صبايا- Admin
- عدد المساهمات : 2010
تاريخ التسجيل : 31/10/2014
من طرف صبايا الأربعاء أبريل 29, 2020 9:35 pm
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الأول
● [ ختام كتاب الصلاة ] ●
[ باب صلاة الجمعة ]
صلاة الجمعة فرض وحتم على كل من في المصر من حر بالغ ذكر من قاص ودان وعلى كل من سمع النداء وإن كان خارج المصر وليست على المسافرين ولا على النساء ولا على العبيد أيضا عند أكثر أهل العلم ومن شهدها من هؤلاء كلهم أجزأته لأن سقوطها عنهم رخصة وتوسعة عليهم.
وتجب الجمعة أيضا على كل من كان صحيحا قادرا على السعي إليها بالمصر أو خارجا من المصر على ثلاثة أميال فدون لأنه قد يسمع النداء بالليل مع سكونه ونداوة الصوت من مثل هذه المسافة والله أعلم.
وتجب الجمعة أيضا على أهل القرى إذا كانت القرية كثيرة فيها سوق وجامع وأزقة وعدد تقام به الجمعة عشرون ولم يحد مالك في ذلك شيئا وحد فيه بعض أصحابه ثلاثين ومن أهل المدينة من حد في ذلك أربعين ومنهم من قال: خمسين ومنهم من قال: تجوز بثلاثة سوى الإمام ولغيرهم في ذلك أقاويل غير هذه والاحتياط في هذا أولى.
ولا تجب الجمعة في القرى الصغار ولا على أهل العمود والقياطين.
وللجمعة شروط هي فرائضها لا تتم إلا بها وهي: المصر، أو ما يشبهه من ديار الإقامة، والإمام، والخطبة، والجماعة، والوقت، واليوم والمسجد عند مالك أو مكانه إن عدم.
وتصح الجمعة بغير سلطان ولا تصح بغير خطبة ولا بغير جماعة ولا بغير إمام من أولها إلى آخرها إلا لمأموم أدرك ركعة منها ولا تصلي إلا بعد الزوال في يومها ولا تصلي إلا في المسجد أو في رحابه أو الطرق المتصلة به دون ما يمنع الناس من دخوله.
والغسل للجمعة سنة وليس بواجب لدلائل قد بينتها في كتاب التمهيد ولا يغتسل لها أحد قبل الفجر ولا يجوز عند مالك الغسل لها إلا مع الرواح إليها فإن اغتسل لها بعد الفجر وراح إليها كره له مالك رواحه ذلك الوقت وأجزأه غسله لها لاتصاله بالرواح.
والذي يستحبه مالك أن يغتسل ويروح في الوقت المعهود وإن تأخر رواحه ولم يتصل بغسله أعاد غسله في حين رواحه فإن لم يفعل كان كمن شهد الجمعة على غير غسل ولا شيء عليه.
ويجوز عند جماعة من أهل المدينة وبعض أصحاب مالك أن يغتسل لها بعد الفجر وإن لم يتصل الغسل بالرواح والطيب.
والتجمل بالثياب في الجمعة والعيدين سنة مستحبة يندب إليها من قدر عليها.
ووقت الجمعة وقت الظهر ولا تجوز قبل الزوال.
والأذان الواجب لها: إذا جلس الإمام على المنبر فإن أذن مؤذن في صومعة وأذن غيره بين يدي الإمام فلا بأس لأنه قد عمل به قديما في المدينة، والأذان الثاني: أوكد من الأول وعنده يحرم البيع.
وقد قيل: لا يجوز البيع من وقت جلوس الإمام على المنبر حتى تصلى الجمعة.
وروى ابن نافع عن مالك: قال: لا بأس بالبيع والشراء بعد التأذين الأول من يوم الجمعة لأنه إنما كان تأذينان فزيد الثالث وإنما يكره البيع والشراء بعد التأذين الذي بعد قعود الإمام.
وقال ابن القاسم مثله، وزاد: فأما التأذين الأول فلا أرى به بأسا إلا أن يترك احتياطا.
قال ابن القاسم: سألت مالكا غير مرة فقال: إنما هو التأذين الذي هو بعد قعود الإمام وهو في سائر النهار قبل وبعد جائز.
والخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة خطبتان يفصل بينهما بجلسة خفيفة قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ويجلس في أول الخطبة منتظرا للآذان من بين يديه.
وقال مالك: الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم.
وقال غيره: هو أصل الأذان في الجمعة ولا يجزئ إلا ما يقع عليه اسم خطبة لهذا اصح ما قيل في ذلك ولو خطب علي غير طهارة الخطبة كلها أو بعضها أساء ولا إعادة عليه إذ صلى طاهرا والجلسة بين الخطبتين سنة وكذلك الجلسة قبل الخطبة.
وقد قيل: إن الجلسة قبل الخطبة مستحبة لا مسنونة والسكوت للخطبة واجب على من سمعها وجوب سنة والسنة أن يسكت لها من سمع ومن لم يسمع وهما إن شاء الله في الأجر سواء ومن تكلم حينئذ فقد لغا ولا تفسد صلاته بذلك والقراءة في صلاة الجمعة بعد فاتحة الكتاب بسورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية بسبح إسم ربك الأعلى أو هل أتاك حديث الغاشية أو إذا جاءك المنافقون كل ذلك حسن مستحب أو بما شاء ولا ينبغي أن تترك سورة الجمعة إلا من ضرورة ولو قرأ غيرها من غير ضرورة لم تفسد صلاته وقد أساء.
ولو افتتح الإمام الجمعة بعدد تام كثير ثم انفضوا عنه حاشا أثنين سواه أتمها جمعة.
وقد قيل: لا يتمها إلا بعدد تصح بهم الجمعة وإلا أتمها ظهرا.
وقد قيل: إنه إذا عقد منها ركعة بجماعة تجب بمثلها الجمعة ثم انفضوا عنه وبقي وحده أنه يتمها جمعة ، والأول قول مالك ومن أدرك مع الإمام من صلاة الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى واحدة وتمت جمعة ومن لم يدرك الركعة فقد فاتته الجمعة ويصلي الظهر وحده.
وإن أحدث فيها الإمام لم يقدم إلا من لم يسبقه بركعة ولا يقدم في الجمعة إلا من عليه فرض الجمعة ولا تجوز الجمعة من المصر إلا في موضع واحد فإن عظم المصر وكان فيه جامعان بإمامين قد قدمهما الإمام فقد قيل إن ذلك جائز والأول هو المذهب.
ولا يتخلف احد عن الجمعة ممن عليه إتيانها إلا بعذر لا يمكنه معه الإتيان إليها مثل المرض الحابس أو خوف الزيادة في المرض أو خوف جور السلطان عليه في مال أو بدن دون القضاء عليه بحق.
والمطر الوابل مع الوحل عذر إن لم ينقطع ولو تخلف عنها متخلف على ولي حميم قد حضرته الوفاة ولم يكن عنده من يقوم بأمره رجوت أن يكون في سعة وقد فعل ذلك ابن عمر ومن تخلف بغير عذر يصلي بعد الإمام ولا يجزيه ان يصلي قبله وهو في تخلفه عنها مع إمكانه لذلك عاص لله بفعله وكل من فاتته الجمعة بعذر أو بغير عذر صلى الظهر أربعا ولا يصلي الظهر جماعة يوم الجمعة إلا من لا تجب عليه وإن صلاها المرضى والمحبوسون جماعة فلا بأس ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى تصلى الجمعة ولا بأس أن يسافر قبل الزوال والاختيار أن لا يسافر بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة حتى يصلى الجمعة إذا كان حاضرا غير مسافر.
وللإمام المسافر أن يجمع بقربه من عمله إذا كانت تجب فيها الجمعة فإن لم تكن تجب فيها الجمعة أجزأته ومن معه من المسافرين ويتم أهل الحضر صلاتهم ظهرا يبنون ولا يعيدون ذكره ابن عبد الحكم وهو معنى قوله في الموطأ وهو أصح شيء في هذه المسألة.
وقيل: عليهم الإعادة دونه . وقيل: يعيد ويعيدون. وقيل: يعيد جميعهم في الوقت صلاتهم مسافرين وحضريين .اهـ.
● [ باب صلاة الخوف ] ●
وإذا حضرت الصلاة بحضرة العدو في السفر فلم يؤمن العدو ان يغشاهم قبل فراغهم ويهجم عليهم قل تمام صلاتهم ولم يكن العدو بينهم وبين القبلة عرفهم الإمام كيف يصلون ثم أمرهم بالأذان وجعلهم طائفتين طائفة تأخذ سلاحها وتقف بإزاء العدو وطائفة تصلى مع الإمام وعليها أسلحتها ثم تقام الصلاة فيصلي بهم ركعة ثم يقوم في الثانية فيثبت قائما ويطيل القراءة ويشير إليهم أن خشي النسيان عليهم فيقومون يتمون لأنفسهم ركعة يخفون قراءتها ويسلمون فيذهبون إلى مصاف أولئك وتأتي الطائفة التي لم تصل فيحرمون وراء الإمام فيصلي بهم تلك الركعة التي بقيت عليه ثم يسلم فيقومون يقضون ركعة لأنفسهم أفذاذا وإن شاء طول جلوسه بعد التشهد يدعو ويقومون فيتمون لأنفسهم ركعة ثانية ويتشهدون ويسلم بهم وكلا القولين لأئمة أهل المدينة وقال بهما جميعا مالك.
وإن كانت الصلاة المغرب صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعتين فإذا قضي التشهد فيها قاموا وصلوا ركعة وسلموا وانصرفوا إلى مقام أصحابهم فأحرموا وراء إمامهم وهو وافق وصلى بركعة ثم قضوا ركعتين وإن شاء الإمام انتظرهم جالسا حتى يحس بهم فيقوم فيحرمون وراءه وإن شاء قام إلى الثالثة انتظرهم قائما فإذا أحرموا خلفه صلى بهم ركعة وإن صلوا في الحضر أتموا الصلاة وينتظرهم إذا قام في الثالثة وهو الأشهر عن مالك ولو انتظرهم جالسا على ما ذكرنا لم يكن به بأس فإذا كان العدو بينهم وبين القبلة يرونه أن حمل عليهم صفهم الإمام صفين يصلي بهم جميعا ويحرسهم الثاني إذا سجدوا فقط ثم يسجدون ويتبعونه ويسلم بهم كلهم فإن كان الخوف أشد من ذلك والتحمت الحرب صلوا رجالا وركبانا سعيا وركضا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها كل واحد منهم على قدر طاقته يومئ أيضا ويشير إشارة بركوعه وسجوده ولا بد من فاتحة الكتاب في قراءة ركعة ولا إعادة عليهم وإن آمنوا إلا من آمن منهم في ضعف صلاته أتم الصلاة على هيئتها ولو ابتدأ كان حسنا وهو أحب إلى ومن خاف لصا أو سبعا وهو راكب جاز له أن يصلي على دابته إلى القبلة وغيرها إذا استيقن ذلك فإن أشكل عليه أعاد صلاته إذا آمن وإن انهزم القوم على ضعفهم أو أقل غير منحرفين ولا متميزين إلى فئة لم يجزهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف والله أعلم
● [ باب صلاة التطوع والسنن ] ●
كل صلاة بعد الخمس نافلة وتطوع ومن ذلك سنة ومن السنن ما بعضها آكد من بعض وإنما يعرف المؤكد من ذلك بمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعله وآكد السنن ما صلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة وذلك العيدان والاستسقاء وصلاة كسوف الشمس وكذلك الوتر وهو لصلاة الليل ووقته من بعد صلاة العشاء إلى أن يصلي الصبح وجائز في صلاة الليل الإقامة والجماعة وإن كان الإنفراد فيها أفضل وركعتا الفجر أيضا مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه من سنته وقيل في ركعتي الفجر أنهما ليستا بسنة وإنما هما ليستا بسنة وإنما ليستا بسنة وإنما هما من الرغائب المستحبة والصحيح ما ذكرنا وجائز الوتر بعد الفجر وغير جائز ان يصلي بعد صلاة الصبح ويكره تأخيره إلى طلوع الفجر وآخر الليل أفضل للقيام كله للوتر وغيره لمن قدر عليه ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح ومن ركعهما أو إحداهما قبل الفجر لم يجزه وقيام شهر رمضان سنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ابتدأها ثم تركها خشية أن تفرض على أمته وسنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة فلم ينكر ذلك عليه أحد وأجمعوا على العمل بها لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبى بكر وعمر" .
فلهذا قلنا أن قيام شهر رمضان سنة وأقل قيام شهر رمضان أثنتا عشرة ركعة مثنى مثنى ثم الوتر وهي كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره.
واستحب جماعة من العلماء والسلف الصالح بالمدينة عشرين ركعة والوتر واستحب منهم آخرون ستا وثلاثين ركعة والوتر وهو اختيار مالك في رواية ابن القاسم عنه.
ولا قنوت في شهر رمضان ولا غيره في السنة كلها إلا في الصبح وحدها.
وقد روي عن مالك إجازة القنوت في النصف الإخير من شهر رمضان والقول الأول تحصيل مذهبه عند أصحابه والقراءة في قيام شهر رمضان بعشر من الآيات الطوال ويزيد في الآيات القصار ويقرأ السور على نسق المصحف ولا بأس بالصلاة بين الإشفاع إذا كان يجلس بينهم فإن كان يطيل صلاته فلا يصلي أحد بينهما ولا يصلي غير صلاة الإمام إلا الفريضة لمن لم يدركها مع الإمام لأن المسجد أولى بها.
ومن فاتته ركعة من الإشفاع مع الإمام قام إذا سلم الإمام فصلى ركعة أخرى فإن كان الإمام لا يصلي إشفاعه صلى الركعة في حين ركوع الإمام لنفسه وإن كان ممن يصلي إشفاعه قام معه فخفف قراءة تلك الركعة وركوعها وسجودها وسلم ثم استأنف الصلاة مع الإمام على وجهها ولا يتنفل أحد بأكثر من أربع ركعات والاختيار أن يكون تطوعه كله مثنى مثنى في الإشفاع وغيرها ومن فاتته العشاء في رمضان ثم أتى والناس في الإشفاع فليبدأ بالعشاء فليصلها وحده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة.
وكذلك ينبغي أن يكون قبل الوتر صلاة وأقل ذلك ركعتان وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى في النوافل كلها وكره جماعة من العلماء الوتر بواحدة لم يتقدمها شيء وسموها البتراء ورخص في ذلك آخرون وممن أوتر بواحدة ليس قبلها شيء من أئمة أهل المدينة عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس ومعاوية. وقال به جماعة من العلماء ولكن الذي اختاره مالك اولى لأنه لم يحفظ أحد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بواحدة وسنته أحق أن تمتثل.
ومن صلى خلف إمام يوتر بثلاث لا يفصل بينهما بسلام فلا يخالفه لاختلاف النقل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" ولا حد في القراءة في الوتر وكان مالك يستحب أن يقرأ في الوتر في الأولين من الثلاث بأم القرآن وقل هو الله أحد في كل ركعة منها ويقرأ في الثالثة بأم القرآن وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ولا قضاء على من ترك شيئا من النوافل أو نسيه إلا أن ركعتي الفجر من أحب قضاهما بعد طلوع الشمس فلا بأس ولا يقضي أحد الوتر ولا يصليها بعد صلاة الصبح ومن نسي أن يركع ركعتي الفجر في بيته ووجد الناس في الصلاة فليدخل معهم وإن صلاهما خارج المسجد عالما بانه لا يفوته الركوع مع الإمام في الركعة الثانية فحسن وإلا فلا.
وكذلك الوتر لمن نسيه ووجد الناس في صلاة الصبح ولو لم يوتر يركع ركعتي الفجر قدم الوتر ثم إن أدرك ما ذكرنا صلى ركعتي الفجر وإلا فلا.
واختلف قول مالك فيمن ذكر الوتر وهو في صلاة الصبح والذي يعضده أصول أهل المدينة: انه يتمادى ولا يقطع مكتوبته لوتره لأنه لو ذكره بعد السلام لم يقضه ولا رتبه له مع المكتوبات وليس بأوكد ممن طرأ عليه الماء وقد أحرم متيمما وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي قبل الظهر ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين وقبل صلاة الفجر بعد طلوعه ركعتين.
وكل ذلك في بيته وكن إذا دخل المسجد في وقت يصلي فيه ركع ركعتين وكان إذا قدم من سفر لم يدخل بيته حتى يأتي المسجد فيركع فيه ركعتين وذلك كله حسن مندوب إليه يستجزل الأجر فاعله عليه وأوكد ذلك كله عند مالك بعد الوتر ركعتا الفجر وركعتان بعد المغرب والتطوع كله في البيوت أفضل وإنما بنيت المساجد للفرائض التي يجتمع لها، ويؤذن ومن تنفل نهارا في المسجد فحسن له ذلك ولم يره مالك كالليل ولا أذان لشئ من النوافل ولا لشئ من السنن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفل على راحلته ويوتر على راحلته ويصلي المكتوبة بالأرض وفي هذا إبطال قول من جعل الوتر واجبا ولا يتنفل الماشي لا إلى القبلة ولا إلى غيرها عند مالك ولا يتنفل المضطجع على ظهره ولا على جنبه إلا من علة وجائز صلاة النافلة للمطيق وغير المطيق جالسا على أنه من أطاق القيام وتنفل جالسا كان له من الأجر مثل نصف صلاة القائم وجلوس المتنفل في حال قيامه وغير ذلك من هيئة صلاته كالمريض الجالس وقد تقدم ذكر ذلك في باب صلاة المريض.
ويستحب لمصلي النافلة جالسا إذا دنا ركوعه أن يقوم فيقرأ ثلاثين آية أو نحوها ثم يركع قائما فإن لم يفعل فلا حرج ومن قطع صلاة نافلة بغير عذر قضاها عند مالك وإن قطعها عليه عذر أو حدث فلا شيء عليه
● [ باب سجود القرآن ] ●
عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة في الأعراف سجدة وفي الرعد سجدة وفي النحل سجدة وفي بني إسرائيل سجدة وفي مريم سجدة وفي الحج سجدة واحدة وهي الأولى وفي الفرقان سجدة وفي النمل سجدة وفي الم تنزيل سجدة وفي ص سجدة وفي حم تنزيل سجدة عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فإن كان إمامه يسجد في قوله يسئمون اتبعه.
والسجود سنة للتالي وللسامع إذا كان جالسا إليه وليس بواجب على واحد منهما وجوب فرض ولكنه سنة كما ذكرنا وهو على التالي أوكد من المستمع إلا أن يكون التالي إماما في الصلاة فيشتركان في ذلك.
ولا يسجد أحد للتلاوة إلا على طهارة ومستقبل القبلة ويكبر لها إن شاء ولا تشهد فيها ولا تسليم ولا يسجد في وقت لا تجوز فيه الصلاة هذا قوله في موطئه وهو تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه.
وينبغي أن لا يقرأ في حين لا صلاة فيه فإن قرأها فلا يسجد ولا بأس بقراءة السجدة في النافلة والمكتوبة إذا لم يخف أن يخلط على من خلفه.
وقد روي عنه كراهة ذلك للمنفر وليس بشيء لأنه لا يخشى عليه أن يخلط على غيره أن يسجد لأنه لا يخلط عليهم.
وروى ابن وهب عن مالك أنه لا بأس أن يقرأ الإمام بسورة فيها سجدة في المكتوبة ويسجد.
قال يحيى بن عمر: وهو أحب إلي ومن أهل المدينة قديما وحديثا من يرى السجود في الثانية من الحج وفي سجدة والنجم وفي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وفي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} تتمه خمس عشرة سجده.
وقد رواه ابن وهب عن مالك وتحصيل مذهبه عند أصحابه أنها إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء والله الموفق للصواب
● [ باب صلاة العيدين ] ●
ويستحب الغسل للعيدين وكذلك يستحب الأكل قبل الغدو إلى المصلى يوم الفطر دون النحر وكذلك يستحب الرجوع من طريق أخرى إلا أنه أوكد من الأكل عند مالك وأهل المدينة والمشي إلى الصلاة والتكبير في طريقها وفيها حتى يأخذ الإمام في الخطبة كل ذلك حسن مستحب مأمور به.
وصلاة العيدين سنة مسنونة لا ينبغي تركها وهي على جميع أهل الآفاق وأهل الأمصار وأهل القرى وأهل البادية يبرزون إلى مصلاهم فيصلونها هناك ولا تصلى في المسجد إلا من ضرورة إلا أهل مكة فسنتهم صلاتها في المسجد الحرام وليست على المسافرين ولا على أهل منى والحاج لأنهم مسافرون مشغولون بغير ذلك ولا بأس بشهود النساء صلاة العيدين وكذلك من يضبط نفسه من الصبيان وترك شهودهن لها أحب إلي لما حدث في الناس من التبرج ولا يتنفل في المصلى قبل الصلاة ولا بعدها إلا أن تصلى في المسجد فيصلي الداخل لها فيه ركعتين تحية المسجد إن شاء وأن لم يفعل فلا حرج ووقتها من حين تجوز صلاة النافلة بارتفاع الشمس وبياضها إلى زوال الشمس ولا تصلى بعد ذلك لأن السنن لا تقضى وسنتها أن لا تؤخر إلى ذلك الوقت إلا من ضرورة وتعجيلها بعد ارتفاع الشمس بيضاء أفضل ويستحبون أن تكون الصلاة يوم النحر أعجل منها يوم الفطر والتجمل لها بالطيب ورفيع الثياب لمن قدر على ذلك حسن مسنون والرواح إليها بعد طلوع الشمس ولا حرج على من راح قبل ذلك ولا أذان فيها ولا إقامة وكذلك سائر الصلوات المسنونات والنوافل ولا أذان ولا إقامة إلا في صلاة الفريضة ومن أذن وأقام لم تفسد صلاته ولكنه لم يأت بها على قديم سنتها.
ويبدأ بالصلاة قبل الخطبة وذلك أصل السنة ويكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وسوى تكبيرة القيام عند جماعة من أهل الحجاز وان جعلها سبعا في الأولى بتكبيرة الإحرام فهو مذهب مالك وذلك كله قبل القراءة.
وليس بين التكبير ذكر ولا دعاء ولا قول إلا السكوت دون حد وذلك بقدر ما ينقطع تكبير خلفه فإن نسي التكبير وقرأ ثم ذكر قبل أن يركع رجع فكبر التكبير على وجهه ثم قرأ وتمادى في صلاته وسجد بعد السلام لسهوه وان لم يذكر ولم يسبح به حتى ركع تمادى في صلاته وسجد قبل السلام لسهوه.
ولا يقضي تكبير ركعة في أخرى ولا توقيت فيها في القراءة وسنتها الجهر فإذا سلم من الصلاة خطب خطبتين، يفصل بينهما بجلسة خفيفة ولا يجلس في أول الخطبة إذ لا ينتظر أذانا.
وقد قيل: أنه يجلس قبل خطبة العيد والاستسقاء قاسا عندهم على الجمعة.
ويكبر أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ويكبر خلفها ثم يقطع ويفعل ذلك المسافرون والنساء والصبيان.
ومن أهل العلم بالمدينة وغيرها من يرى التكبير إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق يكبر أثرها ثم يقطع وإن شاء إلى المكبر بثلاث تكبيرات وإن شاء هلل وحمد الله مع التكبير كل ذلك قول مالك والموالاة بالتكبير التتابع فيه وذلك أن يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر وإن شاء قال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر ولله الحمد وهو أحب إلي وهو صحيح عن مالك ولا يكبر إلا خلف الصلوات المكتوبات إلا أهل منى فإنهم يكبرون خلف النوافل أيضا.
ومن نسي التكبير وتباعد عن موضع صلاته فلا شيء عليه ولو كبر كان حسنا وان كان قريبا كبر.
ومن فاتته صلاة العيد صلاها ظإن أحب في وقتها وعلى سنتها.
● [ باب صلاة الكسوف ] ●
صلاة الكسوف سنة مؤكدة ووقتها وقت صلاة العيدين والاستسقاء .
وقيل: وقتها من طلوع الشمس إلى صلاة العصر لا تصلى بعد ذلك.
وقيل: وقتها من طلوع الشمس إلى غروبها، وكل ذلك قول مالك والأول تحصيل مذهبه وكل ذلك إذا كانت الشمس لم تنجل قبل ذلك.
وإذا خسفت الشمس نودي الصلاة رحمكم الله أو الصلاة جامعة من غير أذان ثم يدخلون المسجد لأنها لا تصلى إلا في المسجد فيصلى بهم الإمام بغير إقامة ركعتين في كل ركعة ركوعان يكبر للإحرام ثم يقرأ سرا بفاتحة الكتاب وسورة نحو سورة البقرة ثم يركع ركوعا طويلا نحو قراءته ثم يرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده ثم يقرأ بفاتحة الكتاب سورة نحو من سورة آل عمران ثم يركع نحو قراءته في الطول ثم يرفع فيقول سمع الله لمن حمده ثم يسجد سجدتين تامتين غير مطولتين.
هذا قول مالك وقال ابن القاسم: يطول السجود كما يطول الركوع ثم يقوم إلى ركعة أخرى مثلها أو دونها قليلا يقرأ فيها بنحو سورة النساء بعد فاتحة الكتاب وإذا رفع من ركوعه الأول قرأ أيضا فاتحة الكتاب ونحو سورة المائدة وأي سورة قرأ أجزأته والاختيار عند مالك ما وصفنا ثم يسجد سجدتين على نحو ما ذكرنا ويتشهد ويدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسلم ولا يخطب قبلها ولا بعدها ولكن يقبل على الناس فيذكرهم ويعظهم ويأمرهم بالصدقة والصلاة والصوم وأن خشي التثقيل على من خلفه خفف من قراءته وأتى بالصلاة على سنتها ركعتين في كل ركعة ركوعان ولا يطول ركوعه بعد القيام الثاني والركوع الأول في كل ركعة أطول من الثاني ولو كان انصرافهم من صلاتهم مع تجلي الشمس كان أحسن وإن فرغوا من صلاتهم قبل ذلك دعوا وصنعوا ما شاءوا ولم يعيدوا الصلاة.
وهي آية يخوف الله بها عبادة فطوبى لمن تاب وأخبت وأناب.
ولا تصلى صلاة الكسوف في يوم مرتين ولا يجمع لخسوف القمر ولكن يصلون افذاذا ركعتين حتى ينجلي ولو صلى المنفرد فيها مثل صلاة كسوف الشمس فلا بأس فقد قال به قوم من أهل المدينة وإليه ذهب الليث بن سعد وابن أبي سلمة.
ولو جمع لها بإمام على هيئة صلاة كسوف الشمس لم يعنف فاعل ذلك فقد فعله ابن عباس وعثمان وجماعة من أهل المدينة وذهب اليه من الفقهاء الشافعي وجماعة ومن ادرك الركوع الثاني من الركعة الأولى فقد ادرك الصلاة كلها ولا يقضي شيئا منها: وان فاتته الركعة الأولى ، والركوع الأول من الثانية قضى ركعة واحدة لا غير فيها ركوعان وقراءتان لأنه قد ادرك الركعة الثانية بإدراك الركوع الثاني ومن لم يدرك الركوع الثاني من كل ركعة من صلاة الكسوف فقد فاتته الركعة
● [ باب صلاة الاستقساء ] ●
وصلاة الاستقساء سنة مسنونة اذا احتبس الغيث في زمانه أو تأخر نزول ماء السماء في أوانه وخشي الناس فوات وقت زراعتهم أو قحطت زروعهم فخافوا هلاكها يبرزون ضحوة في ثياب تواضع الى حيث تصلى العيد وسنتها البروز إليها كالعيد فيصلي بهم امامهم ركعتين بغير أذان ولا إقامة يجهر فيهما بالقراءة ولا بد من فاتحة الكتاب في كلتا الركعتين ويقرأ بعدها ما شاء من سور المفصل ولا يطول ويستحب له أن تكون قراءته بنحو: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وما قرأ به بعد فاتحة الكتاب فحسن والتكبير فيها كسائر الصلوات لا كالعيد فإذا فرغ من الصلاة خطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما يفعل في الجمعة هذا تحصيل مذهب مالك.
وقد كان من قوله: إن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة كالجمعة ثم رجع إلى ما ذكرناه كالعيدين ويخطب على عصا ويقبل على الناس في الخطبة بوجهه فإذا فرغ منها أو اشرف على الفراغ أعلمهم انه محول رداءه تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ورجاء تحويل حالهم إلى ما يرجونه وأمرهم بتحويل أرديتهم فيحولونها وهو قعود فيجعلون ما على اليمين منها على اليسار وما يليهم منها الى السماء ويحول هو رداءه تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ورجاء تحويل حالهم إلى ما يرجونه وأمرهم بتحويل أرديتهم فيحولونها وهم قعود فيجعلون ما على اليمين منها على اليسار وما يليهم منها إلى السماء ويحول هو رداءه كذلك أيضا وهو قائم مستقبل القبلة ويدعو ويكثر من الاستغفار قائما وهم جلوس يدعو وهم يؤمنون على دعائه وحسن أن يكون من دعائه: "اللهم إليك نشكو ما نزل بنا من الجهد والبلاء اللهم اسقنا من بركات السماء ما تنبت لنا به الزرع وتدر به الضرع وتدفع به عنا الجهد ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا عاما طبقا دائما نافعا يا أرحم الراحمين" ويجتهد في الدعاء هو ومن معه بإخلاص ونية بعد ندم وتوبة وإقلاع عن المعاصي وخروج عن المظالم فإنه أحرى أن يستجاب لهم إن شاء الله.
ولا بأس بشهود النساء والصبيان وأهل الكتاب في الاستسقاء فإن لم يسقوا فجائز لهم الخروج مرة بعد مرة في عام واحد مباح لهم ذلك مرارا عند مالك لأنها رغبة الى الله عز وجل ومن خرج قبل الإمام فلا بأس أن يركع وليس ذلك عليهم ومن لم يركع فلا حرج
● [ تم كتاب الصلاة ] ●
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي
تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
منتدى ميراث الرسول - البوابة