من طرف صبايا الثلاثاء أكتوبر 05, 2021 5:27 am
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ الثالث : نكرة مضافة ] ●
التنوين يسقط من كل مضاف في هذا الباب وغيره فإذا نصبت مضافاً وأعملت ( لا ) نصبته ولا بد من أن يكون ذلك المضاف نكرة لأن ( لا ) لا تعمل في المعارف والمضاف ينقسم في هذا الباب على قسمين : مضاف لم يذكر معه لام الإِضافة ومضاف ذكرت معه لام الإِضافة
فأما المضاف المطلق فقولك : لا غلامَ رجلٍ لك ولا ماءَ سماءٍ في دارك ولا مثلَ زيدٍ لك وإنما امتنع هذا أن يكون اسماً واحداً مع ( لا ) لأنه مضاف والمضاف لا يكون مع ما قبله اسماً واحداً ألا ترى أنّكَ لا تجد اسمين جعلا اسماً واحداً وأحدهما مضاف إنما يكونان مفردين : كحضر موت وبعلبك ألا ترى أن قوله : يا ابن أم لما جعل ( أم ) مع ابن اسماً واحداً حذف ياء الإِضافة وقال ذو الرمة :
( هيَ الدَّار إذْ ميٌّ لأهلكِ جيرَةٌ ... لَيَاليَ لا أمثالَهَنَ لَياليا )
فأمثالهن نصب ب ( لا )
وأما القسم الآخر المنفي بلام الإِضافة : فالتنوين والنون تقع في هذا الموضع كما وقع مما قبله لما أضفته وذلك قولهم : لا أباً لك ولا غلام لك :
وقال الخليل : إن النون إنما ذهبت للإِضافة ولذلك لحقت الألف الأب التي لا تكون إلا في الإِضافة وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول : لا أباك في موضع : لا أبالك ولو أردت الإِفراد : لا أبَ لزيد فاللام مقحمة ليؤكد بها الإِضافة كما وقع في النداء : يا بؤس للحرب هذا مقدار ما ذكره أصحابنا
ولقائل أن يقول : إذا قلت : أنّ قولهم : لا أباك تريد به : لا أبالك فمن أين جاز هذا التقدير والمضاف إلى كاف المخاطب معرفة والمعارف لا تعمل فيها لا قيل له : إن المعنى إذا قلت : لا أبالك الإنفصال كأنك قلت : لا أباً لك فتنون لطول الإسم وجعلت ( لك ) من تمامه وأضمرت الخبر ثم حذفت التنوين استخفافاً وأضافوا وألزموا اللام لتدل على هذا المعنى فهو منفصل بدخول اللام وهو متصل بالإِضافة
وإنما فعل في هذا الباب وخصوه كما خصوا النداء بأشياء ليست في غيره
وإنما يجوز في اللام وحدها أن تقحم بين المضاف والمضاف إليه لأن معنى الإِضافة معنى اللام ألا ترى أنك إذا قلت : غلام زيد فمعناه : غلام لزيد فدخول اللام في هذا يشبه قولهم : يا تيمَ تيمَ عَدي أكد هذه الإِضافة بإعادة الإسم كما أكد ذلك بحرف الإِضافة فكأنه قد أضافه مرتين
والشاعر قد يضطر فيحذف اللام ويضيف قال :
( أبا المَوَتِ الذي لا بُدَّ أنِّي ... مُلاقٍ لا أباك تُخوِّفيني )
وقال الآخر :
( فقدْ ماتَ شَمَّاخٌ وماتَ مُزوِّدٌ ... وأيُّ كريمٍ لا أباكَ مُخَلَّدُ )
فإن قال : لا مسلمين صالحين : لك فوصف المنفي قبل مجيئك ( بلك ) لم يكن بد من إثبات النون من قبل أن الصالحين نعت للمنفي وليس بمنفي وإنما جاء التخفيف في النفي
[ الرابع : المضارع للمضاف ]
المضارع للمضاف في هذا الباب ما كان عاملاً فيما بعده كما أن المضاف عامل فيما بعده فهو منصوب كما أن المضاف منصوب وما بعده من تمامه كما أن المضاف من تمام الأول إلا أن التنوين يثبت فيه ولا يسقط منه لأنه ليس منتهى الإسم فصار كأنه حرف قبل آخر الإسم
فالتنوين هنا والنون يثبتان إذا كان المنفي عاملاً فيما بعده فهو وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد فمن ذلك قولهم : لا خيراً منه ولا حسناً وجهه لك ولا ضارباً زيداً لك لأن ما بعد حسن وضارب وخير صار من تمام الإسم
فجميع هذا قد عمل فيما بعده ومثل ذلك قولك : لا عشرين درهماً لك لولا درهم لجاز أن تقول : لا عشرين لك وعشرون عملت في درهم فنصبته وقال الخليل : كذلك : لا آمراً بالمعروف لك
إذا جعلت بالمعروف من تمام الإسم وجعلته متصلاً به كأنك قلت : لا آمراً معروفاً لك وإذا قلت : لا آمر بمعروف فكأنك جئت بمعروف تبييناً بعد أن تم الكلام وتقول : لا آمر يوم الجمعة لك إذا نفيت جميع الآمريين ووزعمت : أنه ليسوا له يوم الجمعة فإن أردت أن تنفي الأمرين يوم الجمعة خاصة قلت : لا آمر يوم الجمعة لك جعلت يوم الجمعة من تمام الإسم فصار بمنزلة قولك : لا آمراً معروفاً لك
ولو قلت : لا خير عند زيد ولا آمر عنده لم يجز إلا بحذف التنوين لأنك لم تصله بما يكمله اسماً ولكنه اسم تام فجعلته مع ( لا ) اسماً واحداً
●[ باب ما إذا دخلت عليه ( لا ) لم تغيره عن حاله ]●
هذا الباب ينقسم على ثلاثة أقسام : اسم معرفة واسم منفي بلا بعده اسم منفي بلا وهما جواب مستفهم قد ثبت عنده أحد الشيئين واسم قد عمل فيه فعل أو هو في معنى ذلك
[ الأول : الإسم المعرفة ]
أما الأول : فالإسم المعرفة : وقد عرفتك أن ( لا ) لا تنصب المعارف فإن عطفت معرفة منفية على نكرة وقد عملت فيها لم تعملها في المعرفة وأعملتها في النكرة وذلك قولك : لا غلام لك ولا العباس لك ولا غلامَلك ولا أخوةُ لك
قال سيبويه : فأما من قال : كل نعجة وسخلَتها بدرهم فينبغي أن يقول : لا رجلَ لك وأخاً له ولا يحسن أن تدخل ( لا ) على معرفة مبتدأة غير معطوفة على كلام فقد تقدم فيه ( لا ) فإن كررت لا جاز
فأما الذي لا يجوز فقولك : لا زيد في الدار لأن هذا موضع ( ما ) إلا أن يضطر شاعر فيرفع المعرفة ولا يثني ( لا ) قال الشاعر :
( بَكَتْ حَزَناً واسترجعت ثمَّ آذَنَتْ ... ركائبُها أن لا إلينا رُجوعها )
فأما الذي يحسن ويجوز فقولك : لا زيد في الدار ولا عمرو ولما ثنيت حسن
[ الثاني : الإسم المنفي بلا وبعده اسم منفي أيضاً بلا ]
وهذا الصنف إنما يجيءْ على لفظ السائل إذا قال : أغلام عندك أم جارية إذا ادعى أن عنده أحدهما إلا أنه لا يدري : أغلام هو أم جارية فلا يحسن في هذا إلا أن تعيد ( لا ) فتقول : لا غلام عندي ولا جارية وإذا قال : لا غلام فإنما هو جواب لقوله : هل من غلام ولم يثبت أن عنده شيئاً فعملت لا فيما بعدها وإن كان في موضع ابتداء ومن ذلك قول الله : ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
وقال الشاعر :
( ومَا ضَرَمْتُكِ حَتَّى قُلْتِ مُعْلِنَةً ... لاَ نَاقَةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ )
وكذلك إذا فصلت بين ( لا ) والإسم بحشو لم يحسن إلا أن تعيد الثانية لأن جعل جواب إذا عندك أم ذا فمن ذلك قوله تعالى : ( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون )
ولا يجوز : لا فيها أحد إلا على ضعف فإن تكلمت به لم يكن إلا رفعاً لأن ( لا ) لا تعمل إذا فصل بينها وبين الإسم رافعة ولا ناصبةً ومعنى قولي : رافعةً إذا أعملت عملَ ليسَ تقول : لا أحدٌ أفضلَ منكَ في قولِ مَنْ جعلهَا ك ( ليس )
[ الثالث : وهو ما عمل فيه فعل أو كان في معنى ذلك ]
اعلم : أن هذا يلزمك فيه تثينة ( لا ) كما لا تثنى لا في الأفعال وذلك قولك : لا مرحباً ولا أهلاً ولا كرامةً ولا مسرةً ولا سقياً ولا رعياً ولا هنيئاً ولا مرياً لأن هذه الأسماء كلها عملت فيها أفعالٌ مضمرة فالفعل مقدر بعد ( لا ) كأنك قلت : لا أكرمك كرامةً ولا أسرك مسرةً فعلى هذا جميع هذه الأسماء وما لم يجز أن يلي ( لا ) من الأفعال لم يجز أن يليها ما عمل فيه ذلك الفعل لا يجوز أن تقول : لا ضرباً وأنت تريد الأمر لأنه لا يجوز : لا أضرب إنما تدخل على الدعاء إذا كان لفظه لفظ الخبر وأضربه على ذلك نحو : لا سقياً ولا رعياً كأنك قلت : لا سقاه الله ولا رعاه
وكذلك إذا ولي ( لا ) مبتدأ في معنى الدعاء لم تعمل فيه كما لم تعمل فيما بني على الفعل ن ومعناه الدعاء وذلك قولهم : لا سلام عليكم
قال سيبويه : قولهم : لا سواء إنما دخلت ها هنا لأنها عاقبت ما ارتفعت عليه ألا ترى أنك لا تقول : هذان لا سواء فجاز هذا كما جاز : لاها الله ذا حين عاقبت فلم يجز ذكر الواو يعني أن قولهم : لا سواء أصله : هذان لا سواء وهذان مبتدأ ولا سواء خبرهما كما تقول : هذان سواء ثم أدخلت ( لا ) للنفي وحذفت ( هذان ) وجعلت ( لا ) تعاقب ( هذان ) وقال أبو العباس : وقول سيبويه : ألا ترى أنك لا تقول : هذان لا سواء أي : لا تكاد تقول ولو قلته جاز
وقالوا : لا نولك أن تفعل جعلوه معاقباً لقولك لا ينبغي وصار بدلاً منه
واعلم : أنه قبيح أن تقول : مررت برجل لا فارسٍ حتى تقول : ولا شجاع وكذلك : هذا زيد فارساً لا يحسن حتى تقول : لا فارساً ولا شجاعاً وذلك أنه جواب لمن قال : أبرجل شجاع مررت أم بفارس ولقوله : أفارس زيد أم شجاع وقد يجوز على ضعفه في الشعر
● [ باب لا النافية إذا دخلت عليها ألف الإستفهام ] ●
الألف إذا دخلت على ( لا ) جاز أن يكون الكلام استفهاماً وجاز أن يكون تمنياً والأصل الإستفهام فإذا كان استفهاماً محضاً فحالها كحالها قبل أن يلحقها ألف الإستفهام وذلك قولك : ألا رجلَ في الدار الأعلامًَ أفضلْ منك ومن قال : لا رجلَ قائمٌ في الدار قال : ها هنا ألا رجل قائم في الدار وكذلك من نون ومن رفع ثم رفع ها هنا وقال الشاعر :
( حَارِ بن كعبٍ ألا أَحْلاَمَ تَزْجُرُكُم ... عَنَّا وأَنْتُم مِن الجُوف الجماخيرِ )
فإذا دخلها مع الإستفهام معنى التمني فإن النحويين مختلفون في رفع الخبر ويجرون ما سراه على ما كان عليه قبل
فأما الخليل وسيبويه والجرمي أكثر النحويين فيقولون : ألا رجل أفضل منك ولا يجيزون رفع : أفضل وحجتهم في ذلك أنهم قالوا : كنا نقول : لا رجل أفضل منك فيرفع لأن ( لا ) ورجل في موضع ابتداء وأفضل : خبره فهو خبر اسم مبتدأ وإذا قلت متمنياً : ألا رجل أفضل منك فموضعه نصب وإنما هو كقولك : اللهم غلاماً أي : هب لي غلاماً فكأنك قلت : ألا أعطي ألا أصيب فهذا مفعول
وكان المازني وحده يجيز فيه جميع ما جاز في النافية بغير الإستفهام فتقول : ألا رجل أفضل منك وتقول فيمن جعلها كليس : ألا أفضل منك ويجريها مجراها قبل ألف الإستفهام
واعلم : أن ( لا ) إذا جعلت ك ( ليس ) لم تعمل إلا في نكرة ولا يفصل بينها وبينَ ما عملت فيهِ لأنها تجري رافعة مجراها ناصبة
وأما قول الشاعر
( ألا رجلاً جَزاهُ اللَّهُ خَيراً ... يَدُلُّ على محصَلة تَبيتُ )
فزعم الخليل : أنه أراد : الفعل وأنه ليس ل ( لا ) ها هنا عمل إنما أراد ألا ترونني وأما يونس فكان يقول : إنما تمنى ولكنه نوّن مضطراً وكان يقول في قول جرير :
( فلا حَسَباً فَخَرْتَ بهِ لِتَيِمِ ... ولا جَداً إذا ذُكِرَ الجُدودُ )
إنما نوّن مضطراً وكذا يقول أبو الحسن الأخفش
ومن قال : لا رجلَ ولا أمراةٌ لم يقل في التمني إلا بالنصب وعلى مذهب أبي عثمان يجوز الرفع كما كان قبل دخول الألف
كان أبو عثمان يقول : اللفظ على ما كان عليه وإن كان دخله خلاف معناه ألا ترى أن قولك : غفر الله لزيد معناه الدعاء ولفظه لفظ ضرب فلم يغير لما دخله في المعنى
وكذلك : حسبكَ رفعٌ بالإبتداء إن كان معناه النهي
● [ باب تصرف ( لا ) ] ●
ل ( لا ) في الكلام مواضع وجملتها النفي ومواضعها تختلف فتقع على الأسماء نحو قولك : ضربت زيداً لا عمراً وجاءني زيدٌ لا أخوه وتقع على الأفعال في القَسَم وغيره تقول : لا يخرج زيد وأنت مخبر ولا ينطلق عبد الله ويكون للنهي في قولك : لا ينطلق عبد الله ولا يخرج زيد وتجزم بها الفعل فيكون بحذاء قولك في الأمر : ليخرج عبد الله ولتقم طائفة منهم معك
وقد تكون من النفي في موضع آخر وهو نفي قولك : إيتِ وعمراظً فإذا أردت نفي هذا قلت : لا تأت زيداً وعمراً لم يكن هذا نفيه على الحقيقة لأنه إن أتى أحدهما لم يعصه لأنه نهاه عنهما جميعاً فإن أراد أن تمتنع منهما معاً فنفي ذلك : لا تأت زيداً ولا عمراً فمجيئها ها هنا لمعنى انتظام النهي بأمره لأن خروجها إخلال به
ويقع بعدها في القسم الفعل الماضي في معنى المستقبل وذلك قولك : والله لا فعلت إنما المعنى : لا أفعل لأن قولك في القسم : لا أفعل إنما هو لما يقع فأما قولهم : لا أفعل نفي لقولك : لأفعلنُّ ولذلك يجوز أن تحذف ( لا ) وأنت تريد النفي وجائز أن تقول : لا قام زيد ولا قعد عمرو تريد الدعاء عليه . وهذا مجاز
وحق هذا الكلام أن يكون نفياً لقيامه وقعوده فيما مضى
وقال الله عز و جل : ( فلا اقتحم العقبة )
ومن هذا قول النبي : ( أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا صاح فاستهل ) أي : من لم يأكل ولم يشرب يعني الجنين
فإذا قلت : والله أفعل ذاك فمعناه : لا أفعل فلو قلت : والله أقوم تريد : لأقومنَّ كان خطأن لأنها حذفت استخفافاً لإستبداد الإِيجاب باللام والنون ولهذا موضع آخر يذكر فيه ويكون في موضع ( ليساقتحم العقبة ) . ) وقد مضى ذكرها وقد تكون ( لا ) مؤكدة كما كانت ( ما ) في قوله : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) و ( مما خطاياهم )
فمن ذلك قوله : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) إنما هو : فأقسم يدلك على ذلك قوله : ( وأنه لقسم لو تعلمون عظيم ) وكذلك قال المفسرون في قوله : ( لا أقسم بيوم القيامة ) إنما هو : أُقسم فوقع القسم على قوله : ( إن علينا جمعه وقرآنه )
قال أبو العباس : فقيل لهم في عروض ذلك : أن الزوائد من هذا الضرب إنما تقع بين كلامين أو بعد كلام كقولك : جئتك لأمرٍ ما فكان من جوابهم : أن مجاز القرآن كله مجاز سورة واحدة بعد ابتدائه وأن بعضه متصل ببعض فمن ذلك قوله : ( لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء )
وقوله : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) وإنما هو : لا تستوي الحسنة والسيئة ومعناه ينبئك عن ذلك إنما هو : لا تساوي الحسنة السيئة
[ مسائل من باب ( لا ) ]
تقول : لا غلامين ولا جاريتي لك إذا جعلت الآخر مضافاً ولم تجعله خبراً له
وصار الأول مضمراً له كأنك قلت : لا غلامين في ملكك ولا جاريتي لك كأنك قلت : ولا جاريتك في التمثيل
قال سيبويه : ولكنهم لا يتكلمون به يعني بالمضمر واختص ( لا ) بهذا النفي وإن شئت قلت : لا غلامين ولا جاريتين لك إذا جعلت ( لك ) خبراً لهما وهو قول أبي عمرو
وكذلك لو قلت : لا غلامين لك وجعلت ( لك ) خبراً
فإذا قلت : لا أبالك فها هنا إضمار مكان ولكنه يترك استخفافاً واستغناء
وتقول : لا غلامين ولا جاريتين لك وغلامين وجاريتين لك كأنك قلت : لا غلامين ولا جاريتين في مكان كذا وكذا
فجاء ( بلك ) بعدما بني على الكلام الأول في مكان كذا وكذا كما قال : لا يدين بها لك حين صيره كأنه جاء ( بلك ) بعدما قال : لا يدين بها في الدنيا لك وقبيح أن تفصل بين الجار والمجرور فتقول لا أخا هذين اليومين لك قال سيبويه : وهذا يجوز في ضرورة الشعر لأن الشاعر إذا اضطر فصل بين المضاف والمضاف إليه
قال الشاعر :
( كأنَّ أصواتَ مِنْ إيغالهَّن بِنَا ... أواخرِ الميسِ أصواتُ الفراريج ) ن
ومن قال : كم بها رجل فأضاف فلم يبال الفتح قال : لا يدري بها لك ولا أخا يوم الجمعة لك ولا أخا فاعلم لك والجر في : ( كم ) بها وترك النون في : لا يدي بها لك قول يونس
واحتج بأن الكلام لا يستغني ورد ذلك عليه سيبويه بأن قال : الذي يستغني به الكلام والذي لا يستغني قبحهما واحد إذا فصلت بين الجار والمجرور وتقول : لا غلامَ وجاريةً فيها لأن ( لا ) إنما تجعل وما تعمل فيه اسماً إذا كانت إلى جنب الإسم لكنك يجوز أن تفصل بين خمسة وعشر في قولك : خمسة عشر كذلك لا يجوز أن تفصل بين ( لا ) وبين ما بني معها وتقول : لا رجلٌ ولا امرأةٌ يا فتى
إذا كانت ( لا ) بمنزلتها في ( ليس ) مؤكدة للنفي حين تقول : ليس لك رجل ولا امرأة قال رجل من بني سليم وهو أنس بن العباس :
( لا نَسَبَ اليومَ ولا خُلَّةً ... اتَّسَعَ الفَتْقُ على الراَّتِقِ )
وتقول : لا رجلَ ولا امرأةَ فيها فتعيد ( لا ) الأولى كما تقول : ليس عبد الله وليس أخوه فيها فيكون حال الآخرة كحال الأولى وتقول : لا رجلَ اليوم ظريفاً ولا رجلَ فيها عاقتحم العقبة ) . اقلاً إذا جعلت ( فيها ) خبراً ولا رجلَ فيك راغباً من قبل أنه لا يجوز لك أن تجعل الإسم والصفة بمنزلة اسم واحد . وقد فصلت بينهما
وتقول : لا ماء سماء بارداً ولا مثله عاقلاً
من قبل أن المضاف لا يجعل مع غيره بمنزلة خمسة عشر فإذا قلت : لا ماء ولا لبن ثم وصفت اللبن فأنت بالخيار في التنوين وتركه فإن جعلت الصفةَ للماء لم يكن إلا منوناً لأنُه لا يفصل بين الشيئينِ اللذينِ يجعلان بمنزلة اسم واحد
وحكى سيبويه عن العرب : لا كزيد أحداً تنون لأنك فصلت بين ( لا ) و ( أحد ) وحكى سيبويه عن العرب : لا كزيد أحد ولا مثله أحد فحمله على الموضع والموضع رفع وإن شئت حملته على ( لا ) فتونته ونصبته وإن شئت قلت : لا مثلَهُ رجلاً على التمييز كما تقول : لي مثله غلاماً قال ذو الرمة :
( هِيَ الدَّارُ إذْ مَيَّ لأهْلِكِ جِيرَةٌ ... لَيالِيَ لا أَمْثَالُهُنَّ لَيَاليَا )
قال سيبويه : وأما قول جرير :
( لا كالعَشِيَّةِ زائراً ومَزُورا ... )
فلا يكون إلا نصباً من قبل أن العشية ليست بالزائر وإنما أراد : لا أرى كالعشية عشية زائراً كما تقول : ما رأيت كاليوم رجلاً فكاليوم كقولك : في اليوم
لأن الكاف ليست باسم وفيه معنى التعجب كما قال : تالله رجلاً وسبحان الله رجلاً إنما أراد : تالله ما رأيت رجلاً ولكنه يترك إظهار الفعل استغناء
وتقول : لا كالعشية ولا كزيد رجل
لأن الآخر هو الأول ولأن زيداً رجل وصار : لا كزيد كأنك قلت : لا أحد كزيد ثم قلت : رجل كما تقول : لا مال له قليل ولا كثير على الموضع قال امرؤ القيس :
( ويلمها في هَوَاء الجَوِّ طَالِبة ... ولا كهذا الذي الأْرضِ مَطْلُوبُ )
لأنه قال : ولا شيء لهذا ورفع على الموضع
وإن شئت نصبت على التفسير كأنه قال : لا أحد كزيد رجلاً
قال سيبويه : ونظير : لا كزيد في حذفهم الإسم قولهم : لا عليك وإنما يريدون : لا بأس عليك ولا شيء عليك ولكنه حذف لكثرة استعمالهم إياه
ومن قال : لا غلامٌ ولا جارية قال : أغلام وألا جارية، إنما دخلت في النفي لا في المعطوف عليه
ألا تراك تقول في النداء : يا بؤس للحرب ولا تقول : يا بؤس زيد وبؤس الحرب فالنفي كالنداء وكذلك إذا قلت : لا غلامي لك ولا مسلمي لك إن كانت لا الثانية نافية غير عاطفة جاز إسقاط النون وإن كانت عاطفة لم يجز إلا إثبات النون فتقول : لا غلامين لك ولا مسلمين لك
وناس يجيزون أن تقول : لا رجلٌ ولا امرأةَ وهو عندي جائز على قبح لأنك إذا رفعت فحقه التكرير وتقول : لا رجل كان قائماً ولا رجل ظننته قائماً إن جعلت كان وظننت : صلة لرجل أضمرت الخبر وإن جعلتهما خبرين لم تحتج إلى مضمر
وقوم يجيزون : لا زيدَ لك ولا يجيزون لا غلامَ الرجل لك إلا بالرفع ويجيزون : لا أبا محمد لك ولا أبا زيد لك
يجعلونه بمنزلة اسم واحد ولا يجيزون : لا صاحب درهم لك لأن الكنية بمزلة الإسم
ويقولون : عبد الله يجري مجرى النكرة إذ كانت الألف واللام لا يسقطان منه
وقال الفراء : جعل الكسائي : عبد العزيز وعبد الرحمن بمنزلة عبد الله وإسقاط الألف واللام يجوز نحو قولك : عبدَ العزيز لك
وقالوا : الغائب من المكنى يكون مذهب نكرة نحو قولك : لا هو ولا هي لأنه يوهمك عدداً وإن شئت قضيت عليه بالرفع والنصب فإن جعلته معرفة جئت معه بما يرفعه وحكوا : إن كان أحدٌ في هذا الفخ ولا هو يا هذا وكذلك : هذا وهذان عندهم ويقولون : لا هذين لك ولا هاتين لك وكذلك ذاك لأنه غائب
وجميع هذه الأشياء التي تخالف الأصول التي قدمتها لك لا تجوز في القياس ولا هي مسموعة من الفصحاء
وتقول : لا رجل أخوك ولا رجل عمك لا يجوز في أخيك وعمك إلا الرفع
وقد حُكي : أنّ كلام العرب أنْ يُدخِلوا : هو مع المفرد فيقولون : لا رجل هو أخوك ولا رجل هو عمرو ويقولون : لا بنات لك كما تقول : لا مسلمي لك
وتقول : ألا رجلاً زيداً أو عمراً تريد : ألا أحدَ رجلاً يكون زيداً أو عمراً ويجوز أن يكون بدلاً من رجل فإذا جاءت أو مع ( ألا ) فهو طلب
وتقول : لا رجل في الدار لا زيدٌ ويدخل عليها ألف الإستفهام فتقول : ألا رجل في الدار ألا زيد
وتقول : ألا رجل ألا امرأةٌ يا هذا
وتقول : ألا ماء ولو بارداً وهو عند سيبويه : قبيح
لأنه وضع النعت موضع المنعوت فلو قلت : ألا ماء ولو بارداً لكان جيداً
وذلك يجوز إلا أنك تضمر بعد ( لو ) فعلاً ينصب ماء
وكأنك قلت : ولو كان ماءً بارداً
فإذا جئت بلو كان ما بعدها أحسن قال أحمد بن يحيى ثعلب : كان يقال : متى كان ما بعد ( لو ) نعتاً للأول نصب ورفع ومتى كان غير نعت رفع هذا قول المشايخ
وقال الفراء : سمعت في غير النعت الرفع والنصب
وإذا قال : ألا مستعدي الخليفة أو غيره وألا معدي الخليفة أو غيره فالرفع كأنك بينت فقلت : ذاك الخليفة أو غيره أو هو الخليفة أو الخليفة هو أو غيره
والنصب على إضمار ( يكون ) كأنك قلت : يكون الخليفة
أي : يكون المعدي الخليفة أو غيره
وقوم يجيزون : ألا قائل قولاً ألا ضارب ضرباً وهذا عندي لا يجوز إلا بتنوينٍ لأنه قد أعملَ في المصدر فطالَ وقد مضى تفسير هذا
ويجوز أن تقول : لا قائل قول ولا ضارب ضرب فتضيف إلى المصدر
وتقول لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة لأنك قلت : لا خير في خير بعده النار ولا شر في شَرٍّ بعده الجنة ويجوز أن تكون هذه الباء دخلت لتأكيد النفي كما تدخل في خبر ( ما ) وليس فتكون زائدة كأنك قلت : لا خير خير بعده النار ولا شر شرٍّ بعده الجنة فإن جعلت الهاء راجعة إلى خبر الأول الذي مع ( لا ) قلت : لا خير بعدهُ النار خير
فصار قولكَ : بعد النار جملة نعت بها : لا خير والنار مبتدأ وبعده : خبره والجملة صفة لخير كما تقول : لا رجلَ أبوه منطلق في الدارِ فرجل : منفي وأبوه : منطلق مبتدأ وخبر
والجملة بأسرها صفة لرجل قال أبو بكر : وقد ذكرنا الأسماء المرفوعات والمنصوبات وما ضارعها بجميع أقسامها وبقيَّ الأسماء المجرورة ونحن نذكرها إن شاء الله
● [ ذكر الجر والأسماء المجرورة ] ●
الأسماء المجرورة تنقسم قسمين : اسم مجرور بحرف جر أو مجرور بإضافة اسم مثله إليه وقولي : جر وخفض بمعنى واحد
● [ ذكر حروف الجر ] ●
حروف الجر تصل ما قبلها بما بعدها فتوصل الإسم بالإسمِ والفعلَ بالإسم ولا يدخل حرف الجر إلا على الأسماء كما بينا فيما تقدم فأما إيصالها الإسمِ بالإسم فقولك : الدار لعمرو وأما وصلها الفعل بالإسم فقولك : مررت بزيد فالباء هي التي أوصلت المرور بزيد
وحروف الجر تنقسم قسمين : فأحد القسمين : ما استعملته العرب حرفاً فقط ولم يشترك في لفظهِ الإسم ولا الفعل مع الحرف ولم تجره في موضع من المواضع مجرى الأسماء ولا الأفعال
والقسم الآخر : ما استعملته العرب حرفاً وغير حرف
فالقسم الأول : وهو الحرف التي استعملته حرفاً فقط على ضربين : فالضرب الأول منها : أُلزم عمل الجر والضرب الثاني : غير ملازم لعمل الجر
فأما الحروف الملازمة لعملِ الجرِّ : فمن وإلى وفي والباء واللام
ولِرُبَّ : باب يفردُ به لخروجها عن منهاجِ أخواتِها وأنا مُبيّن معنى حرفٍ حرفٍ منها
أما ( من ) : فمعناها : ابتداء الغاية
تقول : سرت من موضع كذا إلى موضع كذا
وفي الكتاب : من فلان إلى فلان
إنما يريد : إبتداؤه فلان
وسيبويه يذهب إلى أنها تكون لإبتداء الغاية في الأماكن وتكون للتبعيض نحو قولك : هذا من الثوب
وهذا منهم تقول : أخذت ماله ثم تقول : أخذت من ماله فقد دلت على البعض
قال أبو العباس : وليس هو كما قال عندي لأن قوله : أخذت من ماله إنما ابتداء غاية ما أخذ فدل على التبعيض من حيث صار ما بقي إنتهاء له والأصل واحد
وكذلك : أخذت منه درهماً وسمعت منه حديثاً أي : أول الحديث وأول مخرج هذه الدراهم وقولك : زيد أفضل من عمرو وإنما ابتدأت في إعطائه الفضل من حيث عرفت فضل عمرو فابتداء تقديمه هذا الموضع فلم يحرج من إبتداء الغايةِ
وقال في وقتٍ آخرَ : مِنْ تكون على ثلاثة أضرب لإبتداء الغاية كقولكَ : خرجت مِنَ الكوفة إلى البصرة وللتبعيض كقولك : أخذت من ماله
والأصل يرجع إلى إبتداء الغاية لإنك إذا قلت : أخذت من المال فأخذك إنما وقع إبتداؤه من المال
ويكون لإِضافة الأنواع إلى الأسماء كقول الله تعالى :
( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان )
وكقول الله عز و جل : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة )
أي : من هؤلاء الذين آمنوا واجتنبوا الرجس من الأوثان
فقولك : رجس جامع للأوثان وغيرها
فإذا قلت : من الأوثانُ فإنما معناه الذي ابتداؤه من هذا الصنف قال : وكذلك قول سيبويه : هذا باب علم ما الكلم من العربية لأن الكلم يكون عربياً وعجمياً فأضاف النوع وهو الكلم إلى اسمه الذي يبين به ما هو وهو العربية وتكون زائدة قد دخلت على ماهو مستغن من الكلام إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة نحو قولهم : ما جاءني من أحد وما كلمت من أحد وكقوله عز و جل : ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) إنما هو : خير ولكنها توكيد وكذلك : ما ضربت من رجل إنما هو : ما ضربت رجلاً فهذا موضع زيادتها إلا أنه موضع دلت فيه على أنه للنكرات دون المعارف ألا ترى أنك تقول : ما جاءني من أحد وما جاءني من رجل ولا تقول : ما جاءني من عبد الله
لأن رجلاً في موضع الجمع ولا يقع المعروف هذا الموضع لأنه شيء قد عرف بعينِه ألا ترى أنك تقول : عشرون درهماً ولا تقول : عشرون الدرهم وقال سيبويه : إذا قلت : ما أتاني من رجل أكدت بمن لأنه موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس وكذلك : ويحه من رجل إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال وكذلك : لي ملؤه من عسل وقال كذلك : أفضل من زيد
إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم وجعل زيداً الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه في قولك : شرٌ من زيد وكذلك إذا قال : أخزى الله الكاذبين مني ومنك إلا أن هذا وأفضل لا يستغني عن ( من ) فيهما لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها وقال : وتقول : رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الإبتداء
وأما ( إلى ) فهي للمنتهى تقول : سرت إلى موضع كذا فهي منتهى سيرك وإذا كتبت من فلان إلى فلان فهو النهاية فمن الإبتداء وإلى الإنتهاء وجائز أن تقول : سرت إلى الكوفة وقد دخلت الكوفة وجائز أن تكون بلغتها ولم تدخلها لأن ( إلى ) نهاية فهي تقع على أول الحد وجائز أن تتوغل في المكان ولكن تمتنع من مجاوزته لأن النهاية غاية قال أبو بكر : وهذا كلام يخلط معنى ( من ) بمعنى ( إلى ) فإنما ( إلى ) للغاية و ( من ) لإبتداء الغاية وحقيقة هذه المسألة : أنك إذا قلت : رأيت الهلال من موضعي ( فمن ) لك وإذا قلت : رأيت الهلال من خلال السحاب ( فمن ) للهلال والهلال غاية لرؤيتك فكذلك جعل سيبويه ( من ) غاية في قولك : رأيته من ذلك الموضع وهي عنده ابتداء غاية إذا كانت ( إلى ) معها مذكورة أو منوية فإذا استغنى الكلام عن ( إلى ) ولم يكن يقتضيها جعلها غاية ويدل على ذلك قوله : ما رأيته مذ يومين فجعلتها غاية كما قلت : أخذته من ذلك المكان فجعلته غاية ولم ترد منتهى أي : لم ترد إبتداء له منتهى
أي : استغنى الكلام دون ذكر المنتهى وهذا المعنى أراد والله أعلم وهذه المسألة ونحوها إنما تكون في الأفعال المتعدية نحو : رأيت وسمعت وشممت وأخذت
تقول : سمعت من بلادي الرعد من السماء ورأيت من موضعي البرق من السحاب وشممت من داري الريحان من الطريق ( فمن ) الأولى للفاعل و ( من ) الثانية للمفعول وعلى هذا جميع هذا الباب لا يجوز عندي غيره إنما جاز هذا لأن للمفعول حصة مِن الفعل كما للفاعل
وبعض العرب يحذف الأسماء مع ( من ) وقد ذكرنا بعض ذلك فيما قد مضى قال الله تعالى : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) : والتأويل عند أصحابنا : وما منا أحد إلا له
والكوفيون يقولون إن ( مَنْ ) تضمر مع ( من ) وفي التأويل عندهم : إلا مَنْ له مقام وما كان بعده شيء لم يسم غاية قال سيبويه : ( إلى ) منتهى لإبتداء الغاية يقول : مِنْ كذا إلى كذا
ويقول : الرجل : إنما أنا إليك أي : أنت غايتي وتقول : قمت إليه فتجعله منتهاك من مكانك
( في ) : وفي معناها الوعاء
فإذا قلت : فلان في البيت فإنما تريد : أن البيت قد حواه وكذلك : المال في الكيس فإن قلت : في فلان عيب فمجاز واتساع لأنكَ جعلتَ الرجل مكاناً للعيب يحتويه وإنما هذا تمثيل بذاك وكذلك تقول : أتيتُ فلاناً وهو في عنفوان شبابه أي : وهو في أمرهِ ونهيهِ فهذا تشبيه وتمثيل أي : أحاطت بهِ هذه الأمور قال : وإن اتسعت في الكلام فإنما تكون كالمثل يجاءُ به يقارب الشيء وليس مثله ز
( الباء ) : معناه الإِلصاق فجائز أن يكون معه استعانة وجائز لا يكون فأما الذي معه استعانة فقولك : كتبت بالقلم وعمل الصانع بالقيدوم
والذي لا استعانة معهُ فقولك : مررتُ بزيدٍ ونزلت بعبد الله
وتزاد في خبر المنفي توكيداً نحو قولك : ليس زيد بقائم وجاءت زائدة في قولك : حسبك بزيد وكفى بالله شهيداً وإنما هو كفى الله
قال سيبويه : باء الجر إنما هي للإِلزاق والإختلاط وذلك قولك : خرجت بزيدٍ ودخلت به وضربته بالسوط ألزقت ضربك إياه بالسوط فما اتسع من هذا الكلام فهذا أصله
( اللام ) : اللام : لام الإِضافة قال سيبويه : معناها الملك والإستحقاق ألا ترى أنك تقول : الغلام لك والعبدُ لكَ فيكون في معنى : هو عبدٌ لكَ وهو أخ لكَ فيصير نحو : هو أخوك فيكون هو مستحقاً لهذا كما يكون مستحقاً لما يملك فمعنى هذا اللام معنى إضافة الإسم
وقال أبو العباس : لام الإِضافة تجعل الأول لاصقاً بالثاني ويكون المعنى : ما يوجد في الأول تقول : هذا غلام لزيد وهذه دار لعبدِ الله
فأما تسميتهم إياها لام الملك فليس بشيء إذا قلت : هذا غلام لعبد الله فإنما دللت على الملك من الثاني للأول فإذا قلت : هذا سيد لعبدِ الله دللت بقولك على أن الثاني للأول
وإذا قلت : هذا أخ لعبدِ الله فإنما هي مقاربة وليس أحدهما في ملك الآخر
ولام الإستغاثة : هي هذه اللام إلا أن هذه تكسر مع الإسم الظاهر وتلك تفتح وقد مضى ذكر ذلك في حد النداء
فلام الإضافة حقها الكسر إلا أن تدخلها على مكنى نحو قولك : له مال ولك ولهم ولها فهي في جميع ذلك مفتوحة وهي في الإستغاثة كما عرفتك مفتوحة
قال سيبويه : إنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى مضافاً إلى بكر باللام يعني بذلك الفعل المضمر الذي أغنت عن إظهاره ( يا ) وقد مضى تفسير هذا
فهذه الحروف التي للجر كلها تضيف ما قبلها إلى ما بعدها
فإذا قلت : سرتَ مِن موضع كَذا فقد أضفتَ السير إلى ما بعدها فإذا قلت : مررت بزيد فقد أضفت المرورَ إلى زيد بالباء
وكذلك إذا قلت : هذا لعبدِ الله فإذا قلت : أنتَ في الدار فقد أضفتَ كينونتك في الدار إلى الدار ( بفي ) فإذا قلت : فيك خصلة سوء فقد أضفت إليه الرداءة ( بفي ) فهذه الحروف التي ذكرت لك تدخل على المعرفة والنكرة والظاهر والمضمر فلا تجاوز الجرَّ
واعلم : أن العرب تتسع فيها فتقيم بعضها مقام بعض إذا تقاربت المعاني فمن ذلك : الباء تقول : فلان بمكة وفي مكة وإنما جازا معاً لأنك إذا قلت : فلان بموضع كذا وكذا
فقد خبرت عن إتصاله والتصاقه بذلك الموضع وإذا قلت : في موضع كذا فقد خبرت ( بفي ) عن احتوائه إياه وإحاطته به فإذا تقارب الحرفان فإن هذا التقارب يصلح لمعاقبة وإذا تباين معناهما لم يجز ألا ترى أن رجلاً لو قال : مررت في زيد أو : كتبت إلى القلم لم يكن هذا يلتبس به فهذا حقيقة تعاقب حروف الخفض فمتى لم يتقارب المعنى لم يجز وقد حكي : كنت بالمال حرباً وفي المالِ حَرباً وهو يستعلي الناسَ بكفهِ وفي كفهِ
وقال في قولِ طرفة :
( وإنْ يَلْتقِ الحَيُّ الجَمِيعُ تلاقني ... إلى ذِرْوَةِ البَيت الكَرِيمِ المُصَمد )
إنَّ ( إلى ) بمعنى ( في ) ولا يجوز أن يدخل حرف من هذه التي ذكرت على حرف منها فلا يجوز أن تدخل الباء على ( إلى ) ولا اللام على ( مِنْ ) ولا ( في ) على ( إلى ) ولا شيئاً منها على آخر
● [ باب رُبَّ ] ●
رُبَّ : حرف جر وكان حقه أن يكون بعد الفعل موصلاً له إلى المجرور كأخواته إذا قلت : مررت برجل وذهبت إلى غلام لك ولكنه لما كان معناه التقليل وكان لا يعمل إلا في نكرة فصار مقابلاً ( لكم ) إذا كانت خبراً فجعل له صدر الكلام كما جعل ( لكم ) وآخر الفعل والفاعل فموضع رُبَّ وما عملت فيه نصبٌ كما أن موضع الباء ومن وما عملنا فيه نصب إذا قلت : مررت بزيد وأخذت من ماله
ويدل على ذلك أن ( كم ) يُبنى عليها ورُبَّ : لا يجوز ذلك فيها وذلك قولهم : كم رجل أفضل منك فجعلوه خبراً ( لكم ) كذلك رواه سيبويه عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن العربَ تقوله ولا يجوز أن تقول : رُبَّ رجل أفضل منك ولا يجوز أن تجعله خبراً لِرُب كما جعلته خبراً ( لكم ) ومما يتبين أن رُبَّ حرف وليست باسم ( ككم )
أن ( كم ) يدخل عليها حرف الجر ولا يدخل على رُبَّ تقول : بكم رحل مررت وإنك تولي ( كم ) الأفعال ولا توليها رُبَّ
قال أبو العباس : رُبَّ تنبىء عما وقعت عليه أنه قد كان وليس بكثير، فلذلك لا تقع إلا على نكرة ولأن ما بعدها يخرج مخرج التمييز تقول : رب رجل قد جاءني فأكرمته ورب دار قد أبتنيتها وأنفقت عليها وقال في موضع آخر : رب معناها الشيء يقع قليلاً ولا يكون ذلك الشيء إلا منكوراً لأنه واحد يدل على أكثر منه ولا تكون رب إلا في أول الكلام لدخول هذا المعنى فيها
وقال أبو بكر : والنحويون كالمجتمعين على أن رُبَّ جواب إنما تقول : رُبَّ رجل عالمٍ لمن قال : رأيت رجلاً عالماً أو قدرت ذلك فيه فتقول : رُبَّ رجل عالم تريد : رُبَّ رجل عالم قد رأيتُ فضارعت أيضاً حرف النفي إذا كان حرف النفي يليه الواحد المنكور وهو يراد به الجماعة
فهذا أيضاً مما جعلت له صدراً
واعلم : أن الفعل العامل فيها أكثر ما يستعمله العرب محذوفاً لأنه جواب وقد علم فحذف وربما جيء به توكيداً وزيادة في البيان فتقول : رُبّ رجل عالم قد أتيت فتجعل هذا هو الفعل الذي تعلقت به ( رُبَّ ) حتى يكون في تقديره : برجلٍ عالمٍ مررت وكذلك إذا قال : رُبَّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته فها هنا فعل أيضاً محذوف فكأنه قال له قائل : ما جاءك رجل فأكرمته وأكرمته فقلت : رُبَّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته أي : قد كنت فعلت ذاك فيكون جاءني وما بعده صفة رجلٍ والصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد والكلام بعدُ ما تم فإن لم تضمر : قد فعلت وما أشبه ذلك وإلا لم يجز فإذا قال : ما أحسنت إليّ
قلت : رُبَّ إحسان قد تقدم إليك مني فكأنك قلت : قد فعلت من إحسان إليك قد تقدم
فإن قال قائل : لِمَ لزم الصفة قيل : لأنه أبلغ في باب التقليلِ لأن رجلاً قائماً أقل من رجل وحده فخصت بذلك والله أعلم
وكذلك لو قلتَ : رُب رجل جاهل ضربت إن جعلت : ضربتُ هو
[ العامل في رب ]
فإن جعلته صفة أضمرت فعلاً نحو ما ذكرنا
فصار معنى الكلام : رُبَّ رجل جاهل ضربت قد فعلت ذاك
واعلم : أنَّهُ لا بد للنكرة التي تعمل فيها ( رُبَّ ) من صفة إما اسم وإما فعل لا يجوز أن تقول : رُبَّ رجل وتسكت حتى تقول : رُبَّ رجل صالح أو تقول : رجل يفهم ذاك ورب حرف قد خولف به أخواته واضطرب النحويون في الكلام فيه
وهذا الذي خبرتك به ما خلص لي بعد مباحثة أبي العباس رحمه الله وأصحابنا المنقبين الفهماء وسأخبرك ما قال سيبويه والكوفيون فيه قال سيبويه : إذا قلت : رُب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل بِرُب وكذلك يقول مَنْ تابعه على هذا القول إذا قال : رُب رجل ظريف قد أضافت رُب الظريف إلى رجل وهذا لا معنى له لأن إتصال الصفة بالموصوف يغني عن الإِضافة
وأما الكوفيون ومن ذهب مذهبهم فيقولون : رب وضعت على التقليل نحو : ما أقل من يقول ذاك وكم وضعت على التكثير نحو قولك : ما أكثر من يقول ذاك وإنما خفضوا ( لكم ) لأن مِن تصحبها تقول : كم من رجل ثم تسقط من وتعمل فكذلك : رُبَّ وإن لم تر ( من ) معها كما قال : ألا رجل ومن رجل وهم يريدون : أمَا من رجل وحكي عن الكسائي أو غيره من القدماء : أن بعض العرب يقول : رُبَّ رجل ظريف فترفع ظريفاً تجعله خبراً ( لرُب ) ومن فعل هذا فقد جعلها اسماً وهذا إنما يجيء على الغَلط والتشبيه وفي رب لغات : رُبَّ ورُبُّ يا هذا ومن النحويينَ من يقولُ : لو سكنت جازَ : ورُبْتَ
واعلم : أن رُبَّ تستعملُ على ثلاثة وجوه
فالوجه الأول : هو الذي قد ذكرت من دخولها على الإسم الظاهر النكرة وعملها فيه وفي صفته الجر
والوجه الثاني : دخلوها على المضمر على شريطة التفسير فإذا أدخلوها على المضمر نصبوا الإسم الذي يذكرونه للتفسير بعد المضمر فيقولون : رُبَّه رجلاً والمضمر ها هنا كالمضمر في ( نعم ) إذا قلت : نعم رجلاً زيد إلا أن المضمر في ( نعم ) مرفوع لأنه ضمير الفاعل وهو مع رُبَّ مجرور وإنما جاز في رُبّ وهي لا تدخل إلا على نكرة من أجل أن المعنى تؤول إلى نكرة وليس هو ضمير مذكور وحق الإِضمار أن يكون بعد مذكور ولكنهم ربما خصوا أشياء بأن يضمروا فيهاه على شريطة التفسير وليس ذلك بمطرد في كل الكلام وإنما يخصون به بعضه فإذا فعلت ذلك نصبت ما بعد الهاء على التفسير فقلت : ربُه رجلاً وهذه الهاء على لفظ واحد وإن وليها المذكر أن المؤنث أو الإثنان أو الجماعة موحدة على كل حال
الوجه الثالث : أن تصلها فتستأنف ما بعدها وتكفها عن العمل فتقول : ربما قام زيد وربما قعد وربما زيد قام وربما فعلت كذا ولما كانت رب إنما تأتي لما مضى فكذلك ربما لما وقع بعدها الفعل كان حقه أن يكون ماضياً فإذا رأيت الفعل المضارع بعدها فثم إضمار كان قالوا : في قوله : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) أنه لصدق الوعد كأنه قد كان كما قال : ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت )
ولم يكن فكأنه قد كان لصدق الوعد
ولا يجوز : رُبَّ رجل سيقوم وليقومن غداً إلا أن تريد : رُبّ رجل يوصف بهذا تقول : رب رجل مسيء اليوم ومحسن غداً أي : يوصف بهذا ويجوز : ربما رجل عندكَ فتجعل : ( مَا ) صلة ملغاة
واعلم : أنّ العربَ تستعملُ الواوَ مبتدأة بمعنى : ( رُبَّ ) فيقولون : وبلد قطعتُ يريدونُ ورُبَّ بلد وهذا كثير
وقال بعض النحويين : أن الواو التي تكونَ معَ المنكراتِ ليست بخلف من ( رُبَّ ) ولا كم وإنما تكون مع حروف الإستفهام فتقول : وكم قد رأيت ( وكيف تكفرون ) يدل على التعجب ثم تسقط كم وتترك الواو ولا تدخل مع رُبَّ ولو كانت خلفاً مِن ( كم ) لجازَ أن يدخلَ عليها النسق كما فعلَ بواوِ اليمينِ وهي عندي : واو العطفِ وهذا أيضاً مما يدل على أن رب جواب وعطف على كلام
[ مسائل من هذا الباب ]
تقول : رُبَّ رجل قائم وضارب وَرُبَّ رجل يقوم ويضرب
وتقول : رب رجل قائم نفسه وعمرو ورب رجل قائم ظريفاً فتنصب على الحال من ( قائم ) وتقول : رب رجل ضربته وزيداً ورب رجل مررت به فتعيد الباء لأن المضمر المجرور لا ينسق عليه بالإسم الظاهر وتقول : رب رجل قائم هو وزيد فتؤكد ما في ( قائم ) إذا عطفت عليه ويجوز أن تقولَ : رب رجل قامَ وزيدٌ فتعطف على المضمر من غير تأكيد وتقول : رب رجل كان قائماً وظننته قائماً ففي ( كان ) ضمير رجل وهو اسمها وقائماً خبرها
وكذلك : الهاء في ( ظننته ) ضمير رجل وهو مفعولها الأول
وقائماً مفعولها الثاني وإذا قلت : رب رجل قد رأيت ورب امرأة فالإختيار أن تعيد الصفة فتقول : ورب امرأة قد رأيت لأنك قد أعدت رُب وقد جاء عن العرب إدخال ( رُبَّ ) على ( مِنْ ) إذا كانت نكرة غير موصولة إلا أنها إذا لم توصل لم يكن بُد من أن توصف لأنها مبهمة حكي عنهم : مررت بمن صالح ورب من يقوم ظريف وقال الشعر . صالح ورب من يقوم ظريف وقال الشعر
( يَا رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّه لَكَ نَاصِحٍ ... ومُؤتَمَنٍ بالغَيْبِ غَيْرِ أَمِينِ )
وتدخل رُب على مثلكَ وشبهكَ إذ كانتا لم تتصرفا بالإِضافة وهما نكرتان في المعنى
وتقول : رب رجل تختصم وامرأة وزيد ولا يجوز الخفض لأنه لا يتم إلا بإثنين فإن قلتَ : رب رجلين مختصين وامرأتين جازَ لكَ الخفض والرفع فتقول : وامرأتان وامرأتين أما الخفض : فبالعطفِ على ( رجلين ) والرفع : بالعطف على ما في مختصمين ولو قلت : رُبَّ رجلين مختصمين هما وامرأتان فأكدت ثم عطفتَ لكان أجود حكي عن بعضهم : أنه يقول : إذا جاءَ فعل يعني بالفعلِ اسمَ الفاعل بعد النعتِ رفعَ نحو قولك : رب رجل ظريف قائم والكلام الخفض وزعم الفراء : أنهم توهموا ( كم ) إذ كانوا يقولون : كم رجلاً قائمٌ
وتقول : رب ضاربكَ قد رأيت ورب شاتمك لقد لقيت لأن التنوين في تَينكَ يريد ضارب لكَ وإن قلت : ضاربكَ أمس لم يجز لأنه معرفة
والأخفش يعترض بالأيمان فيقول : رُبَّ وَالله رجل قد رأيت ورُبَّ رجل قد رأيت وهذا لا يجوزُ عندنا لأنّ حروف الجر لا يفصل بينَها وبينَ ما عملت فيهِ وسائر النحويين يخالفونَه
وحكى الكوفيون : ربه رجلاً قد رأيت وربهما رجلين وربهم رجالاً وربهن رجالاً وبهن نساء وربَه نساء مَنْ وحَد
فلأنه رد كناية عن مجهول ومَن لم يوحد فلأنه كلام كأنه قال : له ما لك جوار فقال : ربهن جوار قد ملكت
وكان الكسائي يجيز : رب مَنْ قائم على أنَّهَ استفهام ويخفض ( قائماً ) والفراء يأباه لأن كل موضع لم تقعه المعرفة لم يستفهم بمن فيه
والضرب الثاني : من حروف الجر وهوما كان غير ملازم للجر وذلك حتى والواو
فواو القسم وهي بدل من الباء وأبدلت لأنها من الشفة مثلها
والتاء : تستعمل في القسم في الله عز و جل وهي بدل من الواو والتاء قد تبدل من الواوِ في مواضع ستراها وقد خصوا القسمَ بأشياء ونحن نفرد باباً للأسماء المخفوضة في القسم وأما الواو التي تقع موقع رب فقد مضى ذكرها
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة