من طرف صبايا الأحد أبريل 29, 2018 5:13 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر المحرم سنة 1222 }
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين والف
وكان ابتداء المحرم يوم الاربعاء فيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع الى بولاق
وفيه وردت مكاتبات من جهة القبلية فيها انهم كبسوا على عرضي الالفية وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي واصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك وضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الاوقات الخمسة ثلاثة ايام آخرها الجمعة ثم انه مضى عدة ايام ولم تحضر الرؤوس التي اخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك
وفي يوم الثلاثاء سابعه عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والاعيان وذكروا انه لما وردت الاوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان أغا ومعه طائفة من العسكر وارسل الى اهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم أن كانوا يحتاجون الى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين ارسلهم فاجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاحون الى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فانهم اذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والافساد فعملوا هذه الجمعية لاثبات هذا القول والخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب اليه التفريط
وفي تاسعه وردت مكاتبات مع السعادة من ثغر سكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الاخبار بورود مراكب الانكليز وعدتها اثنان واربعون مركبا فيها عشرون قطعة كبارا والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع الى الثغر فقالوا لهم لانمكنكم من الطلوع الا بمرسوم سلطاني فقالوا لم يكن معنا مراسيم وانما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة وقد احضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالابراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر فقالوا لهم لم يكن معنا اذن وقد اتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا لابد من ذلك فأما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم واما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب باحد الامرين اربعة وعشرون ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك الى مصر فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي اعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك ثم اجمع رأيهم على ارسال الخبر بذلك الى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو اولى واحق بالاهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا الى منازلهم بعد حصة من الليل وارسلوا تلك المكاتبة اليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك ولما انقضت الابعة وعشرون ساعة التي جعلها الانكليز أجلا بينهم وبين اهل الاسكندرية وهم في الممانعةضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة من البحر فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الابراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الامان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الاجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا الى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الامر
وفيه حضر قنصل الفرنساوية الى مصر وكان بالاسكندرية فلما وردت مراكب الانكليز انتقل الى رشيد فلما بلغه طلوعهم الى البر حضر الى مصر وذكر انه يريد السفر الى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر
وفي ليلة الخميس سادس عشره وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها انه تحارب مع المصريين وظهر عليهم واخذ منهم اسيوط وقبض على انفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثلاثة ايام في الاوقات الخمسة اخرها يوم السبت واشاعوا أيضا أن الاسكندرية ممتنعة على الانكليز وانهم طلعوا الى رأس التين والعجمي فخرج عليهم اهل البلاد والعساكر وحاربوهم واجلوهم عن البر ونزلوا الى المراكب مهزومين واحرقوا منهم مركبين وانه وصل اليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر واحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولم يبق منهم الا القليل واستمر الامر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة ايام ولم يأت من الاسكندرية سعاة ولا خبر صحيح
وفيه وصل الكثير من اهالي الفيوم ودخلوا الى مصر وهم في اسوأ حال من الشتات والعرى مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن اوطانهم ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور الى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الانكليز الى ثغر اسكندرية
وفي سابع عشره وصل ياسين بك المذكور الى ناحية دهشور وارسل مكاتبه خطابا للسيد عمر والقاضي وسعيد أغا يذكر فيها انه لما بلغه وصول الانكليز اخذته الحمية الاسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة او بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له اجوبة مضمونها أن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه الى الاسكندرية واذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبة والذكر والشهرة الباقية فانه لافائدة باقامته بالجيزة او قليوب وخصوصا قليوب بالبر الشرقي وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب الى ناحية الحلي قبل ذلك بايام ويرجع الى داره آخر النهار فيبيت بها ثم يخرج في الصباح وعساكره واوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين واهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بانه مسافر الى الجهة البحيرة لمحاربة الانكليز فلما ورد خبر مجئ ياسين بك تاخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدي الى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين بك ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الاثنين عشرينه واقام بها واعرض عن السفر الى جهة البحيرة
وفيه وردت الاخبار الصحيحة بأخذ الاسكندرية واستيلاء الانكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الابراج يوم الاحد صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع اهالي البلد شروط منها انهم لايسكنون البيوت قهرا عن اصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولايمتهنون المساجد ولايبطلون منها الشعائر الاسلامية واعطوا امين أغا الحاكم امانا على نفسه وعلى من معه من العسكر واذنوا لهم بالذهاب الى أي محمل ارادوه ومن كان له دين على الديوان ياخذ نصيبة حالا والنصف الثاني مؤجلا ومن اراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم الى أي جهة اراد ما عدا اسلامبول واما العرب غير واضحه وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لاحرج ذهابا وايابا ومن شروطهم التي شرطوها مع اهل البلد انهم أن احتاجوا الى فومانية او مال ريكلفون اهل الاسكندرية بشئ من ذلك وان محكمة الاسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائها ولا يكلفون اهل الاسلام بقيام دعواى عند الانكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الانكليز الموجودين في الاسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر اهل الاسكندرية ولم يحصل لهم شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الانكليز ومن انضم اليهم وعدتهم على ماقيل ستة آلاف لم تأت الى الثغر طمعا في اخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونة للالفي على اخصامه باستدعائه لهم واستنجاده بهم قبل تاريخه وبسبب تأخرهم في المجئ لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير ادنه لمحافظتهم على القوانين فلما وقعت العرة بينهم وبينه بما تقدم فعند ذلك انتهزوا الفرصة وارسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلا وقضى الله موتا بإقليم الجيزة وحضر الانكليز بعد ذلك الى الاسكندرية فوجدوه قد مات فلم يسعهم الرجوع فارسلوا الى الامراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون لهم انما جئنا الى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وانتم جميع فلا يكون عندكم تأخير في الحضو لقضاء شغلكم فإنكم لاتجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك أن تلكأتم فلما وصلتهم مراسلة الانكليز تفرق رايهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم وهو يدعي الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا اليه يستدعونه فقال انا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والان اختم عملي والتجئ الى الافرنج وانتصر بهم على المسلمين انا لا افعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية اسيوط وهم المرادية والابراهيمية والالفي والتقي معهم وانكسروا منه وقتل منهم اشخاصا فلما ورد عليه خبر الانكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وارسل اليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريبا وما كان الا ما اراده المولى جل جلاله ومن تعسه الانكليز والقطر واهله الا أن يشاء الله
وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا بطلب مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم الى الامراء القبالى فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الانكليز ثم ورد منه مكتوب اخر يذكر فيه عزمه على الرجوع الى مصر قريبا فان العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الانكليز
وفي ثالث عشرينه ورد مكتوب من اهالي دمنهور خطابا الى السيد عمر النقيب مضمونه انه لما دخلت المراكب الانكليزية الى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا الى دمنهور فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجا شديدا وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم اكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا ولم تروا منا خلافا وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من اعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضا في حروب الانكليز فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم واخرج الكاشف اثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب الى فوة من ليلته ثم ارسل في ثاني يوم من اخذ الاثقال فهذا ما حصل اخبرناكم به واما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الانكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما امكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل الى المنوفية وكذلك طاهر باشا الذي سافر في اثره واسمعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالا وخيولا وابقارا وغير ذلك ومن جملة افاعيلهم انهم يوزعون الاغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفاها وكلفها ثم يطلبون اثمانها مضاعفة بما يضاف الى ذلك من حق طرق المعينين وامثال ذلك
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه وردت اخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الانكليز وصلت الى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا الى البلد وكان اهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالازقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فالقوا ما بايديهم من الاسلحة طولبوا الامان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة واسروا الباقين وفر طائفة الى ناحية منهور وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمان خاطره ورجع الى ناحية ديبي ومحلة الامير وطلع بمن معه الى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم واخذ مابقي منهم اسرى وارسلوا السعاة الى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكا وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين واسرعت المبشرون من اتباع العثمانيين وهم القواسة الاتراك بالسعي الى بيوت الاعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب فلما كان يوم الاحد سادس عشرينه اشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الاسرى الى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم الى ساحل بولاق وركب أيضا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم فطلعوا بهم الى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسرفين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وانتنت رائحتها وعدتها اربعة عشر رأسا والاحياء خمسة وعشرون ولم يزالوا سائرين بهم الى بركة الازبكية وضربوا عند وصولهم شنكا ومدافع وطلعوا بالاحياءمع فسيالهم الى القلعة
وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وامرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الانكليز حتى مجاورى الازهر وامرهم بترك حضور الدروس وكذلك امر المشايخ المدرسين بترك القاء الدروس
وفيه وصل عابدين بك وعمر بك واحمد أغا لاظ اوغلي من ناحية قبلي واشيع وصول الباشا بعد يومين
وفي يوم الاثنين وصل أيضا جملة من الرؤوس والاسرى الى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون راسا وثلاثة عشر اسيرا وفيهم جرحى ومات احدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار
وفي يوم الثلاثاء حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك والسيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الانكلير والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم اعداء الدين والملة وقد صاروا ايضا اخصاما للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب ايضا أن يكون الناس والعسكر على حال الالفة والشفقة والاتحاد وان يساعدوا بعضهم بعضا على دفع العدو ثم تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم أن الانكليز لايأتون الا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وان الفرنساوية كانوا اعلم بامر الحروب وانهم لم يحفروا الا الخندق المتصل من الباب الحديد الى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم واتقانهم اذ لايمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك
وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه امضاء علي بك حاكم رشيد واحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الانكليز لما حضروا الى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والاسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة القصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والاسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة والا فلا لوم علينا بعد ذلك وقد اخبرناكم وعرفناكم بذلك فارسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات الى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك ارسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرينه ركب السيد عمر النقيب والقاضي والاعيان المتقدم ذكرهم ونزلوا الى ناحية بولاق لترتيب امر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي اشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والاتباع والكل بالاسلحة
وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لاجراء الصلح بين الباشا والامراء القبالى وذهبوا الى دورهم وكان من خبرهم انهم لما وصلوا الى الباشا بناحية ملوى استأذنوه في الذهاب فيما اتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب الى اسيوط واودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الامراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الامراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الاغا ورجع الامراء القبالى الى ناحية بحرى فعند ذلك حضر المشايخ وكتب مكاتبات الى الامراء وارسلها صحبة المشايخ المذكورين الى الامراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما اتوا بسببه من امر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا كم من مرة يراسلنا في الصلح ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لاكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من ارسال الاموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط ثم انهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم بالبر الشرقي ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره وبعد انقضاء الحرب استعلى الى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضا بناحية الهو والكوم الاحمر
وفي اثناء ذلك ورد علي باشا خبر الانكليز واخذهم الاسكندرية وارسلوا رسلهم الى الامراء القبالي فارتبك في امره وارسل الى المشايخ يستعجلهم في اجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولايخالفهم في شيء يطلبونه ابدا ولما وصلتهم رسل الانكليز اختلفت آراؤهم وارسلوا الى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع ونورع وقال انا لا انتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم ابراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي امرائهم فاجتمعوا ثانيا بالمشايخ وقالوا لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الانكليز تخاصمت مع سلطان الاسلام واغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم اخذ الاقليم المصري كما فعل الفرنساوية فقالوا انهم اتوا باستدعاء الالفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا لاتصدقوا اقوالهم في ذلك واذا تملكوا البلاد لايبقون على احد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لايتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية واما هؤلاء الانكليز فإنهم نصارى على دينهم ولاتخفى عداوة الاديان ولايصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفارعلى المسلمين ولا الالتجاء اليهم وعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وان الله هداهم في طفولتهم واخرجهم من الظلمات الى النور وقد نشؤا في كفالة اسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين اظهر العلماء وقرأوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من اعمارهم في دين الاسلام واقامة الصلوات والحج والجهاد ثم يفسدون اعمالهم آخر الامر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على اخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الاسلام يتحكمون في اهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى افندي كتخدا قاضى العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا كل ما قلتموه وابديتموه نعلمه ولو تحققنا الامن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا بوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم انه يصطلح معنا وفي اثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي الينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من ياتي من الباعة والمتسببين الى الناحية التى نحن فيها ولا يخفاكم انه لما تى القبودان ومعه الاوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والامر له بالخروج فلم يمتثل وارسل الينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه فلما تم له الامر غدر بنا وما مراده بصلحنا الا تأخرنا عن ذهابنا الى الانكليز فلا نذهب اليهم ولا نستعين بهم وان كان مراده يعطينا بلادا يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا ولم يبق لنا ما نأسف عليه او نتحمل المذلة من اجله وقد ماتت اخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن معه عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة هذه المرة هي الاخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية الى اسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وايضا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء امر الانكليز ورجوعكم الى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية واكابر العسكر وان شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك ابدا فانخدعوا لذلك وكتبوا اجوبة ورجع بها مصطفىء افندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف ثم رجع اليهم تانيا وسار الفريقان الى جهة مصر وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل
وفيه شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس واهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض اجرة مائة رجل من الغعلة وعلى البعض اجرة خمسين وعشرين وكذلك اهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان ولم ترد هكذا القزم والات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير اسفل تل قلعة السبتية
وفي يوم الخميس غايته ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار اليه بها يذكر فيه أن الانكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد ورجعوا في هزيمتهم الى الإسكندرية استعدوا وحضروا الى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر الى الجبل عرضا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل اخبرناكم به ونرجو الاسعاف والامداد بالرجال والجبخانة والعدة والعدد وعدم التأني والإهمال فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع اليه طائفة المغاربة واتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية واولاد البلد وركب في صبحها الى كتخدا بك واستأذنه في الذهاب فلم يرض وقال حتى يأتي افندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر وبقي من بقي وانقضى الشهر وحوادثه
وفي ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزله هدية ولم يحج في هذا العام وذلك انه لما وصل الى المنزلة المذكورة ارسل الوهابي الى عبد الله باشا امير الحاج يقول له تأت الا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يصحبهم من الطبل والزمر والاسلحة وكل ما كان مخالفا للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم
{ أحداث شهر صفر سنة 1222 }
واستهل شهر صفر بيوم الجمعة
فيه كتبوا مراسلة الى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الازهر وغيرهم وأرسلوها اليهم
وفي يوم السبت ثانيه وردت مكاتبة أيضا من ثغر رشيد وعليها امضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا واحمد أغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضا كوم الأفراح وابو منضور ويستعجلون النجدة
وفي تلك الليلة اعني ليلة الاحد وصل محمد علي باشا ودخل الى داره باللأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان اشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشايخ والمحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب الى الآثار وبات هناك وبعضهم بات بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم ولم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم واشيع حضوره الى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في امر الإنكليز فأظهر الإهتمام وامر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم الى بولاق وسخط على اهل الإسكندرية والشيخ المسيري وامين أغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملكوهم البلدة ولم يقبل لهم عذرا في ذلك ثم قالوا له انا نخرج جميعا للجهاد مع الرعية والعسكر فقال ليس على رعية البلد خروج وانما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا الى دورهم
وفيه وصل حجاج المغاربة الى مصر من طريق البر واخبروا انهم حجوا وقضوا مناسكهم وان مسعود الوهابي وصل الى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار واحضر مصطفى جاويش امير الركب المصري وقال له ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال هو اشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال لاتأت بذلك بعد هذا العام وان اتيت به احرقته وانه هدم القباب وقبة ادم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع
وفي وفي تلك الليلة ارسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الاخيرة والزمه بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر وان يوزعها بمعرفته
وفي يوم الاثنين رابعه دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية الى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا الى الدور التي كانو ساكنين بها واخربوها
و في يوم الثلاثاء وردت مكاتبة من رشيد وعليها امضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بأن الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد ارسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عفرنا لأي شيء هذا الحال وما هذا الإهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر
وفي و في ذلك اليوم اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه الى بولاق وركب صحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة
وفي و في يوم الأربعاء سافر أيضا حجوبك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وامدهم الكثير من اخوانهم بالإحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم بيرقا وخرجوا و معهم طبل وزمر
وفي وفي يوم الجمعة ركب أيضا احمد أغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من اجناسهم وغيرهم من مغاربة واتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع الى بولاق يوهمون انهم مسافرون على قدم الإستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا الى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمدينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم الى المنوفية وفريق الى الربية ليجمعوا في طريقهم من اهل البلاد والقرى ما تصل اليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك
وفيه سافر أيضا حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية الى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الازعاج في اخذ الحمير والجمال قهرا من اصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة الى بناحية بولاق غير واضحة بدران وخلافها فرعتها واكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا الى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان واخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح افعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من اي جنس كان وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريق يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعدواتهم ويقولون اهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم اذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح افعالهم
و في يوم الاثنين حادي عشرة حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون انه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وان هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز الى الإسكندرية الا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الانكليز وردوا بوغاز اسلامبول بأثني عشر مركبا وقيل اربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج اهالي البلد انزعاجا شديدا وصرخت النساء وهاجت المدينة وماجت باناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن اخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم اخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون انه لا احد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا اخذدار سلطنتكم لأخذناها او احرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الاماكن فعند ذلك احضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل الى الإنكليز وتكلم معهم الى أن خرجوا من البوغاز واخرجوا صالح قبودان منفيا الى بعض الجهات
وفي وفي ذلك اليوم طلع الباشا الى القلعة صحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الاماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر الإهتام والإجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وامامه الخدم وبايديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه واتباعه
و فيه ارسل الأمراء القبليون جوابا عن جواب ارسل اليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بإن السبب في تأخرهم انهم لم يتكاملوا وأن اكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وانهم الى الآن لم يثبت عندهم حقيقة الامر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وان المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الانكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جوابا بالحقيقة صحبة مصطفى افندي كتخدا القاضي ويصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها اليهم وكانوا حضروا الى ناحية المنية واما ياسين بك فانه اذعن للصلح على أن يعطيه الباشا اربعمائة كيس بعد ترداد المراسلات بينه وبين الباشا ثم انه عدى الى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان اهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم واموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم
وفي عصر يوم الثلاثاء حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة انفار من البرية واحضروهم الى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم امر بطلوعهم الى القلعة وفيهم شخص كبير يقال انه من قباطينهم
و في يوم الخميس رابع عشرة عملوا ديوانا ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية هكذا وردت مرسوما تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز الى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز ومالهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور
و في ذلك اليوم حضر شخصان من السعاة واخبرا بالنصر على الإنكليز و هزيمتهم وذلك انه اجتمع الجم الكثير من اهالي بلاد البحيرة وغيرها واهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر واهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك واسمعيل كاشف الطوبجي الى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة و أسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي اثر ذلك وصل أيضا شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وان الأنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وابي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من اهل القرى خلفهم الى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم واسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا انه واصل خلفهم اسرى وهكذا وردت قتلى كثيرة في عدة مراكب وانه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من اهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من الأهالي بما في ايديهما ويقاتلان بانفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وانهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقا ما غنماه ومابقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد احمد النجاري واخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سرورا عظيما وشكر فعلهما وانعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتبا ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين الى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن اخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في انه ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وضربوا في صبح ذلك اليوم مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية وبولاق والجيزة و ذلك بين الظهر والعصر
و في يوم الجمعة خامس عشره حضروا باسرى وعدتهم تسعة عشر شخصا وعدة هكذا وردت فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم واما الرؤوس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون راسا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الازبكية مع الرؤس الاولى صفين على يمين السالك من باب الهواء الى وسط البركة وشماله
وفيه وفيه وصل ثلاث دوات من جدة الى ساحل السويس فيها اتراك وشوام واجناس اخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لايأتي الى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعدعامهم هذا واخرجوا هؤلاء الواصلين الى مصر
وفي وفي يوم السبت وصل أيضا تسعة اشخاص اسرى من الانكليز وفيهم فسيال
وفي يوم الأحد وصل أيضا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المدينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضا مروا بثلاثة وعشرين اسيرا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين راسا واربعة واربعين اسيرا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع الى القلعة
وفي وفي يوم الاربعاء وصل الى ساحل بولاق مراكب وفيها اسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم الى البر و ساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة الى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة واثنين واربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم الى القلعة عند اخوانهم فكان مجموع الأسرى اربعمائة اسير وستة وستين اسيرا والرؤوس ثلثمائة ونيف واربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الواقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير اساس وقد افسد الله رأي كل من طائفة الإنكليز والأمراء المصرية واهل الأقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على اهل الاقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه اما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم واما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال واما اهالي الاقليم فلا نتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما اصاب من مصيبة فبما كسبت ايدي الناس وما اصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذه الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك انهم هم الذين حاربوا الفرنساوية واخرجوهم من مصر ولما شاع اخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم اكثر العسكر على الفرار الى جهة الشام وشرعوا في قضاء اشغالهم واستخلاص اموالهم التي اعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى انها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن اربعمائة وعشرين نصفا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر فحشاوسعوا في مشترى ادوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش والأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وارسل يصالحهم على مايريدونه ويطلبونه وثبت في يقنيه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئا في السير يظن سرعة ورودهم الى المدينة فيسير مشرقا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز الى رشيد ودخلوها من غير مانع و حبسوا وحبسوا انفسهم فيها فقتلوا واسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى واسرعت المبشرون الى الباشا بالخبر فعند ذلك تراجعت اليه نفسه واسرع في الحضور وتراجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك اهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة و نادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق واعلاما وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم اليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا الى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم والقوا انفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم وادهشوهم بالتكبير والصياح حتى ابطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون الى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك او نسب اليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما اصعدوا الأسرى الى القلعة طلع اليهم قنصل الفرنساوية و معه الأطباء لمعالجة الجرحى و مهد لهم اماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم نفقات ولوزام واستمر يتعاهدهم في غالب الايام والجرائحية يترددون اليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم اذا وقع في ايديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك واكرموا الأسرى واما من وقع منهم في ايدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم والبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحلية لطيفة فمن ذلك أن غلاما منهم قال للذي هو عنده أن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسا ففرح وقال له ارنيها فأخرج له ورقة بخطم وهولاء يعرف ما فيها فاخذها منه طمعا في احرازها لنفسه وذهب مسرعا الى القنصل واعطاها له فلما قرأها قال له لا اعطيك هذا البلغ الا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر اليك سأله الباشا فقال اريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لاتوصل إليك فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وارسل الغلام الى اصحابه بالقلعة ولما انقضى امر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا الى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وماجاورها واستباحوا اهلها ونساءها واموالها ومواشيها زاعمين انها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتمكلها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه بذلك الجواب فأرسلوا الى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤالا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرا ومن يسمع وعلى انه لم يرجع طالب الفتوى بل اهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم احاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على اهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها السيد حسن كريت الى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال اما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحاربتنا معهم ومعكم وماقاسيناه من التعب والسهر وانفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وظهروا له الإهتمام بالمناداة والمنع وكتب المذكور أيضا مكاتبات بمعنى ذلك وارسلها الى الباشا والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانا وارسلوه اليهم بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى انعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش والبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز الى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الاسكندرية
● [ لأحداث شهر صفر بقية فتابعها ] ●
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة