منتدى صبايا مصرية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها

    avatar
    صبايا
    Admin


    عدد المساهمات : 2010
    تاريخ التسجيل : 31/10/2014

    تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها Empty تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها

    مُساهمة من طرف صبايا الخميس فبراير 11, 2021 10:25 am

    تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها Fekyh_11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الفقه الإسلامي
    القواعد النورانية الفقهية
    لأحمد بن تيمية
    تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها 1410
    ● [ تابع فصل في بيان ما أمر الله به ورسوله ] ●
    من إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها

    إعلم أنه كما تجب الصلاة يجب الدوام عليها المتضمن للطمأنينة و السكينة في أفعالها
    و أيضا فقد قال الله تعالى [ 2 45 ] { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }
    و هذا يقتضي ذم غير الخاشعين كقوله تعالى [ 20 143 ] { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } و قوله تعالى [ 13 42 ] { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه }
    فقد دل كتاب الله عز و جل على من كبر عليه ما يحبه الله و أنه مذموم بذلك في الدين مسخوط منه ذلك و الذم أو السخط لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم و إذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك على وجوب الخشوع
    فمن المعلوم أن الخشوع المذكور في قوله تعالى { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } لا بد أن يتضمن الخشوع في الصلاة فإنه لو كان المراد الخشوع خارج الصلاة لفسد المعنى إذ لو قيل إن الصلاة لكبيرة إلا على من خشع خارجها و لم يخشع فيها كان يقتضي أنها لا تكبر على من لم يخشع فيها و تكبر على من خشع فيها و قد انتفى مدلول الآية فثبت أن الخشوع واجب في الصلاة
    و يدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله تعالى [ 11 - 1 23 ] { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } أخبر سبحانه و تعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة و ذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم و قد دل هذا على وجوب هذه الخصال إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات و لهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب و إذا كان الخشوع في الصلاة واجبا فالخشوع يتضمن السكينة و التواضع جميعا
    و منه حديث عمر رضي الله عنه حيث رأى رجلا يعبث في صلاته فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه أي لسكنت و خضعت و قال تعالى [ 39 49 ] { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } فأخبر أنها بعد الخشوع تهتز و الاهتزاز حركة و تربو و الربو الارتفاع
    فعلم أن الخشوع فيه سكون و انخفاض و لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حال ركوعه ( اللهم لك ركعت و بك آمنت و لك أسلمت خشع لك سمعي و بصري و مخي و عقلي و عصبي ) رواه مسلم في صحيحه فوصف نفسه بالخشوع في حال الركوع لأن الراكع ساكن متواضع و بذلك فسرت الآية ففي التفسير المشهور الذي يقال له تفسير الوالبي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما و قد رواه المصنفون في التفسير كأبي بكر بن المنذر و محمد بن جرير الطبري و غيرهما من حديث أبي صالح عبد الله بن صالح عن معاوية بن أبي صالح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى { في صلاتهم خاشعون } يقول خائفون ساكنون و رووا في التفاسير المسندة كتفسير ابن المنذر و غيره من حديث سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد خاشعون قال السكون فيها قال و كذلك قال الزهري و من حديث هشام عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال الخشوع في القلب و قال ساكنون قال الضحاك الخشوع الرهبة لله و روى عن الحسن خائفون و روى ابن المنذر من حديث أبي عبد الرحمن المقبري حدثنا المسعودي حدثنا أبو سنان أنه قال في هذه الآية { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال الخشوع في القلب وأن يلين كنفه للمرء المسلم وأن لا تلفت في صلاتك وفي تفسير ابن المنذر أيضا ما في تفسير إسحاق بن راهويه عن روح حدثنا سعيد عن قتادة { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال الخشوع في القلب و الخوف و غض البصر في الصلاة و عن أبي عبيدة معمر بن المثنى في كتابه مختار القرآن { في صلاتهم خاشعون } أي لا تطمح أبصارهم ولا يلتفتون وقد روى الإمام أحمد في كتاب الناسخ و المنسوخ من حديث ابن سيرين ورواه إسحاق بن راهويه في التفسير و ابن المنذر أيضا في التفسير الذي له رواه من حديث الثوري حدثني خالد عن ابن سيرين قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره إلى السماء فأمر بالخشوع فرمى ببصره نحو مسجده أي محل سجوده قال سفيان و حدثني غيره عن ابن سيرين أن هذه الآية نزلت في ذلك { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال هو سكون المرء في صلاته قال معمر و قال الحسن خائفون وقال قتادة الخشوع في القلب و منه خشوع البصر و خفضه و سكونه عند تقليبه في الجهات كقوله تعالى [ 8 - 6 54 ] { فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر } و قوله [ 44 - 43 70 ] { يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } و في القراءة الأخرى { خشعا أبصارهم } وفي هاتين الآيتين وصف أجسادهم بالحركة السريعة حيث لم يصف بالخشوع إلا أبصاره بخلاف آية الصلاة فإنه وصف بالخشوع جملة المصلين بقوله تعالى { الذين هم في صلاتهم خاشعون } و قوله نعالى { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }
    وقال تعالى [ 43 - 42 68 ] { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة }
    و من ذلك خشوع الأصوات كقوله تعالى [ 20 108 ] { وخشعت الأصوات للرحمن } وهو انخفاضها و سكونها و قال تعالى [ 42 45 - 44 ] { وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي } وقال تعالى [ 5 - 2 88 ] { وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية } و هذا يكون يوم القيامة وهذا هو الصواب من القولين بلا ريب كما قال في القسم الآخر [ 10 - 8 88 ] { وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية } وقال تعالى [ 21 73 - 72 ] { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين }
    و إذا كان الخشوع في الصلاة واجبا وهو متضمن للسكون و الخشوع فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده و كذلك من لم يرفع رأسه من الركوع و يستقر قبل أن ينخفض لم يسكن لأن السكون هو الطمأنينة بعينها فمن لم يطمئن لم يسكن و من لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ومن لم يخشع كان آثما عاصيا وهو الذي بيناه
    و يدل على وجوب الخشوع في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء فإنه حركته و رفعه وهو ضد حال الخاشع فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك فقال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) وعن جابر بن سمرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد و فيه ناس يصلون رافعي أبصارهم إلى السماء فقال ( لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم أبصارهم ) الأول في البخاري و الثاني في مسلم و كلاهما في سنن أبي داود و النسائي و ابن ماجة
    و قال محمد ابن سيرين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع بصره في الصلاة فلما نزلت هذه الآية { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } لم يكن يجاوز بصره موضع سجوده رواه الإمام أحمد في كتاب الناسخ و المنسوخ
    فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع حرمه النبي صلى الله عليه وسلم و توعد عليه
    وأما الالتفات لغير حاجة فهو ينقص الخشوع ولا ينافيه فلهذا كان ينقص الصلاة كما روى البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة رضى الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد
    وروى أبو داود والنسائي عن أبي الأحوص عن أبى ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه ) وأما لحاجة فلا بأس به كما روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح
    فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب قال أبو داود وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس وهذا كحمله أمامة بنت أبى العاص بن الربيع من زينب بنت رسول الله وفتحه الباب لعائشة ونزوله من المنبر لما صلى بهم يعلمهم وتأخره في صلاة الكسوف وإمساكه الشيطان وخنقه لما أراد أن يقطع صلاته وأمره بقتل الحية والعقرب في الصلاة وأمره برد المار بين يدي المصلى ومقاتلته وأمره النساء بالتصفيق وإشارته في الصلاة وغير ذلك من الأفعال التي تفعل لحاجة ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث المنافي للخشوع المنهي عنه في الصلاة
    ويدل على ذلك أيضا حارواه تميم الطائي عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعوا أيديهم قال الراوي وهو زهير بن معاوية وأراه قال في الصلاة فقال مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة رواه مسلم وأبو داود والنسائي ورووا أيضا عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم أحدنا أشار بيده من عن يمينه ومن عن يساره فلما صلى قال ما بال أحدكم يومئ بيده كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أو ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا وأشار بإصبعه يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله وفي رواية قال أما يكفي أحدكم أو أحدهم أن يضع يده على ففخذه ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله ولفظ مسلم صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا السلام عليكم فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يؤمى بيده
    فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكون في الصلاة وهذا يقتضي السكون فيها كلها والسكون لا يكون إلا بالطمأنينة فمن لم يطمئن لم يسكن فيها وأمره بالسكون فيها موافق لما أمر الله تعالى به من الخشوع فيها وأحق الناس باتباع هذا هم أهل الحديث
    ومن ظن أن نهيه عن رفع الأيدي هو النهى عن رفعها إلى منكبه حين الركوع وحين الرفع منه وحمله على ذلك فقد غلط فإن الحديث جاء مفسرا بأنهم كانوا إذا سلموا في الصلاة سلام التحليل أشاروا بأيديهم إلى المسلم عليهم من عن اليمين ومن عن الشمال
    ويبين ذلك قوله مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس والشمس جمع شموس وهو الذي تقول له العامة الشموص وهو الذي يحرك ذنبه ذات اليمين وذات الشمال وهى حركة لا سكون فيها
    وأما رفع الأيدي عند الركوع وعند الرفع بمثل رفعها عن الاستفتاح فذلك مشروع باتفاق المسلمين فكيف يكون الحديث نهيا عنه
    وقوله اسكنوا في الصلاة يتضمن ذلك ولهذا صلى بعض الأئمة الذين لم يكونوا يرون هذا الرفع إلى جنب عبد الله بن المبارك فرفع ابن المبارك يديه فقال له أتريد أن تطير فقال إن كنت أطير في أول مرة فأنا أطير في الثانية وإلا فلا وهذا نقض لما ذكره من المعنى
    وأيضا فقد تواترت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذا الرفع فلا يكون نهيا عنه ولا يكون ذلك الحديث معرضا بل لو قد تعارضنا فأحاديث هذا الرفع كثيرة متواترة ويجب تقديمها على الخبر الواحد لو عارضها وهذا الرفع فيه سكون فقوله اسكنوا في الصلاة لا ينافي هذا الرفع كرفع الاستفتاح وكسائر أفعال الصلاة بل قوله اسكنوا يقتضي السكون في كل بعض من أبعاض الصلاة وذلك يقتضي وجوب السكون في الركوع والسجود والاعتدالين
    فيبن هذا أن السكون مشروع في جميع أفعال الصلاة بحسب الإمكان ولهذا يسكن فيها في الانتقالات التي منتهاها إلى الحركة فإن السكون فيها يكون بحركة معتدلة لا سريعة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في المشى إليها وهى حركة إليها فكيف بالحركة فيها فقال ( إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا )
    وهذا أيضا دليل مستقل في المسألة فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه قال أبو داود وكذلك قال الترمذي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب ابن أبي حمزة عن الزهري وما فاتكم فأتموا وقال ابن عينية عن الزهري فاقضوا قال محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله عنه وجعفر بن أبي ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة فأتموا وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فأتموا وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ائتوا الصلاة وعليكم السكينة فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم ) قال أبو داود وكذا قال ابن سيرين عن ابي هريرة رضى الله عنه وليقض وكذلك قال أبو رافع عن أبي هريرة وأبو ذر رضى الله عنه روى عنه فأتموا واقضوا اختلف عنه
    فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالسكينة حال الذهاب إلى الصلاة ونهى عن السعي الذي هو إسراع في ذلك لكونه سببا للصلاة فالصلاة أحق أن يؤمر فيها بالسكينة وينهى فيها عن الاستعجال
    فعلم أن الراكع والساجد مأمور بالسكينة منهي عن الاستعجال بطريق الأولى والأخرى لا سيما وقد أمره بالسكينة بعد سماع الإقامة الذي يوجب عليه الذهاب إليها ونهاه أن يشتغل عنها بصلاة تطوع وإن أفضى ذلك إلى فوات بعض الصلاة فأمره بالسكينة و أن يصلي ما فاته منفردا بعد سلام الإمام و جعل ذلك مقدما على الإسراع إليها و هذا يقتضي شدة النهي عن الاستعجال إليها فكيف فيها
    يبين ذلك ما روى أبو داود عن أبي ثمامة الحناط عن كعب بن عجرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ) فقد نهاه صلى الله عليه وسلم في مشيه إلى الصلاة عما نهاه عنه في الصلاة من الكلام و العمل له منفردا فكيف يكون حال المصلي نفسه في ذلك المشي و غير ذلك فإذا كان منهيا عن السرعة و العجلة في المشي مأمورا بالسكينة و إن فاته بعض الصلاة مع الإمام حتى يصلي قاضيا له فأولى أن يكون مأمورا بالسكينة فيها
    و يدل على ذلك أن الله عز و جل أمر في كتابه بالسكينة و القصد في الحركة و المشي مطلقا فقال [ 9 31 ] { واقصد في مشيك واغضض من صوتك } و قال تعالى [ 25 63 ] { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } قال الحسن و غيره بسكينة و وقار فأخبر أن عباد الرحمن هم هؤلاء فإذا كان مأمورا بالسكينة و الوقار في الأفعال العادية التي هي من جنس الحركة فكيف الأفعال العبادية ثم كيف بما هو فيها من جنس السكون كالركوع و السجود فإن هذه الأدلة تقتضي السكينة في الانتقال كالرفع و الخفض و النهوض و الانحطاط و أما نفس الأفعال التي هي المقصود بالانتقال كالركوع نفسه و السجود نفسه و القيام و القعود أنفسهما و هذه هي من نفسها سكون فمن لم يسكن فيها لم يأت بها و إنما هو بمنزلة من أهوى إلى القعود و لم يأت به كمن مد يده إلى الطعام ولم يأكل منه أو وضعه على فيه و لم يطعمه
    و أيضا فإن الله تعالى أوجب الركوع و السجود في الكتاب و السنة وهو واجب بالإجماع لقوله تعالى [ 22 77 ] { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا } و قوله تعالى [ 42 68 ] { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } وقوله تعالى [ 21 20 84 ] { فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } وقوله تعالى [ 15 32 ] { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } و قوله تعالى [ 19 96 ] { واسجد واقترب } و قوله تعالى [ 18 22 ] { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب }
    فدل على أن الذي لا يسجد لله من الناس قد حق عليه العذاب و قوله [ 26 76 ] { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا } و قوله تعالى [ 15 98 ] { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين } و قوله تعالى [ 48 77 ] { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } و قوله تعالى [ 5 55 ] { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }
    و إذا كان الله عز وجل قد فرض الركوع و السجود لله في كتابه كما فرض أصل الصلاة فالنبي صلى الله عليه و سلم هو المبين للناس ما نزل إليهم و سنته تفسر الكتاب و تبينه و تدل عليه و تعبر عنه و فعله إذا خرج امتثالا لأمر أو تفسيرا لمجمل كان حكمه حكم ما امتثله و فسره و هذا كما أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يأتي في كل ركعة بركوع واحد وسجودين كان كلاهما واجبا و كان هذا امتثالا منه لما أمر الله به من الركوع و السجود و تفسيرا لما أجمل ذكره في القرآن و كذلك المرجع إلى سنته في كيفية السجود و قد كان يصلي الفريضة و النافلة و الناس يصلون على عهده و لم يصل قط إلا بالاعتدال عن الركوع و السجود و بالطمأنينة في أفعال الصلاة كلها قد نقل ذلك كل من نقل صلاة الفريضة و النافلة و الناس يصلون على عهده و لم يصل قط إلا بالاعتدال عن الركوع و السجود و بالطمأنينة و كذلك كانت صلاة أصحابه على عهده و هذا يقتضي وجوب السكون و الطمأنينة في هذه الأفعال كما يقتضي وجوب عددها وهو سجودان مع كل ركوع
    و أيضا فإن مداومته على ذلك في كل صلاة كل يوم مع كثرة الصلوات من أقوى الأدلة على وجوب ذلك إذ لو كان غير واجب لتركه ولو مرة ليبين الجواز أو ليبين جواز تركه بقوله فلما لم يبين لا بقوله و لا بفعله جواز ترك ذلك مع مداومته عليه كان ذلك دليلا على وجوبه
    و أيضا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال لمالك بن الحويرث و صاحبه إذا حضرت الصلاة فأذنا و أقيما و ليؤمكما أكبركما و صلوا كما رأيتموني أصلي فأمرهم أن يصلوا كما رأوه يصلي
    و ذلك يقتضي أنه يجب على الإمام أن يصلي بالناس كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لهم و لا معارض لذلك و لا مخصص فإن الإمام يجب عليه ما لا يجب على المأموم و المنفرد
    و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن سهل بن سعد أنه قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر و كبر و كبر الناس معه وراءه وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي و لتعلموا صلاتي وفي سنن أبي داود و النسائي عن سالم البراد قال أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود فقلنا له حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بين أيدينا في المسجد فكبر فلما ركع وضع يديه على ركبتيه و جعل أصابعه أسفل من ذلك و جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه ثم قال سمع الله لمن حمده فقام حتى استقر كل شيء منه ثم كبر و سجد ووضع كفه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه ثم رفع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء منه ففعل ذلك أيضا ثم صلى أربع ركعات مثل هذا الركعة فصلى صلاته ثم قال هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
    وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا لا يصلون إلا مطمئنين و إذا رأى بعضهم من لا يطمئن أنكر عليه و نهاه و لا ينكر واحد منهم على المنكر لذلك و هذا إجماع منهم على وجوب السكون و الطمأنينة في الصلاة قولا و فعلا ولو كان ذلك غير واجب لكانوا يتركونه أحيانا كما كانوا يتركون ما ليس بواجب
    و أيضا فإن الركوع و السجود في لغة العرب لا يكون إلا إذا سكن حين انحنائه و حين وضع وجهه على الأرض فأما مجرد الخفض و الرفع عنه فلا يسمى ذلك ركوعا ولا سجودا و من سماه ركوعا و سجودا فقد غلط على اللغة فهو مطالب بدليل من اللغة على أن هذا يسمى راكعا وساجدا حتى يكون فاعله ممتثلا للأمر و حتى يقال إن هذا الأمر المطالب به يحصل الامتثال فيه بفعل ما يتناوله الاسم فإن هذا لا يصح حتى يعلم أن مجرد هذا يسمى في اللغة ركوعا و سجودا وهذا مما لا سبيل إليه ولا دليل عليه فقائل ذلك قائل بغير علم في كتاب الله وفي لغة العرب و إذا حصل الشك هل هذا ساجد أو ليس بساجد لم يكن ممتثلا بالاتفاق لأن الوجوب معلوم و فعل الواجب ليس بمعلوم كمن يتيقن وجوب صلاة أو زكاة عليه و يشك في فعلها
    وهذا أصل ينبغي معرفته فإنه يحسم مادة المنازع الذي يقول إن هذا يسمى ساجدا و راكعا في اللغة فإنه قال بلا علم و لا حجة و إذا طولب بالدليل انقطع و كانت الحجة لمن يقول ما نعلم براءة ذمته إلا بالسجود و الركوع المعروفين ثم يقال لو وجد استعمال لفظ الركوع و السجود في لغة العرب بمجرد ملاقاة الوجه للأرض بلا طمأنينة لكان المعفر خده ساجدا و لكان الراغم أنفه وهو الذي لصق أنفه بالرغام وهو التراب ساجدا لا سيما عند المنازع الذي يقول يحصل السجود بوضع الأنف دون الجبهة من غير طمأنينة فيكون نقر الأرض بالأنف سجودا و معلوم أن هذا ليس من لغة القوم كما أنه ليس من لغتهم تسمية نقرة الغراب و نحوها سجودا ولو كان كذلك لكان يقال للذي يضع وجهه على الأرض ليمص شيئا على الأرض أو يعضه أو ينقله و نحو ذلك ساجدا
    و أيضا فإن الله أوجب المحافظة و الإدامة على الصلاة و ذم إضاعتها و السهو عنها فقال في أول سورة المؤمنين { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون } و قد سبق بيان أن هذه الخصال واجبة و كذلك في سورة سأل سائل قال { إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون } فذم الإنسان كله إلا ما استثناه فمن لم يكن متصفا بما استثناه كان مذموما كما في قوله تعالى [ 3 - 1 103 ] { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } و قال تعالى [ 19 69 ] { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } و قال تعالى { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } و قال تعالى [ 2 238 ] { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين }
    و هذه الآيات تقتضي ذم من ترك شيئا من واجبات الصلاة و إن كان في الظاهر مصليا مثل أن يترك الوقت الواجب أو يترك تكميل الشرائط و الأركان من الأعمال الظاهرة و الباطنة و بذلك فسرها السلف ففي تفسير عبد بن حميد و ذكره عن ابن المنذر في تفسيره من حديث عبد حدثنا روح عن سعيد عن قتادة { والذين هم على صلواتهم يحافظون } على وضوئها و مواقيتها و ركوعها و روى أبو بكر بن المنذر في تفسيره من حديث أبي عبد الرحمن عن عبد الله قال قيل لعبد الله إن الله أكثر ذكر الصلاة في القرآن { الذين هم على صلاتهم دائمون } و { الذين هم في صلاتهم خاشعون } و { والذين هم على صلاتهم يحافظون } فقال عبد الله ذلك على مواقيتها فقالوا ما كنا نرى ذلك يا أبا عبد الرحمن إلا الترك قال تركها كفر و روى سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق في قول الله { والذين هم على صلاتهم يحافظون } قال على مواقيتها فقالوا ما كنا نرى ذلك يا أبا عبد الرحمن إلا الترك قال تركها كفر و روى من حديث سعيد بن أبي مريم { الذين هم عن صلاتهم ساهون } بتضييع ميقاتها و روى عن أبي ثور عن ابن جريج في قوله { والذين هم على صلاتهم يحافظون } المكتوبة و التي في سأل سائل التطوع و هذا قول ضعيف
    ● [ تم الفصل ] ●

    تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها Fasel10

    القواعد النورانية الفقهية
    تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    تابع فصل في إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 6:01 am