعد ما أعطاهم سارى عسكر دراهم وبقاشيش
وفي يوم الاحد عزلوا دستان قائمقام وتولى عوضه دوجا الذي كان وكيلا عن سارى عسكر وتهيأ المعزول للسفر الى جهة بحرى وأصبح مسافرا وصحبته نحو الآلف من العسكر وسافر ايضا منهم طائفة الى جهة البحيرة
وفيه طلبوا من طوائف النصارى دراهم سلفة مقدار مائة وعشرين ألف ريال
وفي خامس عشرة أرسلوا الى زوجات حسن بك الجداوي وختموا على دورهن ومتاعهن وطالبوهن بالمال وذلك لسبب ان حسن بك التف على مراد بك وصار يقاتل الفرنسيس معه وقد كانت الفرنسيس كاتبت حسن بك وأمتته وأقرته عل ما بيده من البلاد وان لا يخالف ويقاتل مع الاخصام فلم يقبل منهم ذلك فلما وقع لنسائه ذلك ذهبن الى الشيخ محمد المهدي ووقعن عليه فصالح عليهم بمبلغ ثلاثة آلاف فرانسة
وفي تاسع عشرة هلك مخاييل كحيل النصراني الشامي وهو من رجال الديوان الخصوصي فجأة وذلك لقهره وغمه وسبب ذلك أنهم قرروا عليه في السلفة ستة آلاف ريال فرانسة وأخذ في تحصيلها ثم بلغه أن أحمد باشا الجزار قبض على شريكه بالشام واستصفى ما وجده عنده من المال فورد عليه الخبر وهو جالس يتحدث مع اخوانه حصة من الليل فخرجت روحه في الحال
وفيه كتبوا أوراقا وطبعوها والصقوها بالاسواق وذلك بعد ان رجعوا من الشام واستقروا وهي من ترصيف وتنميق بعض الفصحاء
وصورتها من محفل الديوان الخصوصي بمحروسة مصر خطابا لاقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحيرة النصيحة من الايمان قال تعالى في محكم القرآن ولا تتبعوا خطوات الشيطان وقال تعالى وهو اصدق القائلين في الكتاب المكنون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فعلى العاقل يتدبر في الامور قبل أن يقع في المحذور نخبركم معاشر المؤمنين انكم لا تسمعوا كلام الكاذبين فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وقد حضر الى محروسة مصر المحمية امير الجيوش الفرنساوية حضرة بونابارته محب الملة المحمدية ونزل بعسكره في العادلية سليما من العطب والاسقام ودخل الى مصر من باب النصر يوم الجمعة في موكب عظيم وشنك جليل فخيم وصحبته العلماء والوجاقات السلطانية وأرباب الاقلام الديوانية وأعيان التجار المصرية وكان يوما عظيما مشهودا وخرجت اهل مصر لملاقاته فوجدوه وهو الامير الاول بذاته وصفاته وظهر لهم ان الناس يكذبون عليه شرح الله صدره للاسلام والذي أشاع عنه الاخبار الكاذبة العربان الفاجرة والغز الهاربة ومرادهم بهذه الاشاعة هلاك الرعية وتدمير اهل الملة الاسلامية وتعطيل الاموال الديوانية لا يحبون راحة العبيد وقد أزال الله دولتهم من شدة ظلمهم ان بطش ربك لشديد وقد بلغنا ان الالفي توجه الى الشرقية مع بعض المجرمين من عربان بلى والعيايدة الفجرة المفسدين يسعون في الارض بالفساد وينهبون أموال المسلمين ان ربك لبالمرصاد ويزورون على الفلاحين المكاتيب الكاذبة ويدعون ان عساكر السلطان حاضرة والحال انها ليست بحاضرة فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة لهذا الأثر وانما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر مثل ما كان يفعل ابراهيم بك في غزة حيث كان ويرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعى انها من طرف السلطان ويصدقه أهل الارياف خسفاء العقول ولا يقرأون العواقب فيقعون في المصائب وأهل الصعيد طردوا الغز من بلادهم خوفا على أنفسهم وهلاك عيالهم وأولادهم فان المجرم يؤخد مع الجيران وقد غضب الله على الظلمة ونعوذ بالله من غضب الديان فكان اهل الصعيد احسن عقلا من اهل بحرى بسبب هذا الرأي السديد ونخبركم ان احمد باشا الجزار سموه بهذا الاسم لكثرة قتله الانفس ولا يفرق بين الاخبار والاشرار وقد جمع الطموش الكثيرة من العسكر والغز والعرب واسافل العشيرة وكان مراده الاستيلاء على مصر وأقاليمها واحبوا اجتماعهم عليه لاجل اخذ اموالها وهتك حريمها ولكن لم تساعده الأقدار والله يفعل ما يشاء ويختار وقد كان ارسل بعض هذه العساكر الى قلعة العريش ومراده ان يصل الى قطيا فتوجه حضرة سارى عسكر امير الجيوش الفرنساوية وكسر عسكر الجزار الذين كانوا في العريش ونادوا الفرار الفرار بعدما حصل بعسكرهم القتل والدمار وكانوا نحو ثلاثة آلاف وملك قلعة العريش واخذ غزة وهرب من كان فيها وفروا ولما دخل غزة نادى في رعيتها بالامان وامر باقامة الشعائر الاسلامية واكرام العلماء والتجار والاعيان ثم انتقل الى الرملة واخذ ما فيها من بقسماط وارز وشعير وقرب اكثر من الفي قربة كبار كان قد جهزها الجزار لذهابه الى مصر ثم توجه الى يافا وحاصرها ثلاثة ايام ثم اخذها واخذ ما فيها من ذخائر الجزار بالتمام ومن نحوسات اهلها انهم لم يرضوا بأمانة ولم يدخلوا تحت طاعته واحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل منهم نحو اربعة آلاف او يزيدون بعدما هدم سورها واكرم من كان بها من اهل مصر واطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب الى مصر وغفرهم بعسكره خوفا عليهم من العربان واجزل عطاياهم وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار هلكوا جميعا وبعضهم ما نجاه الا الفرار ثم توجه من يافا الى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان ثم اخرب سور عكا وهدم قلعة الجزار التي كانت حصينة لم يبق فيها حجر على حجر حتى انه يقال كان هناك مدينة وقد كان بني حصارها وشيد بنيانها في نحو عشرين من السنين وظلم في بنيانها عباد الله وهكذا عاقبة بنيان الظالمين ولما توجه اليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة شنيعة فهل ترى لهم من باقية نزل عليهم كصاعقة من السماء ثم توجه راجعا الى مصر المحروسة لاجل شيئين
الاول انه وعدنا برجوعه الينا بعد أربعة أشهر والوعد عند الحردين
والسبب الثاني انه بلغه ان بعض المفسدين من الغز والعربان يحركون في غيابه الفتن والشرور في بعض الاقاليم والبلدان فلما حضر سكنت الفتنة وزالت الاشرار والفجرة من الرعية وحبه لمصر واقليمها شيء عجيب ورغبته في الخير لاهلها ونيلها بفكره وتدبيره المصيب ويرغب ان يجعل فيها احسن التحف والصناعة ولما حضر من الشام أحضر معه جملة من الاسارى من خاص وعام وجملة مدافع وبيارق اغتنمها في الحروب من الاعداء والاخصام فالويل كل الويل لمن عاداه والخير كل الخير لمن والاه فسلموا يا عباد الله وارضوا بتقدير الله وامتثلوا لاحكام الله ولا تسعوا في سفك دمائكم وهتك عيالكم ولا تتسببوا في نهب أموالكم ولا تسمعوا كلام الغز الهربانين الكاذبين ولا تقولوا ان في الفتنة اعلاه كلمة الدين حاشا الله لم يكن فيها الا الخذلان وقتل الانفس وذل أمة النبي عليه الصلاة و السلام والغز والعربان يطمعوكم ويغروكم لاجل أن يضروكم فينهبوكم واذا كانوا في بلد وقدمت عليهم الفرنسيس فروا هاربين منهم كأنهم جند ابليس ولما حضر سارى عسكر الى مصر أخبر أهل الديوان من خاص وعام انه يحب دين الاسلام ويعظم النبي عليه الصلاة و السلام ويحترم القرآن ويقرأ منه كل يوم باتقان وأمر بأقامة شعائر المساجد الاسلامية واجراء خيرات الاوقاف السلطانية واعطى عوائد الوجاقلية وسعى في حصول اقوات الرعية فانظروا هذه الالطاف والمزية ببركة نبينا اشرف البرية وعرفنا ان مراده ان يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا نظير له في الاقطار وانه يدخل في دين النبي المختار عليه افضل الصلاة واتم السلام انتهى بحروفه
وكان أشيع بمصر قبل مجيئهم وعودهم من الشام بان سارى عسكر يونابارته مات بحرب عكا وتناقله الناس وانهم ولو اخلافه فهذا هو السبب في قولهم في ذلك الطومار وقد حضر سليما من العطب فوجدوه هو الامير الاول بذاته وصفاته الى آخر السياق المتقدم
وفي ثاني عشرينه أرسل سارى عسكر جماعة من العسكر وقبضوا على ملا زاده ابن قاضي العسكر ونهبوا بعضا من ثيابه وكتبه وطلعوا به الى القلعة فانزعج عليه عياله وحريمه ووالدته انزعاجا شديدا وفي صبحها اجتمع أرباب الديوان بالديوان وحضر اليهم ورقة من كبير الفرنسيس قرئت عليهم مضمونها أن سارى عسكر قبض على ابن القاضي وعزله وانه وجه اليكم أن تقترعوا وتختاروا شيخا من العلماء يكون من أهل مصر ومولودا بها يتولى القضاء ويقضي بالاحكام الشرعية كما كانت الملوك المصرية يولون القضاء برأى العلماء للعلماء فلما سمعوا ذلك أجاب الحاضرون بقولهم اننا جميعا نتشفع ونترجى عنده في العفو عن ابن القاضي فإنه انسان غريب ومن أولاد الناس الصدور وان كان والده وافق كتخدا الباشا في فعله فولده مقيم تحت أمانكم والمرجو انطلاقه وعوده الى مكانه فان والدته وجدته وعياله في وجد وحزن عظيم عليه وسارى عسكر من اهل الشفقة والرحمة وتكلم الشيخ السادات بنحو ذلك وزاد في القول بان قال وايضا انكم تقولون دائما ان الفرنساوية احباب العثمانية وهذا ابن القاضي من طرف العثملي فهذا الفعل مما يسيء الظن بالفرنساوية ويكذب قولهم وخصوصا عند العامة فاجاب الوكيل بعدما ترجم له الترجمان بقوله لا بأس بالشفاعة ولكن بعد تنفيذ امر سارى عسكر في اختيار قاض خلافه والا تكونوا مخالفين ويلحقكم الضرر بالمخالفة فامتثلوا وعملوا القرعة فطلعت الاكثرية باسم الشيخ احمد العريشي الحنفي ثم كتبوا عرضحال بصورة المجلس والشفاعة وكتب عليه الحاضرون وذهب به الوكيل الى سارى عسكر وعرفه بما حصل وبما تكلم به الشيخ السادات فتغير خاطره عليه وأمر باحضاره آخر النهار فلما حضر لامه وعاتبه فتكلم بينهما الشيخ محمد المهدي ووكيل الديوان الفرنساوي بالديوان حتى سكن غيظه وامره بالانصراف الى منزله بعد ان عوقه حصة من الليل فلما اصبح يوم الجمعة عملوا جمعية في منزل دوجا قائمقام وركبوا صحبته الى بيت سارى عسكر ومعهم الشيخ احمد العريشي فألبسه فروة مثمنة وركبوا جميعا الى المحكمة الكبيرة بين القصرين ووعدهم بالافراج عن ابن القاضي بعد اربع وعشرين ساعة وقد كانت عياله انتقلوا من خوفهم الى دار السيد احمد المحروقي وجلسوا عنده ولما كان في ثاني يوم افرجوا عنه ونزل الى عياله وصحبته أرباب الديوان والاغا ومشوا معه في وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال
وفي تلك الليلة قتلوا شخصين احدهما علي جاويش رئيس الريالة الذي كان بالاسكندرية عند حضور الفرنسيس والثاني قبطان آخره فلم يزالا بمصر يحبسونهما أياما ثم يطلقونهما فحبسوهما آخرا فلم يطلقوهما حتى قتلوهما
وفي صبيحة ذلك اليوم قتلوا شخصين ايضا من الاتراك بالرميلة
وفيه افرجوا عن زوجات حسن بك الجداوي
وفي ثامن عشرينه جمعوا الوجاقلية وكتبوا أسماءهم
وفي تاسع عشرينه قبضوا على ثلاثة انفار أحدهم يسمى حسن كاشف من اتباع ايوب بك الكبير وآخر يسمى ابو كلس والثالث رجل تاجر من تجار خان الخليلي يسمى حسين مملوك الدالي ابراهيم فسجنوهم بالقلعة فتشفع الشيخ السادات في حسين التاجر المذكور فأطلقوه على خمسة آلاف فرانسة
{ أحداث شهر صفر الخير سنة 1214 }
واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة
فيه افرجوا عن بعض قرابة كتخدا الباشا وكان محبوسا بالجيزة ثم نقل الى القلعة مع كتخدا قريبة فانطلق وبقي الاخر
وفي يوم الاحد ثالثه حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف سابقا من دمياط الى مصر وكان مقيما هناك من بعد واقعة يافا ونزل مع الذين انزلوهم من يافا الى البحر وفيهم عثمان افندي العباسي وحسن افندي كاتب الشهر واخوه قاسم افندي واحمد افندي عرفة والسيد يوسف العباسي والحاج قاسم المصلي وغيرهم فمنهم من عوق بالكرنتيلة ومنهم من حضر من البرخفية فحضر بعض الاعيان لملاقاة السيد عمر وركبوا معه بعد ان مكث هنيهة بزاوية علي بك التي بساحل بولاق حتى وصل الى داره وتوجه ثاني يوم مع المهدي وقابل سارى عسكر فبش له ووعده بخير ورد اليه بعض تعلقاته واستمر مقيما بداره والناس تغدو وتروح اليه على العادة
وفي رابعة حضر ايضا حسن كتخدا الجربان بامان وكان بصحبته عثمان بك الشرقاوي وفيه اشيع ان مراد بك ذهب الى ناحية البحيرة فرار من الفرنسيس الذين بالصعيد
وفي خامسة قتلوا عبد الله آغا امير يافا وكان اخذ اسيرا وحبس ثم قتل
وفيه قتل ايضا يوسف جربجي ابو كلس ورفيقه حسن كاشف
وفي سادسه عمل الشيخ محمد المهدي وليمة عرس لزواج احد أولاده ودعا سارى عسكر وأعيان الفرنساوية فتعشوا عنده وذهبوا
وفيه أحضروا اربعة عشر مملوكا اسرى واصعدوهم الى القلعة قيل انهم كانوا لاحقين بمراد بك بالبحيرة فآوو الى قبة يستظلون بها وتركوا خيولهم مع السواس فنزل عليهم طائفة من العرب فأخذوا الخيول فمروا مشاة فدل الفلاحون عليهم عسكر الفرنسيس فمسكوهم وقيل انهم آووا الى بلده وطلبوا منهم غرامة فصالحوهم فلم يرضوا بذلك بدون ما طلبوا فوعدوهم بالدفع من الغد وكانوا أكثر من ذلك وفيهم كاشف من جماعة عثمان بك الطنبرجي فذهب الفلاحون الى الفرنسيس واعلموهم بمكانهم فحضروا اليهم ليلا وفر من فر منهم وقتل من قتل وأسر الباقي
وأما الكاشف فيسمى عثمان التجأ الى كبير الفرنسيس فحماه واخذه عنده وأحضروا الاسرى الى مصر وعليهم ثياب زرق وزعابيط وعلى رؤوسهم عراقي من لباد وغيره وأصعدوهم الى القلعة وقتلوا منهم في ثاني ليلة أشخاصا
وفي تاسعه احضروا ايضا ستة اشخاص من المماليك واصعدوهم الى القلعة وفي ذلك اليوم قتلوا أيضا نحو العشرة من الاسرى المحابيس
وفي يوم الاحد عاشره ركب في عصريته سارى عسكر وعدى الى بر الجيزة وتبعته العساكر ولم يعلم سبب ذلك ولما صاروا بالجيزة ضربوا نجع البطران ودهشور بسبب نزول مراد بك عندهم وفي هذا اليوم ظهر ان مراد بك رجع ثانيا الى الصعيد وشاع الخبر ايضا ان عثمان بك الشرقاوي وسليمان اغا الوالي وآخرين مروا من خلف الجبل وذهبوا الى ناحية الشرق فخرج عليهم جماعة من العسكر وفيهم برطلمين يني الرومي رئيس عسكر الاروام ومعهم عدة وافرة من اخلاط العسكر اروام وقبط والمماليك المنضمة اليهم وبعض فرنساوية فأدركوهم بالقرب من بلبيس واتوهم من خلاف الطريق المسلوكة فدهموهم على حين غفلة وكان عثمان بك يغتسل فلما احسوا بهم بادروا للفرار وركبوا وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية فوق رأسه وهربوا وتركوا ثيابهم ومتاعهم وحملتهم وقدور الطعام على النار ولم يمت منهم الا مملوكان واسروا منهم اثنين ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من ابراهيم بك يستدعيهم الى الحضور اليه بالشام
وفي ليلة الاثنين حادي عشره وردت اخبار ومكاتيب مع السعاة لبعض الناس من الاسكندرية وابي قير واخبروا بانه وردت مراكب فيها عسكر عثمانية الى أبي قير فتبين ان حركة الفرنساوية وتعديتهم الى البر الغربي بسبب ذلك واخذوا صحبتهم جرجس الجوهري وفي ضحوة اليوم الثاني عدى الكثير من العسكر ايضا واهتم حنا بينو المتولي على بحر بولاق بجمع المراكب وشحنها بالقومانية والذخيرة وداخل الفرنساوية من ذلك وهم كبير ولما عدى كبيرهم الى بر الجيزة أقام يوم الاثنين عند الاهرام حتى تجمعت العساكر وبعث بالمقدمة وركب هو في يوم الثلاثاء ثاني عشره وأرسل مكتوبا الى ارباب الديوان بالسلام عليهم والوصية بالمحافظة وضبط البلد والرعية كما فعلوا في غيبته السابقة
وفي سادس عشره ورد الخبر بأن عثمان خجا وصل الى قلعة أبي قير صحبة السيد مصطفى باشا فضربوا على القلعة وقاتلوا من بها من الفرنساوية وملكوها وأسروا من بقي بها وعثمان خجا هذا هو الذي كان متواليا امارة رشيد من طرف صالح بك وحج معه ورجع صحبته الى الشام فلما توفي صالح بك سافر الى الديار الرومية وحضر صحبة مصطفى باشاالمذكور فلما تحققت هذه الاخبار كثر اللغط في الناس وأظهروا البشر وتجاهروا بلعن النصارى واتفق انه تشاجر بعض المسلمين بحارة البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة مع بعض نصارى السوام فقال المسلم للنصراني ان شاء الله تعالى بعد أربعة ايام نشتقي منكم وكلام من هذا المعنى فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس مع عصبة من جنسه واخبروهم بالقصة وزادوا وحرفوا وعرفوهم ان قصد المسلمين اثارة فتنة فأرسل قائممقام الى الشيخ المهدي وتكلم معه في شأن ذلك وحاججه وأصبحوا فأجتمعوا بالديوان فقام المهدي خطيبا وتكلم كثيرا ونفى الريبة وكذب أقوال الاخصام وشدد في تبرئة المسلمين عما نسب اليهم وبالغ في الحطيطة والانتقاص من جانب النصارى وهذا المقام من مقاماته المحمودة ثم جمعوا مشايخ الاخطاط والحارات
وفي ثامن عشره وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الاعيان ولتجار وكلها على نسق واحد تزيد عن الماءة مضمونها بأن المسلمين وعسكر العثمانيين ومن معهم ملكوا الاسكندرية في ثالث ساعة من يوم السبت سادس عشر صفر فصار الناس يحكي بعضهم لبعض ويقول البعض أنا قرأت المكتوب الواصل الى فلان التاجر ويقول الآخر مثل ذلك ولم يكن لذلك أصل ولا صحة ولم يعلم من فعل هذه الفعلة واختلق هذه النكتة ولعلها من فعل بعض النصارى البلديين ليوقعوا بها فتنة في الناس ينشأ منها القتل فيهم والاذية لهم وسبحان الله علام الغيوب
وفي ليلة الاربعاء عشرينه اشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع العساكر الواردين على ابي قير وظهروا عليهم وقتلوا الكثير منهم ونهبوهم وملكوا منهم قلعة أبي قير وأخذوا مصطفى باشا أسيرا وكذلك عثمان خجا وغيرهما واخبر الفرنسيس انه حضرت لهم مكاتبة بذلك من اكابرهم فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة من قلعة الجبل وباقي القلاع المحيطة وبصحن الازبكية وعملوا في ليلتها أعني ليلة الاربعاء حراقة بالازبكية من نفوط وبارود وسواريخ تصعد في الهواء
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه وصلت عدة مراكب وبها اسرى وعساكر جرحى وكذلك يوم الجمعة تاسع عشرينه حضرت مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحالة التي وقعت لم اقف على صورتها
{ أحداث شهر ربيع الاول سنة 1214 }
واستهل ربيع الاول بيوم السبت
في ثانيه وصلت مراكب من بحري وفيها جرحى من الفرنساوية
وفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من اعيان اهالي بولاق وحبسوه ببيت قائممقام والسبب في ذلك ان جماعة من جيرانه وشوا عنه بانه يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة فدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه الى القلعة
وفي سادسه حضر ايضا جملة من العسكر وكثر لغط الناس على عادتهم في رواية الاخبار
وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلوا صحبة الحج الشامي وأخبروا انهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم
وفي ليلة الاحد تاسعه حضر سارى عسكر الفرنساوية بونابارته ودخل الى داره بالازبكية وحضر صحبته عدة اناس من اسرى المسلمين وشاع الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس الى الازبكية ليتحققوا الخبر على جليته فشاهدوا الاسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس ثم انهم صرفوهم بعد حصة من النهار فأرسلوا بعضهم الىجامع الظاهر خارج الحسينية واصعدوا باقيهم الى القلعة وأما مصطفى باشا سارى عسكر فانهم لم يقدموا به لمصر بل ارسلوه الى الجيزة مكرما وابقوا عثمان خجا بالاسكندرية ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والاعيان وسلموا عليه فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان ان سارى عسكر يقول لكم انه لما سافر الى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه وأما في هذه المرة فليس كذلك لانكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم فكنتم فرحانين ومستبشرين وكنتم تعارضوا الاغا في احكامه وان المهدي والصاوي ما هم بونوأى ليسوا بطيبين ونحو ذلك وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها مشايخ الحارات فان الاغا الخبيث كان يريد ان يقتل في كل يوم اناسا بادنى سبب فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة وهو يرسل الى سارى عسكر فيطالعه بالاخبار يشكو منهما فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين الى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالازبكية ودعا الشيخ خليل البكري سارى عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الازبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الاسواق والدكاكين ليلا واسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بان الفرنسيس احضروا عثمان خجا ونقلوه من الاسكندرية الى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به الى داره فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق
وفي ثالث عشره أشيع بان كبير الفرنسيس سافر الى جهة بحري ولم يعلم أحد أي جهة يريد وسئل بعض اكابرهم فأخبر ان سارى عسكر المنوفية دعاه لضيافته بمنوف حين كان متوجها الى ناحية ابي قير ووعده بالعود اليه بعد وصوله الى مصر وراج ذلك على الناس وظنوا صحته
ولما كان يوم الاثنين سادس عشره خرج مسافرا من آخر الليل وخفى امره على الناس
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك فنودى بوفائه على العادة وخرج النصارى البلدية من القبطة والشوم والاروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب وذهبوا تلك الليلة الى بولاق ومصر العتيقة والروضة واكثروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الامراء سابقا من النزول في المراكب الكثيرة المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية والكفريات ومحاكاة المسلمين وبعضهم تزيابزي امراء مصر ولبس سلاحاوتشبه بهم وحاكى الفاظهم على سبيل الاستهزاء والسخرية وغير ذلك واجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البيارق وفيها انواع الطبول والمزامير في البحر ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق مالا يكيف ولا يوصف وسلك بعض غوغاء العامة وأسافل العلام ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون ان ينكر احد على احد من الحكام او غيرهم بل كل انسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وان لم يكن من امثاله
واكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون انواع الطبول والمزامير وفي الصباح ركب دوجا قائممقام وصحبته اكابر الفرنسيس واكابر اهل مصر وحضروا الى قصر السد وجلسوا به واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة باسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب لضرب المدافع المتتالية الى ان انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرفوا
وفي خامس عشرينه طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرسا
وفي سادس عشرينه كتبوااوراقا والصقوها بالاسواق مضمونها ان الناس يذهبون الى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما احبوا من الخيل
وفيه الصقوا اوراقا ايضا مضمونها بأن من كان عليه مال ميري ملزوم بغلاقه ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يوما عوقب بما يليق به ونادوا بموجب ذلك بالاسواق
وفي سابع عشرينه كتبوا اوراقا ايضا مضمونها انقضاء سنة مؤاجرات اقلام المكوس ومن اراد استثمار شيء من ذلك فليحضر الى الديوان وياخذ ما يريد بالمزاد
وفيه افرج عن الانفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيسا دفعوا بعضها وضمنهم اهل وكالة الصابون في البعض الباقي فانزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط ان لا يسافر منهم احد الا بعد غلاق ما عليه
وفي ثامن عشرينه تشفع ارباب الديوان في اهل يافا المسجونين بالقلعة ايضا فوقع التوافق معهم على الافراج عنهم بمصلحة مائة كيس فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على تقسيطها وتاجيلها في كل عشرين يوما خمسة وعشرون كيسا فدفع التجار خمسة وعشرين كيسا وافرج عنهم من القلعة واجلوا الباقي على الشرح المذكور
وفيه ورد من بونابارته سارى عسكر الفرنساوية كتاب من الاسكندرية خطا بالاهل مصر وسكانها فأحضر قائممقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ عليهم الكتاب مضمونه انه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور الى بلاد الفرنساوية لاجل راحة اهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر ويقدم مع عساكره فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين وان المولى على أهل مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعا كلهبر سارى عسكر دمياط فتحير الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية صيفا وشتاء ولكيفية خلوصة وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها
وفي يوم السبت تاسع عشرينه قدم سارى عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكنا به وهو بيت الالفي بالازبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم نحو السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة
وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والاعيان لمقابلة سارى عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه بشاشة ولا طلاقة وجه مثل بونابارته فإن كان بشوشا ويباسط الجلساء ويضحك معهم
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1214 }
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاحد
في اوائله ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليال متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشرة
وفيه طلب سارى عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين الف ريال فرانسة في مقابلة بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها
وفي يوم الجمعة سادسه ركب سارى عسكر الجديد من الازبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى القلعة وكان امامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يامرون الناس بالقيام والوقوف على الاقدام لمروره وكان صحبته عدة كثيرة من خياله الافرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والاغا وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضما اليهم ماعدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطبلوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى داره
وفي يوم السبت سابعه ركب اغاة الينكجرية في ابهة عظيمة وجبروت وامامه عدة من عسكر الفرنسيس وامامه المنادى يقول حكم مارسم سارى عسكر خطابا للاغا ان جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل الا ببيت الاغا وكل من تعدى من الرعايا او وقع منه قلة ادب يستأهل ما يجري عليه
وفيه ركب سارى عسكر الكبير في موكب دون الاول ووصل الى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره
وفي يوم الاحد ثامنه عمل سارى عسكر وليمة في بيته ودعا الاعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء عاشره وكان آخر المولد الحسيني وحضر سارى عسكر الفرنساوية مع اعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم وأمامه الاغا والوالي والمحتسب وعدة كبير من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل
وفي سادس عشرة نودى بنشر الحوائج وكتبوا بذلك اوراقا والصقوها بالاسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع كل منهم عسكرى من طرف الفرنساوية وامرأة ايضا للكشف على اماكن النساء فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم انما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء
وفي عشرينه نودى بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالازبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالازقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلا ونهارا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وانه كان رجلا من البله وكان يمشي بالاسواق عريانا مكشوف الرأس والسوأتين غالبا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم بدا لاخيه في أمر لما رأى من ميل الناس لاخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابا وأظهر للناس انه اذن له بذلك وانه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع الفاظه والانصات الى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وانه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بما في النفوس فانهمكوا على الترداد اليه وقلد بعضهم بعضا واقبلوا عليه بالهدايا والنذور والامدادات الواسعة من كل شيء وخصوصا من نساء الامراء والاكابر وراج حال أخيه واتسعت امواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الاكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقاما وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الاشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعا وموعدا فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس واهمل شانه في جملة المهملات وترك مع المتروكات فلما فتح امر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة