بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
طرائف الظرفاء وحكايات الفطناء
● [ الباب الثالث ] ●
فيما ذكر عن الصبيان من ذلك
قال الزبير بن بكارٍ : كان ابن الزبير يلعب مع الصبيان وهو صبي ، فمر رجلٌ فصاح عليهم ، ففروّا ، ومشى ابن الزبير القهقرى ، وقال : يا صبيان ! اجعلوني أميركم ؛ وشدوا عليه
● ومرّ به عمر بن الخطّاب وهو يلعب مع الصبيان ، ففرّوا ووقف ، فقال له : مالك لم تفرّ مع أصحابك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! لم أجرم فأخاف ، ولم يكن الطريق ضيّقة فأوسع عليك
● قال علي ابن المديني : خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجرٌ ، فقال : أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيدٍ ، وجالس ضمرة أبا سعيد الخدريّ ؛ وجالست عمرو بن دينارٍ ، وجالس جابر بن عبد الله ؛ وجالست عبدالله بن دينارٍ ، وجالس ابن عمر ؛ وجالست الزهري ، وجالس أنس بن مالكٍ ؛ حتى عدّ جماعة ، ثم أنا أجالسكم ! فقال له حدثٌ في المجلس : انتصف يا أبا محمدٍ ! قال : إن شاء الله ؛ قال : والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بك أشدّ من شقائك بنا ؛ فأطرق وتمثّل بشعر أبي نواسٍ:
خــــل جـنبـيـك لــرام ● وامض عنه بسلام
مت بداء الصمت خيرٌ ● لك من داء الكلام
فسأل : من الحدث ؟ قالوا : يحيى بن أكثم ؛ فقال سفيان : هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء يعني : السلاطين
● قال ثمامة : دخلت إلى صديق أعوده ، وتركت حماري على الباب ، ولم يكن معي غلامٌ يحفظه ، ثمّ خرجت ، وإذا فوقه صبيّ ، فقلت : أركبت حماري بغير إذني ؟ ! قال : خفت أن يذهب فحفظته لك ؛ قلت : لو ذهب كان أحب لي من بقائه ؛ قال : إن كان هذا رأيك فيه ، فاعمل على أنّه قد ذهب وهبه لي واربح شكري ؛ فلم أدر ما أقول
● قال الأصمعي : قال رجلٌ من أهل الشّام : قدمت المدينة ؛ فقصدت منزل إبراهيم ابن هرمة ، فإذا بنتٌ له صغيرةٌ تلعب بالطين ، فقلت لها : ما فعل أبوك ؟ قالت : وفد إلى بعض الأجواد ، فما لنا منه علمٌ منذ مدةٍ ؛ فقلت : انحري لنا ناقةً ، فإنّا أضيافك ؛ قالت : والله ما عندنا ، قلت : فشاةً ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فدجاجةً ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فأعطنا بيضةً ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فباطلٌ ما قال أبوك:
كم ناقةٍ قد وجأت منحرها ● بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت : فذاك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى ليس عندنا شيءٌ
● قال بشرٌ الحافي : أتيت باب المعافى بن عمران ، فدققت الباب ، فقيل لي : من ؟ فقلت : بشرٌ الحافيٌ ؛ فقالت لي بنية من داخل الدار : لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي
● قال الأصمعي : بينا أنا في بعض البوادي ، إذا أنا بصبي - أو قال : صبيةٍ - معه قربةٌ قد غلبته ، فيها ماءٌ ، وهو ينادي : يا أبةِ أدرك فاها ، غلبني فوها ، لا طاقة لي بفيها ؛ قال : فوالله قد جمع العربية في ثلاث
● قال الأصمعي : وقلت لغلامٍ حدثٍ من أولاد العرب : أيسرّك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنّك أحمقٌ ؟ قال : لا ، والله ؛ قلت : لم ؟ قال : أخاف أن يجني عليّ حمقي جنايةً تذهب مالي وتبقي عليّ حمقي
● لقي صبي رجلاً غافلاً ، فقال له الصبي : إلى أين تمضي ؟ فقال : إلى المطبق ، فقال : أوسع خطواتك
● ركب المعتصم إلى خاقان يعوده ، والفتح صبي يومئذٍ ، فقال له المعتصم : أيّما أحسن : دار أمير المؤمنين أو دار أبيك ؟ فقال : إذا كان أمير المؤمنين في دار أبي ، فدار أبي أحسن ؛ وأراه فصّاً في يده ، فقال : رأيت يا فتح أحسن من هذا الفصّ ؟ فقال : نعم ! اليد التي هو فيها
● ذبح رجلٌ بخيلٌ دجاجةً ، فدعاه صديقٌ له ، فأمر بالدّجاجة فرفعت ، وبات عند صديقه ، فلمّا جاء دعا بالدّجاجة ، فإذا هي منزوعة الفخذ ، فقال : من هذا الذي تعاطى فعقر ؟ فامتنعوا أن يخبروه ، فقال لقهرمانه : اقطع خبزهم ونفقاتهم ؛ فوثب غليمّ له صغير ، وقال : ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) " سورة الأعراف / الآية : 155 " فردّ عليهم خبزهم
● قعد صبيّ مع قومٍ يأكلون ، فجعل يبكي ، فقالوا : ما لك ؟ قال : الطعام حارُّ ، قالوا : فدعه حتى يبرد ، فقال : أنتم ما تدعونه.
تم طرائف الظرفاء وحكايات الفطناء
عن كتاب أخبارالظراف والمتماجنين لإبن الجوزي
والحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله
مجلة همسات الإلكترونية ـ البوابة
عن كتاب أخبارالظراف والمتماجنين لإبن الجوزي