بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
فص الخواتم فيما قيل في الولائم
● [ الولائم أثنتا عشرة ] ●
الخامسة : وليمة الوَضِيمة
بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة، وهي لحدوث مصيبة.
● من يصنعها
قال النووي: ولجيران أهله وأقاربهم الذين لم يشتغلوا بالمصيبة، سواء كان الميت بذلك البلد أو بغيره، تهيئة كعام يشبعهم يومهم وليلتهم، لقوله صلى الله عليه وسلم لما جاء قتل جعفر: " اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد جاءهم ما يشغلهم " حسنة الترمذي وصححه الحاكم.
ويلح عليهم في الأكل إن احتيج إليه، فربما يكرهونه استحياء، أو لفرط الجزع، ولا بأس بالقَسَمِ إذا علم الحالف أنهم يبرون قسمه.
● النياح على الميت
ويحرم تهيئة النائحات، لأنه إعانة على معصية. وقال الكمال الدميري في باب التعزية من شرحه: ويكره الأكل من طعام المآتم انتهى. وقال في حياة الحيوان في باب الطاووس، في كلامه على ترجمة الإمام طاوس بن كيسان فقيه اليمن ما صورته: وروى أحمد عنه في كتاب الزهد أنه قال: إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعة أيام، وكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام انتهى. وأما إصلاح أهل البيت طعاماً وجمع الناس عليه، فلم ينقل فيه شيء، بل هو بدعة مستقبحة، وغيره مستحب قاله أبن الصباغ، وقد روى الإمام أحمد وأبن ماجه بإسناد صحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة. قال الأذرعي: ولا خفاء في تحريم ذلك إذا كان على الميت دين أو في الورثة محجوز أو غائب وصنع ذلك من التركة انتهى.
● مدعو التصوف
وهذه القضية يقع فيها كثير من فقراء الزوايا، ومجاوري الترب والمدارس ونحوهم، فإن كثيراً من الناس يأتي إليهم فيتبرك بهم ويدعوهم إلى منزله ليقرأوا للميت ختماً، ويكون الميت قد ترك في الورثة محجوزاً كطفل ومجنون، أو غائباً كما تقدم. وفي البيت آلة الأكل كطحين ودبس وأرز ونحو ذلك، فيصنعون لهم من ذلك ما يأكلون، فيأتون يسعون أفواجاً، ويجلسون على أشياء محرمة كجلود النمور عند الشافعية وغيرها، فيبتدئ بهم المشار إليه معهم، فيزعمون أنهم يقرأون ختماً ويهدونه وما يكونون قرأوا نحو ثُمُن. وبلغني أن بعضهم يقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات ويقول أو يحلف أنه قرأ للميت فلان ختماً تاماً، ثم يدعوا، فمنهم من يذكر في دعائه ما يهيج أهل الميت على البكاء، ومنهم من يحسن صوته ويرفعه بلا خشوع ولا خضوع، ومنهم من يظهر الصلاح في هيئته ونطقه، ثم يقول في دعائه وإهدائه: وأجعل اللهم ثواب هذه الختمة المعظمة المبجلة المشرفة الميمونة إلى صحائف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و إلى أو زيادة في شرفه. فيتجرأ على الجناب الرفيع، وذلك أدبه معه، وقد أفتى بترك ذلك على سبيل الأحترام غير واحد من العلماء المتأخرين، فإنه لم يأذن في ذلك ولم يشرعه وجميع المشروعات الصادرة منه أجرها وأجر من عمل بها إلى الأبد. ثم بعد فراغهم من دعائهم يؤتى بالسماط، فينظرون إلى مكان يخرج منه ذلك الطعام السُّحت، وإلى النوع الفاخر منه، ثم يأكلون كأكل الأطفال الجائعين، وبعضهم يحمل معه في وعاء إن قدر، وإلا في كمه بعد أكله وشبعه. حتى إن بعضهم يكون صائماً فيفطر على ذلك عند إفطاره.
وقد قال حجة الإسلام الغزالي: زلة الصوفي حرام. هذا مع اتصافه بذلك، فإن كان ذلك، ليس بصوفي، ولا يشتغل في المدرسة. كما شرط الواقف، فهو أبلغ ولهذا قال العالم الرباني تقي الدين الحسني: وكثيراً ما يسكن المدارس من لا يتأتى منه التحصيل، بل هو يعطل نفسه، فهذا لا يعطي بلا خلاف، ولو كان مقبلاً على العبادة، لأن نفعه قاصر على نفسه، بخلاف المشتغل بالعلم الشرعي، فإنه متعد إلى غيره، وكُلاًّ لا تحل له الزكاة، انتهى ملخصاً.
والحاصل أن الأكل من هذه الوضيمة والحالة ما ذكر حرام بلا خلاف . وفي مسند الفردوسي للديلمي من حديث أبن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أكل لقمة من حرام - أي وهو عارف - لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " . وفيه من حديث أبن عمر: " من لم يسأل من أين أكتسب المال، لم يسأل الله تعالى من أين أدخله النار " . وقال أبن عباس: لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام. وقد أكل أبو بكر الصديق طعاماً، ثم ظهر فيه شبهة فقذفه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لحم بنت من حرام النار أولى به " . وكذا ورد عن عمر. فما بالك بهذا الحرام المحقق قال تعالى: (الّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ أمْوَالَ اليَتَامى ظُلْما إنّما يَأْكُلُونَ في بُطُوْنِهِم نَاْراً وسَيَصْلوْنَ سَعِيْراً).
● [ الولائم أثنتا عشرة ] ●
السادسة : وليمة النقيعة
السادسة : وليمة النقيعة
بفتح النون، وهي الدعوة لقدوم المسافر.
مأخوذة من النَّقْع، وهو الغبار. قال الله تعالى: (فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعَاً).
وفي الاستقصاء لأبن درباس:و يقال لكل جزور نحرت للضيافة: نقيعة. انتهى.
● من يصنعها
وقال النووي: وقول الأصحاب النقيعة لقدوم المسافر مستحبة، ليس فيه بيان من يتخذها، أهو القادم أو المقدوم عليه. وفيه خلاف لأهل اللغة؛ فنقل الأزهري عن الفراء أنه القادم، وقال صاحب المحكم: هو طعام يصنع للقادم. وهو الأظهر، انتهى.
● هدية المسافر
وأما ما رواه البيهقي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قدم أحدكم على أهله من سفر، فليهد لهم، وليطرفهم، ولو كان حجارة " ؛ فهو حديث ضعيف، لكنه أصل لما يفعله بعض الحجاج، أن يستصحب معه من مكان يعرف بفرش الرز حجارة بيضاً. وأما ما يفعله بعضهم من استصحاب أكف من تراب الحرم أو أحجاره ونحو ذلك فهو حرام، وكما يحرم أخذ شيء من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره والله أعلم. قال الأذرعي: والصواب الأول. قال الحليمي في منهاجه: ويستحب للمسافر إذا رجع وأستقر في منزله أن يطعمه الناس، وعليه الصالحون من سلف هذه الأمة. ثم ذكره عن أبن عمر وجماعة من التابعين، ويشهد له ما في البخاري عن جابر " أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرة " . ثم قال البخاري: وكان أبن عمر يذبح لمن يغشاه.
● [ الولائم أثنتا عشرة ] ●
السابعة : وليمة العَذِير
السابعة : وليمة العَذِير