من طرف صبايا الثلاثاء مايو 29, 2018 10:48 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
فقه العبادات
سؤال وجواب
{ تابع أسئلة في الطهارة }
● السؤال الثالث عشر
هَلِ الأشياء النَّجِسَةُ مَحْدُودَة أَو معدودة ؟ وصفةُ ذلِكَ ؟
● الجواب
أَوَّلاً : يجب أَن يعلمَ أَن الأَصْل في جَمِيعِ الأَشْيَاء الطَّهَارَةُ فلا تَنْجُس ، وَلا ينجس مِنهَا إلا ما دل عَلَيْه الشَرْع .
فَهَذَا أَصْلٌ مَحْدُود لا يَشِذَّ عَنْه شَيْء .
وأَمَّا مَا وَرَدَ أَنه نجس :
- فَمِنْهُ مَا هُوَ مَحدُودٌ ، ومِنهُ صَوْر مَعدُودَة .
ويجمعُهَا جميعًا : أَنَّها كُلَّها خَبِيثَة .
ولكن محلّ الخبثِ قَد يَخفَى عَلِينَا ، فَنَبّهنَا الشَّارِعُ عَلَى مَا يَدُلُّنَا وَيُرشِدُنَا إِلَى ذَلِكَ .
فمِنَ المحدُودِ : أَن الخَارجَ من السبيلين الَّذِي له جرم نجس إلا المني .
فَإِنَّهُ: صَح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - طَهَارَتُهُ .
وأَنهُ: يَنبَغِي فَرْكُ يَابِسه وَغَسْل رَطْبه.
وَمِنَ المحدُودَةِ :
- أَن مَا حَرُمَ أَكْله ، وَهُوَ أَكْبَرُ من الهِرَّ خِلْقَة : فإنَّهُ نَجَس ؛ كَالْكَلْبِ ، والخنْزِيرِ ، وسباعِ البَهَائِمِ .
فَهَذِهِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا ، ومَا خَرَجَ مِنهَا : نَجِسٌ .
وَلا يستثنى مِنهَا شَيءٌ ؛ عَلَى الْمَشْهُور من الْمَذْهَب .
والصَّحِيحُ : أَن الحِمَارَ والبَغْلَ ريقهُ وعرقُهُ وَشَعْره ومَا خَرَجَ من أَنْفِه طَاهِر بِخِلافِ بوله وَرَوْثه وَأَجْزَائِهِ فإِنَّها خبيثةٌ نجسةٌ .
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يركبهما وَالصَّحَابَة - رضي الله عنهم - ، وَلم يأمرْ بِتَوَقِّي عَرَقِهَا وَرِيقِهَا وَشَعرِهَا .
وهيَ أَوَلَى مِن طَهَارَةِ سُؤَرِ الهرّ الَّذِي ثَبتَتْ طَهَارَته .
وَعَلَله - صلى الله عليه وسلم - : بـ « أنَّهُن من الطَّوَّافِينَ عَلَيكُم وَالطَّوَّافَات ».
ومشقة ملامَسَةِ الحَمِيرِ وَالبغَالِ ، أشقُّ مِنَ الهِرّ بكَثِيرٍ ، وَأُولَى بِالإِبَاحَةِ وَالتَّطْهِير.
- وَأَمَّا مُحَرَّمُ الأكلِ : مِمّا هُوَ مثل الهر أو أصغر مِنه:
فإِن سُؤْره وَرِيقَهُ وَعَرَقه طَاهِر .
وأَمّا بوله ، وَرَوْثه ، وَجَمِيع أَجْزَاء لحمِه: فَإِنَّهُ نَجَس .
سوَى مَا لَيْسَ لَهُ نَفْس سائِلَةٌ فإن جَمِيعَ أجزَائِهِ طَاهِرَة كـ : العَقرَبِ وَالذَّبَّاب ونحوِهمَا .
- وَأَمَّا مَأْكُول اللحمِ : فَكُلّ مَا مِنْهُ طَاهِر سوَى الدمِ ، وَمَا تولد مِنَ الدمِ من قَيحٍ وصَدِيدٍ .
ومنَ المحدُودِ منَ النَّجَاسَات : جَمِيعُ الميتَاتِ سوَى مَيتَةِ الآدِمِي وَالسَّمك والجَرَادِ ، وَمَا لا نَفسَ له سائِلَة : فَإنّهَا طَاهِرَةٌ .
ومن المحدُودِ أَيْضًا : كُلُّ مُسكِرٍ ، مَائِعٍ نَجِسٍ مِنْ أَيِّ نَوْع كَانَ .
ومِنَ المحدُودِ أَيضًا : أَن جَمِيعَ الدِّمَاءِ نَجِسَةٌ إلا :
- دم مَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَة .
- ومَا يَبقَى بَعدَ الذبح في الْعُرُوق وَاللَّحْم فَهُوَ طَاهِرٌ
وإلا : دم الشهيدِ عَلَيهِ خَاصَّة .
وَلِهَذَا كَانَ الدمُ ثَلاثَةَ أَقسَامٍ :
1- طَاهِرٌ : كَهَذِهِ الْمَذْكُورَات .
2- ونَجِسٌ لا يُعفَى وَلا عَن يَسِيرِه : كَدَمِ الكَلْبِ وَالسِّبَاع .
3- ونَجِسٌ يُعفَى عَن يَسِيرِه : وَهُوَ مَا سُوَى هَذينِ .
فَصَارَ الْدم أَصْلُهُ النَّجَاسَةُ كمَا بيّنا .
وقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا ومما تقدم : أن الخَارِجَ مِنْ بَدَنِ الإنسَانِ ثَلاثَةُ أَقسَامٍ :
1- نجس يُعفَى عَنْ يَسِيرِهِ : كَالْبَوْلِ ، وَالْغَائِط .
2- وَنَجَس يُعفَى عَن يَسِيرِهِ : كَالدَّمِ ، ومَا تَوَلّد منْه ، والقَيء عَلَى المَذْهَب .
وكذَا المذيُ عَلَى الصَّحِيحِ .
3- وَمَا سُوَى ذَلِكَ ، فَطَاهِر : كَالرَّيقِ ، والبُصَاقِ ، وَالنّخَامَة ، والمخاط وَالعَرَقِ ، وَمَا سالَ مَنْ الفَمِ وَقْت النَّوْمِ ، وَصَمْغِ الأُذُنِينَ ، وَغَير ذلك والله أعلم.
وَمِنَ النَّجِسِ غَيْر مَا تَقَدَّمَ : الحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَة.
● السؤال الرابع عشر
مَا هُوَ الفارق بَيْنَ دَمِ الحَيضِ وَدَم الاسْتِحَاضَة وَدَمِ النِّفَاس؟
● الجواب
هَذِه الدِّمَاء الْمَذْكُورَة تَخْرُجُ من محَلّ وَاحِد .
ولكن تَختَلِفُ أَسْمَاؤُهَا ، وَأَحْكَامهَا ، بِاخْتِلاف أسبَابِهَا .
فَأَمَّا دَمُ النِّفَاس :
فسببه ظَاهِرٌ .
وَهَوّ : الدم الخَارِجُ مِنَ الأُنثَى بِسَبَبِ الْوِلادَة .
وَهُوَ : بقيَّة الدَّم المحتَبَسِ وَقْت الحَمْلِ في الرَّحِمِ .
فإذَا وُلِدَتْ خَرَجَ هَذَا الدم شَيئًا فَشَيئًا ، وَمَا تولد بَعْدَ الْوِلادَة .
وَتَطُولُ مَدَّته ، وقد تَقصُر .
أَمَّا أقلّهُ: فَلا حَدّ له قَوْلاً واحِدًا .
وَأَمَّا أكثرهُ : فَعَلَى المذْهَبِ مَا جَاوَزَ الأَرْبَعِينَ ، وَلْم يُوَافق عادَةَ حَيضٍ فَهُوَ استحاضَةٌ .
وعَلَى الصَّحِيح : لا حد لأَكْثَرِه كَما يَأتي التَّنبِيهُ عَلَى دليله في مَسْأَلَةِ الْحَيْض .
وأَما الدم الذي يَخرُجُ بِغَيرِ سَبَب الوِلادَةِ :
فَقَد أَجرَى اللَّهُ سُنتهُ وعَادَتهُ: أن الأُنْثَى إِذَا صَلُحَتْ للحَمْلِ وَالْوِلادَة يأْتيهَا الحَيضُ غَالِبًا في أَوْقَات مَعْلُومَة بِحَسَبِ حَالِتهَا وَطَبِيعتِهَا .
وَلِذَلِكَ مِن حِكمَةِ وُجُود الدم :
مِنهَا : أنه أَحَدُ أَركَانِ مادة حَيَاةِ الإِنسَانِ ، ففِي بطن الأُمِّ يَتَغَذَّى بالدم وَلِهَذَا ينحبسُ غَالِبَا فِي الحملِ .
وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلهُ وَهُوَ الْوَاقِع الْمَوْجُود ؛ عرِفَ أَن أَصلَ الدم الخَارِجِ مِنَ الأُنْثَى حَيضٌ ؛ لأَن وُجُوده في وَقْته يَدلُّ عَلَى الصَّحَّة وَالاعْتدَال وَعَدَمه يدل عَلَى ضِدّ ذلك .
وَهَذَا المعنَى متَّفَقٌ عليه بَيْن أَهلِ العِلمِ بِالشَّرْعِ وَالعِلم بالطِّبِّ بَل مَعَارِفُ النَّاسِ وَعَوَائِدهمْ وتجارِبهم دلتهم عَلَى ذلِكَ .
وَلَذَلك قَالَ العُلَمَاءُ فِي حَدِّه : هو دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ يأتي الأُنثَى في أوَقَاتٍ معرُوفَةٍ .
وَالتَّسمِيَةُ تَابِعةٌ لِذَلِكَ .
والشَّارِعُ أَقرَّ النِّسَاءَ عَلَى هَذِه التَّسمِيَةِ لهَذَا الدمِ الخَارِجِ مِنْهُنَّ وعَلَّقَ عَلَيْهِ من الأَحكَامِ الشرعِيةِ مَا عَلَّقَ .
فَفَهِمَ النَّاسُ عَنه هَذِهِ الأحكَامَ وَعَلَقُوهَا عَلَى وُجُودِ هَذَا الدَّمِ ومَتَى زَالَ زَالَتْ ؛ لأَن الحكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِه وُجُودًا وَعَدمًا .
فَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَاب الْمَقْطُوع بِهِ:
- أَنْهِ لا حَدَّ لأَقلِّ الحَيْضِ سِنًّا وزَمَنًا وَلا لأَكثَرِه .
وَلا لأَقلِّ الطُّهْر بين الحيضَتَينِ .
- بَلِ الْحَيْض هَوّ وجودُ الدمِ ، والطَّهرُ فَقدُهُ .
- ولوِ زَادَ أَو نقصَ أَو تَأَخر أَو تقدَّم لِظَاهِر النُّصُوص الشَّرعِيَّة ، وظاهِرِ عَمَل الْمُسْلِمِينَ ، وَلأَنُهْ لا يَسَعُ النِّسَاءُ العَمَلَ بِغَيرِ هَذَا الْقَوْل .
وأَمَّا المَشْهُور مِن المذهَبِِ:
- فَإِن أَقَلَّ ما تَحيضُ فِيهِ الْمَرْأَة تِسعُ سنين .
- وَأَكثرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً .
- وأَقلّ مدَة الحيَضِ يَومٌ وَلَيلة .
- وأكثَرُهُ خَمسَةَ عَشَرَ يَومًا .
- ومَا خَرَجَ عن هَذَا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ لا تُترَكُ لَهُ العِبَادَة .
- وإنْ زَادَ عَنِ العَادَةِ أو تقدم أو تأخرَ لَم تصر إِلَيْهِ حتَّى يتكرَّرَ تُلاثًا فيَصِيرُ عادَةً تنْتقِلُ إِلَيْهِ ثم تَقضِي مَا صَامته أو اعتكفَتهُ ونحوه .
وَحَجَّتهمْ عَلَى هَذَا الْقَوْل - بعضه لا كلّه - : أن هَذَا الْمَوْجُود الْغَالِب وَما خَرَجَ عَنهُ نَادِر .
وَالأَصْل : أن النَّادِرَ لا يثبت له حكم .
وَهَذِهِ حَجَّة ضَعِيفَةٌ جِدَّا فَإِنَّ الْوُجُود يَتَفَاوَت تَفَاوُتَا كثيرًا .
وبالإجماع : أن النِّسَاءَ يَتَفَاوَتْنَ فِي هَذِهِ الأُمُور تَفَاوُتَا ظَاهِرًا .
والأسمَاءُ ثَلاثَة أقْسَامٍ : شرعية ولغَوِيَّة وُعُرفية .
وَكُلُّهَا تتَطَابَقُ عَلَى أَن هَذَا الدَّمَ حَيضٌ ، وَأن عَدَمَه طُهْر.
فَلا أبلغَ من حُكمٍ اتفَقَّتْ عَلَيْهِ الْحَقَائِق الثَّلاثُ.
فَعَلَى المذهَبِ:
الاستحاضَةُ : مَنْ تَجَاوُز دَمُهَا خَمسَةَ عَشَرَ يَوِمًا .
أو كَانَ دمًا غَيرَ صَالِحٍ للحَيضِ ؛ بأَن نَقصَ عَن يوِمٍ وَلَيلةٍ .
أو كَانَ قبل تِسعِ سِنِينَ أَو بَعْدَ خَمسِينَ سَنَة .
وأَمَّا عَلَى القَولِ الصَّحِيحِ : فالحيَضُ : هُوَ الأَصْلُ ، والاستِحَاضَةُ : عَارِض لمرضٍ أَو نحوِه .
مِثلَ : أَن يطبقَ عَلَيهَا الدَّم ، أو تَكون شَبِيهةً بالمطبقِ عَلَيهَا الدَّم بأَنْ لا تَطَهُّر إِلا أَوَقَاتًا لا تذْكر .
وَعَلَى كُلّ : فَإِنَّهُ إذا ثبت استِحَاضَتُهَا .
فإِنْ كَانَ لهَا عَادةٌ قَبلَ ذَلِكَ : رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِهَا.
فَصَارَتْ العَادَةُ : هِيَ حَيضُهَا .
وَمَا زَاد فَهِيَ استِحَاضَةٌ تَغْتَسِلُ وتتعبد فِيه .
وَإِن لَم يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ : وصَارَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا بعضه غَلِيظ وَبعضه رَقِيق أَو بَعْضُهُ أسود وبعضُهُ أَحمرُ أو بعضُهُ منتن وبعضُهُ غير منتن .
فَالْغَلِيظ وَالأُسُود والمنتن : حيضٌ .
والآخر : استِحَاضَة .
ولكن على المذهَبِِ: يَشْتَرِطُونَ في المتميزِ :
أَنْ يَكُونَ صَالِحًا للحيض ، لا ينْقصُ عن يَوِمٍ وَلَيلةٍ ، وَلا يزيد عَلَى خَمسةَ عَشَرَ يومًا وَنَحْو ذَلِكَ مما هَوّ عَلَى أَصلِ الْمَذْهَب .
وَالصَّوَاب : عَدَمُ اعتبارِ ذَلِكَ كَما تقدَّم .
فإنْ لَم يَكُن لَهَا عَادَةٌ وَلا تَمْيِيز : جَلَسَتْ مِن كل شَهْرٍ غَالِب الحيَضِ ستَّة أَيامٍ أَو سبعة .
للأَحاديثِ الثَّابِتَةِ في ذَلِكَ .
ثم تغتَسِلُ إذا مَضَى المَحْكُوم بأنه حيض ، وتسدُّ الخارِجَ حَسْب الإِمكَانِ وَتَتَوَضَّأ لوِقتِ كُلِّ صَلاةٍ ، وَتَصَلِّي بِلا إِعَادَة .
فظهر مما تقدم :
أنَّ دَمَ النِّفَاسِ: سببه الْوِلادَة .
وأَنَّ دَمَ الاسْتِحَاضَة : دم عارِضٌ لمرضٍ وَنحوِه .
وأَنَّ دَمَ الحَيضِ : هُوَ الدم الأَصْلِيّ وَاللْهُ أَعْلَم .
● السؤال الخامس عشر
إِذَا جَازَ التَّيَمّمُ للعَدَمِ أَو للضَّرَرِ. هَلْ يَنُوبُ مَنَابَ طَهَارَةِ الماءِ في كُل شيء أَمْ لا ؟
● الجواب
حَيْثُ جازَ التيمم لِعُذْرِه الشَّرْعِيّ ، وَهُوَ عَدَمُهُ أو خَوْفه بِاسْتِعْمَالِهِ الضرر ؛ فإنَّه ينوب مَنَابَ طَهَارَةِ الماءِ في كُلِّ شيءٍ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ النُّصُوص .
وَهُوَ إِحدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الإمامِ أَحمدَ.
فَعَلَى هَذَا :
- لا يُشْتَرَطُ لَهُ دخول وَقتٍ .
- ولا يبْطل بِخُرُوجِهِ بل بِمُبْطِلات الطَّهَارَةِ .
- ولو تيمَّمَ للنَّفلِ اسْتَبَاحَ الفرضَ كما يَسْتَبِيحهُ في طهارةِ الماءِ وذَلِكَ أَن البَدَلَ يَقُوم مَقَامَ الْمُبْدَل .
وَيَسُدُّ مَسَدّه إلا ما دل دَلِيلٌ على خُرُوجه عن هذا الأَصْل ، ولم يرد .
والمشْهُورُ مِنَ المذهَبِِ: أَنَّهُ مَثْله فِي أَكْثَرِ الأَشْيَاءِ .
فَيُسْتَبَاحُ بِهِ مَا يُسْتَبَاح بِطَهَارَة الْمَاء من صَلاةٍ وَغَيْرِهَا .
ولكن يُخَالِفُ طهارةَ الماءِ في أُمُور منها :
- أنّهُ يُشْتَرَط لَهُ دخول الوَقْتِ .
- وَأَنْهِ يبْطل بِخُرُوج الْوَقْت مُطْلقًا .
- وَأنْهَ لَوْ تيمَّمَ للنَّفْلِ لم يُستَبَح الفَرضُ .
- وأَنَّهُ لا يستبيح بِه إلا ما نَوَاهُ أَو كَانَ مَثْله أَو دَوْنه لا أعلَى مِنْهُ .
وَاحْتَجُّوا عَلَى هَذَا : بأَنَّهَا طَهَارَةُ اضطرارٍ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الحَاجَةِ .
وَهَذَا الاسْتِدْلالُ ضَعِيفٌ ، وهو مَنْقُوض أَيْضًا :
أمَّا ضَعْفُهُ: فلأَن هَذِه الطَّهَارةَ عِندَ وُجُود شَرْطهَا المبيحِ طهارة كاملةٌ كما سمَّاهَا اللَّه تَعَالَى ، لما ذَكَرَ الطَّهَارَة بِالْمَاءِ ثم بالتَّيمُّمِ قَالَ : ? مَا يُرِيدُ اللَّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم من حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ? [المائدة : 6 ]، فلَيْسَتْ بمنْزلةِ أَكْلِ المِيتَة للمضطرَّ ، فإِن التَّحريمَ بَاقٍ ولكنْ لأجْل اضطرارِه وَخَوْفه التَّلف أبيح ذَلِكَ .
وأَمَّا التيمم مَعَ تعذر الْمَاء : فإِنَّه عِبَادَة نَابَتْ مَنَابَ عِبَادَةٍ أُخرَى عِندَ العُذْرِ ، فَيَقْتَضِي أَنَّها مِثلُهَا مِن كُلِّ وَجْه ، نعم هي طهارةُ اضْطِرَارٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَرْطهَا الذي هُوَ تَعَذُّر استعمالِ الْمَاء .
فما دَامَ هَذَا الشَّرْطُ مَوْجُودًا فَطَهَارَة التيمم صحيحة .
وَمتَى زَالّ وَوُجِدَ الماءُ وَزَالَ الضرر : بطل التيمم .
هَذَا الذي دل عَلَيْهِ الدلِيلُ ، ثم قَوْلهمْ : أبيح بِقَدرِ الضرُورَةِ مَمْنُوع بالإِجْمَاعِ . فإنه لا يقول أَحَدٌ : إِنَّهُ يَجِب أَن يَتَيَمَّم عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ يُصَلِّيهَا فرضًا أو نفلاً ، وَإِنَّهُ يُقْتَصَر عَلَى الفَرضِ بَل عَلَى الْوَاجِب منه .
كَما قَالُوا فِيمَنْ تَعذرَ عَلَيهِ الطَّهَارَة بالماءِ وَالتِّرَاب مَعَ أنه ضَعِيفٌ أيضًا .
فإِن من تعذر عَلَيهِ ذَلِكَ : فَلا يُكَلِّفُ اللَّه نَفسًا إلا وُسْعهَا .
فإِن جَمِيعَ الْوَاجِبَات الشَّرْعِية : إنما تجب مع القدرةِ عَلَيْهَا ، فإذا عجز عنها سَقَطَ وَجُوبُهَا على العبد.
وَهَذَا مُطَّرِدٌ في جَمِيع أَرْكَانِ الصَّلاةِ ، وَشُرُوطهَا ، وَوَاجِبَاتِهَا ، والحمد لله رب العَالمينَ.
كتاب: إرشاد أولى البصائر والألباب
لنيل الفقة بأيسر الطرق والاسباب
تأليف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي
منتدى ميراث الرسول ـ البوابة