من طرف صبايا الجمعة أبريل 13, 2018 2:39 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر رمضان سنة 1219 }
شهر رمضان المعظم استهل بيوم الثلاثاء في ثانية حضر صالح أغا الذي كان يحاصر قادري أغا وضربوا له مدافع وتحقق أن قادري طلب امانا فارسلوا مع من معه الى دمياط وذلك بعد أن ضيقوا عليه وحضر اليه كاشف البحيرة وضايقه من الجهة الاخرى وفرغت ذخيرته فعند ذلك ارسل الى كاشف البحيرة فامنه
وفي سابعة وصل جماعة من الانكليز الى مصر وهم نحو سبعة عشر شخصا وفيهم فسيال كبير وآخر كان بصحبة علي باشا الطرابلسي
وفي عاشره سافر صالح أغا الى جهة بحرى قيل ليأتي بجانم افندي الدفتر دار فإنه لم يزل عاصيا عن الحضور الى مصر
وفيه ركب الباشا في التبديل ونزل من جهة التبانة فوجد في طريقة عسكريا ياخذ حمل تبن من صاحبه قهرا فكلمه وهو لم يعرفه فاغلظ في الجواب فقتله ثم نزل الى جهة باب الشعرية وخرج على ناحية قناطر الاوز فوجد جماعة من العسكر غاصبين قصعة زبدة من رجل فلاح وهو يصيح فادركهم وهم سبعة وفيهم شخص ابن بلد امرد لابس ملابس العسكر فأمر بقتلهم فقبضوا على ثلاثة منهم وفيهم ابن البلد وقتلوهم وهرب الباقون ثم نزل الى ناحية قنطرة الدكة وقتل شخصين أيضا وبناحية بولاق كذلك وبالجملة فقتل في ذلك اليوم نيفا وعشرين شخصا واراد بذلك الاخافة فانكف العسكر عن الايذاء قليلا وتواجد السمن وبعض الاشياء مع غلو الثمن
وفيه تواترت الاخبار بوقوع حرب بين العسكر والامراء المصريين في المنية وقتل من الامراء صالح بك الألفي ومراد بك من الصناجق الجدد المقلدين الامارة خارج مصر وهو زوج امرأة قاسم بك وخزندار البرديسي سابقا موسقو ولم تزل الحرب قائمة بين الفريقين وارسلوا بطلب ذخيرة علوفة فارسلوا لهم بقسما طا وغيره
وفي عشرينه حضر الى الباشا بعض الرواد واخبره أن طائفة من عرب اولاد علي نزلوا ناحية الاهرام بالجيزة وهم مارون يريدون الذهاب الى ناحية قبلي فركب في عسكره اليهم فوجدهم قد ارتحلوا ووجد هناك قبيلة يقال لهم الجوابيص نازلين بنجعهم هناك وهم جماعة مرابطون من خيار العرب لم يعهد منهم ضرر ولا اذية لاحد فقتل منهم جماعة ونهب نجعهم وجمالهم واغنامهم واحضر صحبته عدة اشخاص منهم وعدى الى مصر بمنهو باتهم وقد باع الاغنام والمعز للجزارين قهرا وكذلك الجمال باعوا منها جملة بالرميلة
وفي سادس عشرينه نهب العربان قافلة التجار الواصلة من السويس وهي نيف واربعة ألاف جمل من البن والبهار والقماش واصيب فيها كثير من فقراء التجار وسلبت اموالهم واصبحو لا ايملكون شيئا
وفيه حضر صالح أغا وصحبته جانم افندي الدفتردار فأسكنه الباشا بالقلعة وذكر جانم افندي المذكور ومن معه للباشا انهم رأوا هلال رمضان ليلة الاثنين صاموه بالاسكندرية ذلك اليوم وكذلك صاموه في رشيد وقوة وغالب بلاد بحرى وحضر أيضا الشيخ سليمان الفيومي قبل ذلك بأيام وحكى ذلك فلم يعمل به القاضي وقال أن رؤى الهلال ليلة الاربعاء افطرنا وان لم يرفهو من رمضان فلما كان بعد عصر ذلك اليوم ضربت مدافع من القلعة فاشتبه على الناس الامر وذهب جماعة الى القاضي وساله وسألوه فقال لا علم لي بذلك وارسل في المساء جماعة من اتباعه وباش كاتب الي منارة المارستان فصعدوا اليها وطلع معهم اخرون وترقبوا رؤية الهلال فلم يروه واخبروا القاضي بذلك فأمر بالصوم ونادوا به واوقدوا المنارات والقناديل وصلوا التراويح بالمساجد وتحقق الناس الصيام من الغد فلما كان بعد العشاءالأخيرة ضربت مدافع كثيرة من القلعة وسواريخ وشنك فوقع الارتباك فأرسل القاضي ينادي بالصوم وذكروا أن هذا المسموع شنك لأخبار وردت بملك المنية وحضر المبشر بذلك لابن السيد احمد المحروقي وخلع عليه خلعة وكذلك بقية الاعيان وبعد حصة مر الوالي ينادي بالفطر والعيد فزاد الارتباك وركب بعض المشايخ الى القاضي وساله فاخبر انه لم يامر بذلك ولم يثبت لديه رؤية الهلال وان غدا من رمضان فخرجوا من عنده يقولون ذلك للناس ويامرونهم بالصوم وانحط الامر على ذلك وطافت المسحرون على العادة فلما كان في سادس ساعة من الليل ارسل الباشا الى القاضي وطلبه فطلع اليه فعرفه بشهادة الجماعة الواصلين من بحري واحضرهم بين يديه فشهدوا برؤية هلال اول الشهر ليلة الاثنين وهم نحو العشرين شخصا فما وسع القاضي الا قبول شهادتهم وخصوصا لكونهم اتراكا ونزل القاضي ينادي بالفطر ويأمر بطفي القناديل من المنارات واصبح كثير من الناس لاعلم له بما حصل اخرا في جوف الليل وبالجملة فكانت هذه الحادثة من النوادر وتبين أن خبر المنية لا اصل له بل هو من جملة اختلاقاتهم وانقضى شهر رمضان وكان لا بأس به في قصر النهار لانه كان في غاية الانقلاب الشتوي والراحة بسبب غياب العسكر وقلتهم بالبلدة وبعدهم ولم يحصل فيه من الكدورات العامة خصوصا على الفقراء سوى غلاء الاسعار في كل شئ كما تقدم ذكر ذلك في شعبان
{ أحداث شهر شوال سنة 1219 }
شهر شوال استهل بيوم الابعاء في ثالثه سافر السيد محمد بن المحروقي وجرجس الجوهري ومعهما جملة من العسكر الى جهة القليوبية بسبب القافلة المنهوبة
وفي سادسه طلبوا مال الميري عن سنة عشرين معجلة بسبب تشهيل الحج وكتبوا التنابية بطلب النصف حالا وعينوا بها عساكر عثمانية وجاويشية وشفاسية فدهى الملتزمون بذلك مع أن اكثرهم افلس وباق عليهم بواق من سنة تاريخه وما قبلها لخراب البلاد وتتابع الطلب والفرد والتعايين والشكاوي والتساويف ووقوف العربان بسائر النواحي وتعطيل المراكب عن السفر لعدم الامن وغصبهم ما يرد من السفائن والمعاشات ليرسلوا فيها الذخيرة والعسكر والجبخانة معونة للمحاربين على المنية
وفي عاشرة طلبوا طائفة من المزينين وارسلوهم الى قبلي لمداواة الجرحى
وفيه تواترت الاخبار بحصول مقتلة عظيمة بين المتحاربين وان العسكر حملوا على المنية حملة قوية من البر والبحر وملكوا جهة منها وحضر المبشرون بذلك ليلة الاربعاء اواخر رمضان كما تقدم وعملوا الشنك لذلك الخبر فورد بعد ذلك بنحو ساعتين برجوع الاخصام ثانيا ومقاتلتهم حتى هزموهم واجلوهم عن ذلك وذلك هو الحامل على المغالطة والمناداة في سابع ساعة بثبوت العيد وافطار الناس ذلك اليوم
وفي يوم السبت ثامن عشرة نزل الباشا الى قراميدان وحضر القاضي والدفترادار وامير الحاج فسلمه الباشا المحمل ونزلوا بقطع الكسوة امام امير الحاج وركب امامه الاغا والوالي والمحتسب وناظر الكسوة بهيئة محتقرة من غير نظام ولا ترتيب ومن خلفهم المحمل على جمل صغير اعرج
وفيه ارسل العسكر يطلبون العلوفة والمعونة فعمل الباشا فردة على الاعيان وعلى اتباعه وجمع لهم خمسمائة كيس وعين للسفر بذلك صالح أغا وعدة عساكر وجبخانة وذخيرة
وفي عشرينة رجع ابن المحروقي وجرجس الجوهري واحضرا معهما بعض احمال قليلة بعد ما صرفا اضعافها في مصالح وكساوي للعرب وغير ذلك
وفيه ورد الخبر بوصول دفتردار جديد الى ثغر سكندرية وهو احمد افندي الذي كان بمصر سابقا وعمل قبطانا بالسويس في ايام محمد باشا وشريف افندي فكتب الباشا عوضا للدولة بانهم راضون على جانم افندي الدفتردار وان اهل البلد ارتاحوا عليه وطلبوا ابقاءه دون غيره وختم عليه القاضي والمشايخ والاختيارية وبعثوه الى الدولة وارسلوا الى الدفتردار الواصل بعدم المجئ ويذهب الى قبرص حتى يرجع الجواب فاستمر بإسكندرية
وفي اواخره تواترت الاخبار بان جماعة من الامراء القبالى ومن معهم من العربان حضروا الى ناحية الفشن وحضر أيضا كاشف الفيوم مجروحا ومعه بعض عسكر ودلاة في هيئة وتتابع ورود كثير من افراد العسكر الى مصر واشيع انتقالهم من امام المنية الى البر الشرقي بعد وقائع كثيرة ومحاربات
وفي يوم الخميس غايته برز امير الحاج المسافر بالمحمل وخرج الى خارج ومعه الصرة او ماتيسر منها وعين للسفر معه عثمان أغا الذي كان كتخدا محمد باشا بجماعة من العسكر لاجل المحافظة ليوصلوه الى السويس ويسافر من القلزم مثل عام اول
وفيه ورد الخبر بضياع ثلاث داوات بالقلزم وانها تلفت بالقرب من الحساني وتلف بها كثيرا من اموال التجار وصرر النقود وكان بها قاضي المدينة احمد افندي المنفصل عن قضاء مصر فغرق وطلعت اولاده ورجعوا الى مصر بعد ايام وسافروا الى بلادهم
وورد الخبر بان القبليين قتلوا حسين بك المعروف باليهودي بعد أن تحققوا خيانته ومخامرته وانقضى هذا الشهر
{ أحداث شهر ذى القعدة سنة 1219 }
شهر ذى القعدة الحرام استهل بيوم الجمعة فيه قرر الباشا فردة على البلاد فجعل على كل بلد من البلاد العال مائة ألف فضة والدون ستين الفا وعين لذلك ذا الفقار كتخدا الألفي على الغربية وعلي كاشف الصابونجي علىالمنوفية وحسن أغا نجاتي المحتسب على الدقهلية وذلك خلاف ما تقرر على البنادر من عشرين كيسا وثلاثين وخمسين ومائة واقل واكثر
وفي ليلة الجمعة ثامنة حضروا بعلي أغا يحيى المعروف بالسبع قاعات ميتا من سملوط وقد كانوا ارسلوه ليكون كتخدا لحسن بك اخي طاهر باشا وكان المحروقي ارسله الى بشبيش فتوعك هناك فطلب الباشا رجلا من الرؤساء يجعله كتخدا لحسن بك فأشاروا عليه بعلي أغا هذا فطلبه من المحروقي فارسل بإحضاره فحضر في اليوم الذي مات فيه المحروقي وسافر بعد ايام الى قبلي فزاد به المرض هناك ومات بسملوط فاحضروه الى مصر بعد موته بخمسة ايام وخرجوا بجنازته في يوم الجمعة من بيته المجاور لبيت المحروقي وصلوا عليه بالأزهر ودفن الى رحمة الله تعالى
وفي ثاني عشرة علقوا ثلاثة رؤوس بباب زويلة لايدري احد من هم
وفي خامس عشرة تواترت الاخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء القبالي وملك العسكر جهة من المنية بعدما اصطدموا عليها من البر والبحر فوصل الاخصام وحالوا بينهم وبين عسكرهم والمتاريس واجلوهم وقتل من قتل بين الفريقين واحترق عدة مراكب من مراكب العسكر وما فيها من المتاع والجبخانة وارسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة وثياب وغير ذلك وانتشر عسكر القبليين الى جهة بحري حتى وصلوا الى زاوية المصلوب و حاصروا من في بوش والفشن وبني سويف وكذلك من بالفيوم وشرع الباشا واجتهد في تجهيز المطلوبات وتسهيل الاحتياجات وفيه حضرت سعاة من ثغر سكندرية واخبروا بورود عدة مراكب انكلزيه الى المينا وسألوا اهل الثغر عن مراكب فرنسيس وردت المينا ام لا ثم قضوا بعض اشغالهم وذهبوا
وفي ليلة الاربعاء رابع عشرة وقعت حادثة وهو أن كاشفا من اكابر الارنؤد سكن ببيت ابن السكري الذي بالقرب من الحلوجي ويتردد عليه رجل من المنتسبين الى الفقهاء يسمى الشيخ احمد البراني خبيث الافعال يصلي اماما بالمذكور فرأى ما رابه منه مع فراشة فضربه بالخنجر والنبا بيت حتى ظن هلاكه واخرجه اتباعه وحملوه الى منزله في خامس ساعة من الليل وبه بعض رمق ومات بعد ذلك واخبر المشايخ بذلك ورفع القتيل الى المحكمة وتغيب القاتل وامتنع المشايخ من حضور الجامع والتدريس بسبب ذلك وبسبب اولاد سعد الخادم سدنة ضريح سيدي احمد البدوي وقد كانوا شكوا بعضهم وتعين بسبب ذلك كاشف علي احمد بن الخادم وهجم داره وقبض على بناته ونسائه ونبشوا داره وفحروا ارضها للتفتيش على المال وطالت قصتهم من اواخر الشهر الماضي لوقت تاريخه وتكلم المشايخ مرارا مع الباشا في امرهم وهو يغالط طمعا في المال وقد كان سمع تهمتهم بكثرة المال وان محمد باشا خسر واخذ منهم سابقا في ايام ولايته مائة وخمسة وثمانين ألف ريال خلاف حق الطريق وذلك من مصطفى الخادم وهو الذي يكشو الان قسمه ويقول انه هو الذي شكاني وتسبب في مصادرتي وهو مثلي في الايراد وعنده مثل ما عندي فلما حضروا الدار وفتشوا وقرروا نساءه واتباعه فلم يظهر له شئ قادرجوا هذه القضية في دعوة المقتول وامتنعوا من حضورهم الازهر واشيع امتناعهم من التدريس والافتاء فحضر اليهم سعيد أغا الوكيل وتلطف بهم وطلب منهم تسكين هذه الفتنة وانه يتكفل بتمام المطلوب واستمر الحال على ذلك الى يوم الثلاثاء تاسع عشرة فحضر كتخدا الباشا وسعيد أغا وصالح أغا الى بيت الشيخ الشرقاوي واجتمع هناك الكثير من المتعممين وتكلموا كثيرا ورمحوا المراتب وقالوا لابد من حضور الخصم القاتل والمرافعة معه الى الشرع ورفع الظلم عن اولاد الخادم وعن الفلاحين وامثال ذلك وهم يقولون في الجواب سمعا وطاعة في كل ما تأمرون به وانقضى المجلس على ذلك وذهبوا حيث اتوا فلما كان العصر من ذلك اليوم حضر سعيد أغا وصحبته القاتل الى المحكمة وارسلوا الى المشايخ فحضروا بالمجلس واقيمت الدعوى وحضر ابن المقتول وادعى بقتل ابيه وذكر انه اخبر قبل خروج روحه أن القاتل له الكاشف صاحب المنزل فسئل فانكر ذلك وقال انه كان اماما عنده يصلي به الاوقات وانه لم يات الينا تلك الليلة التي حصل له فيها هذه الحادث فطلب القاضي من ابن المقتول بينة تشهد بقول ابيه فلم يجدوا الا شخصا سمع من المقتول ذلك القول وافتى المالكي انه يعتبر قول المقتول في مثل ذلك لانه في حالة يستحيل عليه فيها الكذب وذلك نص مذهبهم ولا بد من بينة تشهد على قوله فطلب القاضي الشطر الثاني فلم يوجد على أن هناك من كان حاضرا بالمجلس وقت الضرب ومشاهدا للحادثة وكتم الشهادة خوفا على نفسه وانفض المجلس واهمل الامر حتى يأتوا بالبينة
وفي يوم الاحد عزم على السفر محمد افندي حاكم اسنا سابقا بمراكب الذخيرة والجبخانة واللوازم وصحبته عدة من العساكر لخفارتها
{ أحداث شهر ذى الحجة سنة 1219 }
شهر ذى الحجة الحارم اختتام السنة استهل بيوم الاحد في سابعه وردت اخبار بوقوع حرب بين العسكر والمصريين القبليين وهو أن العسكر حملوا على المنية حملة عظيمة في غفلة وملكوها فاجتمعت عليهم الغز والعربان وكبسوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة واخرجوهم منها واجلوهم عنها ثانيا وذلك في سابع عشرين القعدة
وفي يوم الاحد ثامنه طلع يوسف افندي الذي كان تولى نقابة الاشراف في ايام محمد باشا ثم عزل عنها الى القلعة فقبض عليه صالح أغا قوش وضربه ضربا مبرحا واهانه اهانة زائدة وانزلوه اواخر النهار وحبسوه ببيت عمر افندي النقيب ثم تشفع فيه الشيخ السادات فافرجوا عنه تلك الليلة وذهب الى داره ليلا وذلك بسبب دعوى تصدر فيها المذكور وتكلم كلاما في حق الباشا فحقدوا عليه ذلك وفعلوا معه ما فعلوا ولم ينتطح فيها عنزان
وفي ثالث عشرة طلع المشايخ الى الباشا يهنئونه بالعيد فأخرج لهم ورقة حضرت اليه من محمد افندي حاكم اسنا سابقا الذي سافر بالذخيرة انفا واستمر ببني سويف ولم يقدر على الذهاب الى قبلي ومضمون تلك الورقة أن البرديسي قتل الالفي غيلة ولم يكن لهذا الكلام صحة
وفيه وردت اخبار بقدوم طائفة من الدلاة على طر يق الشام وبالغوافي عددهم فيقولون اثنا عشر ألف واكثر وانهم وصلوا على الصالحية وانهم طالبون علوفة وذخيرة فشرعوا في تشهيل ملاقاة للمذكورين وطلبوا من تجار البهار خمسمائة كيس وزعوها وشرعوا في جمعها
وفيه وصلت طائفة من القبالي والعرب الى بلاد الجيزة وطلبوا من البلاد دراهم وكلفا ومن عصى عليهم من البلاد ضربوه وعدى كتخدا الباشا وجملة من العساكر الى بر الجيزة وشرعوا في تحصينها وعملوا بها متاريس وتردد الكتخدا في النزول والتعدية الى هناك والرجوع ثم انه عدى في رابع عشرة واقام هناك واحضروا ثلاثة رؤوس من العرب في ذلك اليوم وفي يوم الجمعة رجح الكتخدا واشيع رجوع المذكورين
وفيه قرروا فردة اخرى على البلاد لاجل عسكر الدلاة القادمين وجعلوا على كل بلد عشرين اردب فول و عشرين خروفا وعشرين رطل سمن وعشرين رطل بن وعشرة قناطير عيش وربع اردب وسدس ارز ابيض ومثله برغل وكلفة المطبخ ألف فضة وذلك خلاف حق الطريق والاستعجالات المتتابعة وكلها بمقررات وحق الطرقات
وفي يوم الاربعاء ثامن عشرة حضر ططرى من ناحية قبلي واخبر أن العسكر دخلوا الى المنية وملكوها فضربوا مدافع كثيرة من القلعة وعملوا شنكا واظهر العثمانية واغراضهم الفرح والسرور وكأنهم ملكوا مالطة وبالغوا في الاخبار والروايات الكذب في القتلى وغير ذلك والحال أن الاخصام خرجوا منها وزحموها ولم يبقوا بها ما ينقره الطير ولم يقع بينهم كبير قتال بل أن العسكر لما دهموها من الناحية القبلية ولم يكن بها الا القليل من المصريين وباقيهم خارجها من الناحية الاخرى فتحاربوا مع من بها وهزموهم فولى اصحابهم وتركوهم بالبلدة فدخلوها فلم يجدوا بها شيئا
وفي يوم الخميس وصل اغات المقرر وهو عبد اسود وطلع الى القلعة بموكب وعملوا له شنكا ومدافع وقرأوا المقرر في ذلك اليوم بحضرة الجمع
وفي يوم الاحد ثاني عشرينه وصلت طائفة من العرب بناحية الجيزة فوصل الخبر الى الكاشف الذي بها وهو دملي عثمان كاشف الذي قتل الشيخ احمد البراني المتقدم ذكره فانه بعد تلك الحادثة قلدوه كشوفية الجيزة وذهب اليها واقام بها فلما بلغه ذلك ركب على الفور في نحو خمسة وعشرين خيالا ورمحوا عليهم فانهزموا امامهم فطمع فيهم وذهب خلفهم الى ناحية برنشت فخرج عليه كمين آخر واحتاطوا به وقتلوه وقطعوا رأسه وستة انفار معه وذهبوا برؤوسهم على مزاريق واقتص الله منه فكان بينه وبين قتله للمذكور دون الشهر وكان مشهورا فيهم بالشجاعة والاقدام
وفيه اجتهدوا في تشهيل علوفة وذخيرة وجبخانة وسفروها مع جملة من العسكر نحو الخمسمائة في يوم الاثنين ثالث عشرينه
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه وصل الدلاة الى الخانكة فحضر منهم طائفة ودخلوا الى مصر فردوهم الى اصحابهم حتى يكونوا بصحبتهم في الدخول
وفي يوم الخميس نزل كتخدا الباشا وصالح اغاقوش وخرجوا الى جهة العادلية لملاقاة الدلاة المذكورين وكبيرهم يقال له ابن كور عبدالله
وفي يوم الجمعة دخل الدلاة المذكورين وصحبتهم الكتخدا وصالح اغاقوش وكاشف الشرقية وكاشف القليوبية وطوائف العسكر ومعهم نقاقير وطبول وهم نحو الالفين وخمسمائة اجناس مختلفة واشكال مجتمعة فذهبوا الى ناحية مصر القديمة ونواحي الاثار وانقضت السنة وما حصل بها من الغلاء وتتابع المظالم والفرد على البلاد واحداث الباشا له مرتبات وشهريات على جميع البلاد والقبض على افراد الناس بادنى شبهة وطلب الاموال منهم وحبسهم واشتد الضنك في آخر السنة وعدم القمح والفول والشعير وغلا ثمن كل شىء ولولا اللطف على الخلائق بوجود الذرة حتى لم يبق بالرقع والعرصات سواه واستمرت سواحل الغلال خالية من الغلة هذا العام من العام الماضي وبطول هذه السنة امتنع الوارد من الجهة القبلية ومع ذلك اللطف حاصل من المولى جل شأنه ولم يقع قحط ولا موت من الجوع كما رأينا في الغلوات السابقة من عدم الخبز في الاسواق وخطف اطباق العيش والعكعك واكل القشور وما يتساقط في الطرقات من قشور الخضروات وغير ذلك
{ من مات في هذه السنة من الاعيان }
واما من مات في هذه السنة من الاعيان
فقد مات العمدة العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النبيه الاصولي النحوي المنطقي الشيخ موسى السرسي الشافعي اصله من سرس الليانة بالمنوفية وحضر الى الازهر ولازم الاستفادة وحضور الاشياخ من الطبقة الثانية كالشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الفرموي وغيرهم وتمهروا نجب في المعقولات والمنقولات واقراء الدروس وافاد الطلبة وانطوى الشيخ حسن الكفراوي مدة ورافقه في الافتاء والقضايا ثم الى شيخنا الشيخ احمد العروسي وصار من خاصة ملازميه وتخلق باخلاقه وألزم أولاده بحضور دروسه المعقولية وغيرها دون غيره لحسن القائه وجودة تفهيمه وتقريره واشتهر ذكره وراش جناحه وراج امره بانتسابه للشيخ المذكور واشترى املاكا واقتنى عقارا بمصر وببلده سرس ومنوف ومزارع وطواحين ومعاصر واشترى دار نفيسة بدرب عبد الحق بالازبكية وعدد الأزواج واشترى الجواري والعبيد والحبشيات الحسان وكان حلو المفاكهة حسن المعاشرة عذب الكلام مهذب النفس جميل الاخلاق ودودا قليل الادعاء محبا لاخوانه مستحضرا للفروع الفقهية وكان يكتب على غالب الفتاوى عن لسان الشيخ العروسي ويعتمده في النقول والاجوبة عن المسائل الغامضة والفروع المشكلة وله كتابات وتحقيقات ولم يزل مشتغلا بشأنه حتى تعلل اياما بدار بميدان القطن مطلة على الخليج وتوفي يوم السبت سادس عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الجناب المكرم والمشير المفخم الوزير الكبير والدستور الشهير احمد باشا الشهير بالجزار واصله من بلاد البشناق وخدم عند المرحوم علي باشا حكيم اوغلي وعمل عنده شفاسيا وحضر صحبته الى مصر في ولايته الثانية سنة احدى وسبعين ومائة والف فتشوقت نفسه الى الحج واستأذن مخدومه فأذن له في ذلك واوصى عليه امير الحاج اذ ذاك صالح بك القاسمي فأخذه صحبته واكرمه وواساه رعاية لخاطر علي باشا ورجع معه الى مصر فوجد مخدومه قد انفصل من ولاية مصر وسافر الى الديار الرومية ووصل نعيه بعد اربعة اشهر من ذهابه فاستمر المترجم بمصر وتزيا بزي المصريين وخدم عند عبدالله بك تابع علي بك بلوط قبان وتعلم الفروسية على طريق الاجناد المصرية فارسل علي بك عبدالله بك بتجريدة الى عرب البحيرة فقتلوه فرجع المترجم مع باقي اصحابه الى مصر فقلده علي بك كشوفية البحيرة وقال له ارجع الى الذين قتلوا استاذك وخلص ثأره فذهب اليهم وخادعهم واحتال عليهم وجمعهم في مكان وقتلهم وهم نيف وسبعون كبيرا وبذلك سمي الجزار ورجع منصورا واحبه علي بك لنجابته وشجاعته وتنقل عنده في الخدم والمناصب والامريات ثم قلده الصنجقية وصار من جملة امرائه ولما خرج علي بك منفيا خرج صحبته ورافقه في الغربة والتنقلات والوقائع ولم يزل حتى رجع علي بك وصحبته صالح بك من الجهة القبلية وقتل خشداشينه وغيرهم ثم عزم على غدر صالح بك واسر بذلك الى خاصته ومنهم المترجم فلم يسهل به ذلك وتذكر ما بينه وبين صالح بك من المعروف السابق فأسر به اليه وحذره فلما اختلى صالح بك بعلي بك عرض له بذلك فحلف له علي بك انه باق على مصافاته وكذب المخبر الى أن كان ما كان من قتلهم وغدرهم لصالح بك كما تقدم واحجام المكترجم وتاخره عن مشاركته لهم في دمه ومناقشتهم له بعد الانفصال فتجسم له الامر فتنكر وخرج هاربا من مصر في صورة شخص جزائرلي وتفقده علي بك واحاط بداره وكان يسكن ببيت شكر فره بالقرب من جامع ازبك اليوسفي فلم يجدوه وسار المذكور الى الاسكندرية وسافر الى الروم ثم رجع الى البحيرة واقام بعرب الهنادي وتزوج هناك ولما ارسل علي بك التجاريد الى ابن حبيب والهنادي حارب المترجم معهم ثم سار الى بلاد الشام فاستمر هناك في هجاج وتنقلات ومحاربات واشترى مماليك واجتمع لديه عصبة واشتهر امره في تلك النواحي ولم يزل على ذلك الى أن مات الظاهر عمر في سنة تسع وثمانين ومائة والف ووصل حسن باشا الجزائرلي الى عكا فطلب من يكون كفؤا للاقامة بحصتها فذكروا له المترجم فاستدعاه وقلده الوزارة واعطاه الاطواخ والبيرق واقام بحصن عكا وعمر اسوارها وقلاعها وانشا بها البستان والمسجد واتخذ له جندا كثيفا واستكثر من شراء المماليك واغار على تلك النواحي وحارب جبل الدروز مرارا وغنم منهم اموالا عظيمة ودخلوا في طاعته وضرب عليهم وعلى غيرهم الضرائب وجبيت اليه الاموال من كل ناحية حتى ملأ الخزائن وكنز الكنوز وصار يصانع اهل الدولة ورجال السلطنة ويتابع ارسال الهدايا والاموال اليهم وتقلد ولاية بلاد الشام وولى على البلاد نوابا وحكاما من طرفه وطلع بالحج لشامي مرارا واخاف النواحي وعاقب على الذنب الصغير بالقتل والحبس والتمثيل وقطع الآناف والآذان والاطراف ولم يغفر زلة عالم لعلمه اوذى جاه لوجاهته وسلب النعم عن كثير جدا من ذوى النعم واستأصل اموالهم ومات في محبسه مالا يحصى من الاعيان والعلماء وغيرهم ومنهم من اطال حبسه سنين حتى مات واتفق انه استراب من بعض سراريه ومماليكه فقتل من قويت فيه الشبهة وحرقهم ونفى الباقي الجميع ذكورا واناثا بعد أن مثل بهم وقطع آنافهم واخرجهم من عكا وطردهم وشردهم وسخط على من اواهم او تاواهم ولو في اقصى البلاد وحضر الكثير منهم الى مصر وخدموا عند الامراء وانضوى نحو العشرين شخصا منهم وخدموا عند علي بك كتخدا الجاويشية فلما بلغ المترجم ذلك تغير خاطره من طرفه وقطع حبل وداده بعد أن كان يراسله ويواصله دون غيره من امراء مصر وكان ذلك سبب استيحاشه منه الى أن مات ولما فعل بهم ذلك تعصب عليه مملوكاه سليم باشا الكبير وسليمان باشا الصغير وهو الموجود الآن وانضم اليهما المتآمرون من خشداشينهما وغيرهم غيظا على ما فعله بخشداشينهم وعلمهم بوحدته وانفراده وحاصروه بعكا ولم يكن معه الا القليل من العساكر البرانيين والفعلة والصناع الذين يستعملهم في البناء فألبسهم طراطير مثل الدلاة واصعدهم الى الاسوار مع الرماة والطبجية وورآهم المخالفون عليه فتعجبوا وقالوا انه يستخدم الجن وكبس عليهم في غفلة من الليل وحاربهم وظهر عليهم واذعنوا لطاعته وتفرق عنهم المساعدون لهم ثم تتبعهم واقتص منهم وكاد البلاد وقهر العباد ونصبت الدولة فخاخا لصيده مرارا فلم يتمكنوا من ذلك فلم يسعهم بعد ذلك الا مسالمته ومسايرته وثبت قدمه وطار صيته في جميع الممالك الاسلامية والقرانات الافرنجية والثغور واشتهر ذكره وراسله ملوك النواحي وارسلهم وهادوه وهابوه وبنى عدة صهاريج وملأها بالزيت والسمن والعسل والسيرج والارز وانواع الغلة وزرع ببستانه سائر اصناف الفواكه والنخيل والاعناب الكثيرة وجدد دولته ثانيا واشترى مماليك وجواري بدلا عن الذين ابادهم بالجملة فكان من غرائب الدهر واخباره لا يفي القلم بتسطيرها ولا يسعف الفكر بتذكارها ولو جمع بعضها جاءت مجلدات ولو ولم يكن له من المناقب الااستظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له اكثر من شهرين لم يغفل فيها لحظة لكفاه وكان يقول أن الفرنساوية لو اجتهدوا في ازالة جبل عظيم لازالوا في اسرع وقت وقد تقدم بعض خبر ذلك في محله وكان يقول انا المنتظر وانا احمد المذكور في الجفور الذي يظهر بين القصرين واستخرج له الكثير من الذين يدعون معرفة الاستخراج عبارات تأيلات ورموزا واشارات ويقولون المراد بالقصرين مكانان جهة الشام او المحملان او نحو ذلك من الوساوس ولم يزل حتى توفي في آخر هذا العام على فراشه وكان سليمان باشا تابعه غائب بالحجاز في امارة الحج الشامي فلما علم انه مفارق الدنيا احضر اسماعيل باشا والي مرعش وكان في محبسه يتوقع منه المكروه في كل وقت فأقامه وكيلا عنه الى حضور سليمان باشا من الحج واعطاه الدفاتر وعرفه بعلوفة العسكر واوصاه فلما انقضى نحبه ودفنوه صرف النفقة واتفق مع طه الكردي وصالح الدولة وتحصن بعكا وحضر سليمان باشا فامتنعا عليه ولم يمكنه الدخول اليها فاستمر اسمعيل باشا الى أن اخرجه اتباع المترجمع بحيلة وملكوا سليمان باشا بعد امور لم تحقق كيفيتها وذلك في السنة التالية
ومات عين الاعيان ونادرة الزمان شاه بندر التجار والمرتقى بهمته الى سنام الفخار النبيه النجيب والحسيب النسيب السيد احمد بن احمد الشهير بالمحروقي الحريري كان والده حريريا بسوق العنبريين بمصر وكان رجلا صالحا منور الشيبة معروفا بصدق اللهجة والديانة والامانة بين اقرانه وولد له المترجم فكان يدعو له كثير في صلاته وسائر تحركاته فلما ترعرع خالط الناس وكتب وحسب وكان على غاية من الحذق والنباهة واخذ واعطي وباع واشترى وشارك وتداخل مع التجار وحاسب على الالوف واتحد بالسيد احمد بن عبدالسلام وسافر معه الى الحجاز واحبه وامتزج به امتزاجا كليا بحيث صارا كالتوأمين او روح حلت بدنين ومات عمدة التجار العرايشي وهو بالحجاز وهو اخو السيد احمد بن عبدالسلام في تلك السنة فاحرز مخلفاته وامواله ودفاتر شركائه فتقيد المترجم بمحاسبة التجار والشركاء والوكلاء ومحاققتهم فوفر عليه لكوكا من الأموال واستأنف الشركات والمعوضات وعد ذلك من سعادة مقدم المترجم ومرافقته له ورجع صحبته الى مصر وزادت محبته له ورغبته فيه وكان لابن عبدالسلام شهرة ووصلة بأكابر الأمراء كأبيه وخصوصا مراد بك فيقضى له ولامرائه لوازمهم اللازمة لهم ولأتباعهم واحتياجاتهم من التفاصيل والاقمشة الهندية وغيرها وينوب عنه المترجم في غالب اوقاته وحركاته ولشدة امتزاج الطبيعة بينهما صار يحاكيه في الفاظه ولغته وجميع اصطلاحاته في الحركات والسكنات والخطرات واشتهر ذكره به عند التجار والأعيان والأمراء واتحدا بمحمد أغا البارودى كتخدا مراد بك اتحاد زائدا واتحفاه بالجرايا وخصصاه بالمزايا فراج به عند مخدومه شأنهما وارتفع بالزيادة قدرهما ولما تأمر اسمعيل بك واستوزر أيضا البارودي استمر حالهما كذلك بل واكثر الى أن حصل الطاعون ومات به السيد احمد بن عبدالسلام في شعبان فاستقر المترجم في مظهره ومنصبه شاه بندر التجار بواسطة البارودي أيضا وسعايته وسعادة طالعه وسكن داره العظيمة التى عمرها بجوار الفحامين محل دكة الحسبة القديم وتزوج بزوجاته واستولى على حواصله ومخازنه واستقل بها من غير شريك ولا وارث وعند ذلك زادت شهرته وعظم شانه ووجاهته ونفذت كلمته على اقرانه ولم يزل طالعه يسمو وسعده يزيد وينمو وعاد مراد بك والامراء والمصريون بعد موت اسمعيل بك وانقلاب دولته الى امارة مصر فاختص بخدمته وقضاء سائر اشغاله وكذلك ابراهيم بك وباقي الامراء وقدم لهم الهدايا والظرائف وواسى الجميع اعلاهم وادونهم بحسن الصنع حتى جذب اليه قلوب الجميع ونافس الرجال وانعطعفت اليه الآمال وعامل تجار النواحي والأمصار من سائر الجهات والاقطار واشتهر ذكره بالأراضي الحجازية وكذا بالبلاد الشامية والرومية واعتمدوه وكاتبوه وارسلوه واودعوه الودائع واصناف التجارات والبضائع وزوج ولده السيد محمد وعمل له مها ! عظيما افتخر فيه الى الغاية ودعا الأمراء والأكابر والأعيان وارسل اليه ابراهيم بك ومراد بك الهدايا العظيمة المحملة على الجمال الكثيرة وكذلك باقي الأمراء ومعها الأجراس التي لها رنة تسمع من البعد ويقدمها جمل عليه طبل نقارية وذلك خلاف هدايا التجار وعظماء الناس والنصارى الأروام والأقباط الكتبة وتجار الافرنج والأتراك والشوام والمغاربة وغيرهم وخلع الخلع الكثيرة واعطى البقاشيش والإنعامات والكساوي ولا يشغله امر عن اخر يمضيه او غرض ينفذه ويقضيه كما قيل اخو عزمات لايريد على الذي يهم به من مفظع الأمر صاحبا اذا هم القى بين عينيه عزمة فكب عن ذكر العواقب جانبا
وحج في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف وخرج في تجمل زائد وجمال كثيرة وتختروانات ومواهي ومسطحات وفراشين وخدم وهجن وبغال وخيول وكان يوم خروجه يوما مشهودا اجتمع الكثير من العامة والنساء وجلسوا بالطريق للفرجة عليه ومن خرج معه لتشييعه ووداعه من الأعيان والتجار الراكبين والراجلين معه منهم وبأيديهم البنادق والأسلحة وغير ذلك وبعث بالبضائع والذخائر والقومانية والأحمال الثقيلة على طريق البحر لمرساة الينبع وجدة وعند رجوع الركب وصل الفرنساوية الى بر مصر ووصلهم الخبر بذلك وارسل ابراهيم بك الى صالح بك امير الحاج يطلبه مع الحجاج الى بلبيس كما تقدم وذهب بصحبتهم المترجم وجرى عليه ما ذكر من نهب العرب متاعه وحموله وكان شيئا كثيرا حتى ما عليه من الثياب وانحصر بطريق القرين فلم يجد عند ذلك بدا من مواجهة الفرنساوية فذهب الى سارى عسكر بونابارته وقابله فرحب به واكرمه ولامه على فراره وركونه للماليك فاعتذر اليه بجهل الحال فقبل عذره واجتهد له في تحصيل المنهوبات وارسل في طلب المتعدين واستخلص ما امكن استخلاصه له ولغيره وارسلهم الى مصر واصحب معهم عدة من العساكر لخفارتهم ويقدمهم طلبهم وهم مشاة بالاسلحة بين ايديهم حتى ادخلوهم الى بيوتهم ولما رجع ساري عسكر الى مصر تردد عليه واحله محل القبول وارتاح اليه في لوازمه وتصدى للأمور وقضايا التجارة وصار مرعى الجانب عنده ويقبل شفاعته ويفصل القوانين بين يديه ويدي اكابرهم ولما رتبوا الديوان تعين من الرؤساء فيه وكاتبوا التجار واهل الحجاز وشريف مكة بواسطته واستمر على ذلك حتى سافر بونابارته ووصل بعد ذلك عرضي العثمانية والأمراء المصرية فخرج فيمن خرج لملاقاتهم وحصل بعد ذلك ما حصل من نقض الصلح والحروب واجتهد المترجم في ايام الحرب وساعد وتصدى بكل همته وصرف اموالا جمة في المهمات والمؤن الى أن كان ما كان من ظهور الفرنساوية وخروج المحاربين من مصر ورجوعهم فلم يسعه الا الخروج معهم والجلاء عن مصر فنهب الفرنساوية داره وما يتعلق به ولما استقر يوسف باشا الوزير جهة الشام انسة المترجم وعاضده واجتهد في حوائجه واقترض الأموال وكاتب التجار وبذل همته وساعده بمالا يدخل تحت طوق البشر ويراسل خواصه بمصر سرا فيطالعونه بالأخبار والأسرار الى أن حصل العثمانيون بمصر فصار المترجم هو المشار اليه في الدولة والتزم بالاقتطاعات والبلاد وحضر الوزير الى داره وقدم اليه التقادم والهدايا وباشر الأمور العظيمة والقضايا الجسيمة وما يتعلق بالدولة والدواوين والمهمات السلطانية وازدحم الناس ببابه وكثرت عليه الأتباع والأعوان والقواسة والفراشون وعساكر رومية ومترجمون وكلارجية ووكلاء وحضرت مشايخ البلاد والفلاحون الكثيرة بالهدايا والتقادم والأغنام والجمال والخيول وضاقت داره بهم فاتخذ دورا بجواره وانزل بها الوافدين وجعل بها مضايف وحبوسا وغير ذلك
ولما قصد يوسف باشا الوزير السفر من مصر وكله على تعلقاته وخصوصياته وحضر محمد باشا خسرو فاختص به أيضا اختصاصا كليا وسلم اليه المقاليد الكلية والجزئية وجعله امير الضربخانة وزادت صولته وشهرته وطار صيته واتسعت دائرته وصار بمنزلة شيخ البلد بل اعظم ونفدت اوامره في الاقليم المصري والرومي والحجازي والشامي ودرك من العز والجاه والعظمة مال يتفق لامثالة من اولاد البلد وكان ديوان بيته اعظم الدواوين بمصر وتغرب وجهاء الناس لخدمته والوصول لسدته ووهب واعطى وراعى جانب كل من انتمى اليه واغدق عليه وكان يرسل الكساوي في رمضان للاعيان والفقهاء والتجار وفيها الشالات الكشميري ويهب المواهب وينعم الانعامات ويهادي احبابه ويسعفهم ويواسيهم في المهمات وعمل عدة اعراس وولائم وزار محمد باشا المذكور في داره مرتين او ثلاثة باستدعاء وقدم له التقادم والهدايا والتحاليف والرخوت المثمنة والخيول والتعابي من الاقمشة الهندية والمقصبات ولما ثارت العسكر على محمد باشا وخرج فارا كان بصحبته في ذلك الوقت فركب ايضا يريد الفرار معه واختلف بينهما الطرق فصادفه طائفة من العسكر فقبضوا عليه وعروا ثيابه وثياب ولده ومن معه واخذوا منه جوهرا كثيرا ونقودا ومتعا فلحقه عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق وادركه وخلصه من ايديهم واخذه الى داره وحماه وقابل به محمد علي وغيره وذهب الى داره واستقر بها الى أن انقضت الفتنة وظهر طاهر باشا فساس امره معه حتى قتل وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم واتحد بهم وبعثمان بك البرديسي فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع ولم يتضعضع للمزعجات ولم يتقهقر من المفزعات حتى انهم لما ارادوا تقليد الستة عشر صنجاقافي يوم احضره البرديسي تلك الليلة واخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرا في ملزوماتهم فهون عليه الأمر وسهله وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر اميرا في تلك الليلة وما اصبح النهار الا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوي وكساوي ومزر كشات وذهب وفضة برسم الإنعامات والبقاشيش ومصروف الجيب حاضر لديه بين يديه حتى تعجب هو والحاضرون من ذلك وقال له مثلك من يخدم الملوك واعطاه في ذلك اليوم فارسكور زيادة عما بيده ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين واخرجوهم من مصر واحضروا حمد باشا خورشيد من سكندرية وقلدوه ولاية مصر وكان كبعض الأغوات مختصر الحال هياله رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم في اسرع وقت واقرب مدة ولم يزل شأنه في الترفع والصعود وطالعه مقارنا للسعود وحاله مشهور وذكر منشور حتى فاجاته المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك انه لما دعا الباشا في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر شعبان نزل الى داره وتغدى عنده واقام نحو ساعتين ثم ركب وطلع الى القلعة فارسل في اثره هدية جليلة صحبة ولده والسيد احمد الملاترجمانة وهي بفج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وتحايف وخيول مرختة وبدونها برسمة ورسم كبار اتباعه ومضى على ذلك خمسة ايام فلما كان ليلة الأحد ثاني عشرين شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع اصحابه يحادثهم ويملي الكتبة والمراسلات والحسابات فأخذته رعدة وقال اني اجد بردا فدثروه ساعة ثم ارادوا ايقاظه ليدخل الى حريمه فحركوه فوجدوه خالصا قد فارق الدنيا من تلك الساعة التي دثروه فيها فكتلوا امره حتى ركب ولده السيد محمد الى الباشا في طلوع النهار واخبره ثم رجع الى داره وحضر ديوان افندي والقاضي وختموا على خزانته وحواصله واشهروا موته وجهزوه وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر في مشهد حافل ثم رجعوا به الى زاوية العربي تجاه داره ودفنوه مع السيد احمد بن عبد السلام وانقضى امره ثم أن الباشا البس ولده السيد محمد فروة وقفطانا على الضر بخانة وما كان عليه والده من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي ثم ذهب الى داره بارك الله فيه واعانه علىلا وقته
ومات الأمير المبجل على أغا يحيى واصله مملوك يحيى كاشف تابع احمد بك السكري الذي كان كتخدا عند عثمان بك الفقاري الكبير المتقدم ذكرهما ولما ظهر علي بك وارسل محمد بك ومن معه الى جهة قبلى بعد قتل صالح بك كان الأمير يحيى في جملة الأمراء الذين كانو بأسيوط ووقع لهم ما تقدم ذكره من الهزيمة وتشتتوا في البلاد فذهب الأمير يحيى الى اسلامبول وصحبته مملوكة المترجم واقام هناك الى أن مات فحضر الامير على تابعه الى مصر في ايام محمد بك وتزوج ببنت استاذه وسكن بحارة السبع قاعات واشتهر بها وعمل كتخدا عند سليمان أغا الوالي الى أن تقلد سليمان أغا المذكور اغاوية مستحفظان فصار المترجم مقبولا عند ويتوسط للناس عنده في القضايا والدعاوي واشتهر ذكره من حينئذ وارتاح الناس عليه في غالب المقتضيات وباشر فصل الحكومات بنفسه وكان قليل الطمع لبن الجانب ولما تقلد مخدومه الصنجقية في الأمور الجسيمة عند الأمراء ولما حضر حسن باشا وخرج مخدومه من مصر مع من خرج وظهر شأن اسمعيل بك والعلويين استوزره حسن بك الجداوي وعظم امره أيضا في ايامه مع مباشرته لوازم مخدومه الاول وقضاء اشغاله سرا واشترى دار مصطفى أغا الجراكسة التي بجوار العربي بالقرب من الفحامين وانتقل من السبع قاعات وسكن بها وسافر مرارا الى الجهة القبلية سفيرا بين الأمراء البحرية والقبلية في المراسلات والمصالحات وكذلك في بعض المقتضيات بالبلاد البحرية ولم يزل وافر الحرمة حتى كانت دولة العثمانيين ونما امر السيد احمد المحروقي فانضوى اليه لقرب داره منه فقيده ببعض الخدم وجبي الأموال من البلاد الجسيمة فأرسله قبل موته الى جهة بشبيش فمرض بها فلما تأمر حسن بك اخو طاهر باشا على التجريدة الموجهة الى ناحية قبلى طلبوا رجلا من المصريين يكون رئيسا عاقلا يكون كتخدا فأشاروا على المترجم فطلبه الباشا من السيد احمد المحروقي فارسل اليه بالحضور فوصل في اليوم الذي توفي فيه المحروقي فاقام اياما حتى قضى اشغاله وسافر وهو متوعك وتوفي بسملوط في ثالث القعدة وحضر برمته في ليلة الجمعة ثامنه وخرجوا بجنازته من بيته وصلوا عليه بالازهر ودفنوه بالقرافة رحمه الله تعالى وغفر له
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة