منتدى صبايا مصرية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ]

    avatar
    صبايا
    Admin


    عدد المساهمات : 2010
    تاريخ التسجيل : 31/10/2014

    المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ] Empty المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ]

    مُساهمة من طرف صبايا السبت مايو 15, 2021 2:59 pm

    المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ] Manaze10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة العلمية
    المناظر لابن الهيثم
    المقالة الأولى
    كيفية الإبصار بالجملة
    المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ] 1410
    ● [ تابع الفصل الثالث ] ●
    البحث عن خواص الأضواء
    وعن كيفية إشراق الأضواء

    وقد بقي أن يقال : إذا كان الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح وعند العشاء هو ضوء في الهواء، وإنما يدركه البصر عند الصباح وعند العشاء من أجل قربه من البصر، فقد كان يدرك البصر الضوء في الهواء الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت في سائر النهار، إذ هذا الهواء مضيء في سائر النهار وقريب من البصر، وليس يدرك البصر الضوء في هذه الأهوية بل إنما يدرك البصر الضوء على جدران البيوت ولا يدرك في الهواء الذي فيما بين الجدران شيئاً من الضوء، فليس الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح وعند العشاء ضوءاً في الهواء.
    فنقول في جواب هذا القول: إن الهواء جسم مشف شديد الشفيف،إلا أنه ليس في غاية الشفيف بل فيه غلظ يسير. فإذا أشرق عليه ضوء الشمس نفذ الضوء فيه بحسب شفبفه، وثبت فيه من الضوء قدر يسير بحسب ما فيه من الغلظ اليسير. فالمقدار اليسير من الهواء القليل المساحة يكون الضوء الذي يثبت فيه يسيراً جداً من أجل صغر مساحته ومن اجل شدة شفيفه وقلة غلظه وضعف كيفية الضوء الذي يثبت فيه. والهواء العظيم المساحة في السمك يكون الضوء الذي فيه كثيراً من أجل عظم مساحته. وإن كانت كيفية الضوء الذي في كل جزء يسير منه ضعيفة، والهواء الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت يسير قليل المساحة، فالضوء الذي فيه يسير من جهتين: من اجل صغر مساحته ومن أجل ضعف كيفيته.
    والمسافة التي يدركها البصر من الجو المضيء التي يمتد فيها البصر في وقت إدراكه لضوء الصباح وضوء العشاء عظيمة المقدار في السمك الممتد في مقابلة البصر، وجميع الهواء الممتد في هذا السمك مضيء في ذلك الوقت، وكل جزء يسير من الهواء الذي في هذا السمك فيه ضوء يسير ضعيف، والأجزاء المقتدرة المضيئة المقابلة للبصر من هذا الهواء في حال إدراك البصر للضوء الذي فيه التي كل واحد منها مساو لمقدار الهواء الذي بين الجدران الذي لا يظهر فيه الضوء التي هي ممتدة في السمك على السمت المستقيم المقابل للبصر كثيرة مسرفة الكثرة إذا قدرناها بالتخيل لعظم مساحة هذا الهواء وعظم سمكه.
    فإذا كانت هذه الأجزاء كثيرة مسرفة الكثرة، وكان في كل واحد منها ضوء يسير، وكانت هذه الأجزاء الكثيرة ممتدة في مقابلة البصر على سمت مستقيم، تضاعفت الأضواء التي كل واحد منها يسير، وتضاعفت قوتها أضعافاً كثيرة مسرفة الكثرة، لأن البصر يدرك جميعها من سمت واحد. وإذا تضاعف الضوء اليسير أضعافاً كثيرة قوي وظهر للحس، فلذلك يظهر الضوء للبصر في الجو المضيء وليس يظهر للبصر الضوء الذي في الهواء اليسير الذي في دواخل البيوت وفيما بين الجدران وفي أودية الجبال والذي بين البصر وسطح الأرض وكل ما كان يسير المساحة من الهواء.
    فقد انجلت الشبهة وصح أن الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح وعند العشاء هو ضوء الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس، وان الضوء المشرق على وجه الأرض قبل طلوع الشمس وبعد غروبها هو ضوء يرد من الضوء الذي في الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس.
    فأما الأضواء العرضية التي تظهر على الأجسام الكثيفة فقد يمكن أن تعتبر الأضواء التي تشرق منها على الأجسام المقابلة لها اعتباراً محرراً. وذلك يكون كما نصف: يعتمد المعتبر حائطاً أبيض نقي البياض منكشفاً لضوء النهار ولضوء الشمس وضوء القمر، ويكون مقابلاً له وموازياً له وبالقرب منه حائط آخر، ويكون من وراء كل واحد من الحائطين بيت ليس للضوء إليه منفذ إلا من بابه. ثم يعمد المعتبر قطعة من الخشب طولها ليس بأقل من عظم الذراع وعرضها مساو لطولها أيضاً ، ويسوى سطوحها حتى تصير مسطحة ومتوازية بغاية ما يمكن ، وتكون نهاياتها مستقيمة ومتوازية. ثم يخط في وسط سطحين متقابلين من سطوحها خطين مستقيمين متوازيين وكل واحد منهما مواز لنهايتي السطح الذي هو فيه. ثم يفصل من طرفي كل واحد من هذين الخطين خطين متساويين يكون كل واحد منهما ليس بأكثر من عرض إصبعين، فيحصل في كل واحد من الخطين نقطتان.
    ثم يدير على النقطتين اللتين على أحد الخطين دائرتين متساويتين قطر كل واحدة منهما بمقدار عرض إصبع واحدة مقتدرة. ثم يدير على إحدى النقطتين من الخط الآخر دائرة أخرى مساوية لكل واحدة من الدائرتين الأوليين، ثم يقسم هذا الخط الذي أدار عليه الدائرة الواحدة الذي بين مركز الدائرة وبين النقطة الأخرى الباقية المفروضة على هذا الخط بقسمين يكون نسبة الصغر منهما إلى الأعظم كنسبة سمك الخشبة إلى المسافة التي بين الحائطين. وليحرر هذه المسافة بعود مستقيم يمد بين الحائطين ويتحرى أن يكون قائماً على كل واحد منهما قياماً معتدلاً. فإذا قسم هذا الخط على هذه النسبة فليكن القسم الأعظم النظير للمسافة التي بين الحائطين يلي مركز الدائرة المرسومة على هذا الخط، فإذا تحررت هذه القسمة فليدر على نقطة القسمة دائرة أخرى مساوية لكل واحدة من الدوائر التي تقدمت. فيكون نسبة الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتباعدتين اللتين على الخط الأول الغير مقسوم إلى الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتقاربتين اللتين على الخط المقسوم كنسبة سمك الخشبة مع بعد المسافة التي بين الحائطين إلى هذا البعد بعينه على التركيب.
    ثم ينبغي لهذا المعتبران يثقب في الخشبة ثقبين أحدهما من الدائرة المتطرفة من الدائرتين المتقاربتين إلى الدائرة المتطرفة المقابلة لها من الدائرتين المتباعدتين في السطح الآخر. وليكن الثقب مستديراً أسطوانياً، ويكون محيطه مع محيطي الدائرتين المتقابلتين، فيكون هذا الثقب قائماً على السطحين المتوازيين على زوايا قائمة. وليكن الثقب الآخر ممتداً من الدائرة التي في موضع قسمة الخط إلى الدائرة الأخرى المتطرفة أيضاً عن الدائرتين المتباعدتين اللتين في السطح الآخر، ويكون محيط هذا الثقب مع محيطي الدائرتين، فيكون هذا الثقب مائلاً على السطحين المتوازيين.
    فإذا تحرر هذان الثقبان فليثقب في الحائط المقابل للحائط الأبيض ثقباً مربعاً بمقدار تربيع الخشبة، ويركب الخشبة في هذا الثقب، ويجعل السطح الذي فيه الدائرتان المتقاربتان مما يلي خارج البيت، ويتحرى عند تركيب الخشبة أن يكون سطحها موازياً لسطح الحائط الأبيض، ويكون بعد سطحها عن سطح الحائط الأبيض هو بمقدار البعد الذي بين الحائطين الذي بحسبه كانت قسمة الخط على التحرير. فإذا تحرر وضع الخشبة سد ما يفضل من الخلل حول الخشبة ومكنت الخشبة في موضعها تمكيناً وثيقاً. وإن فضل سمك الحائط على سمك الخشبة حذف ما يفضل من داخل البيت على الاريب حتى يصير بقية الثقب منخرطاً، وإن حصل سمك الخشبة من أول الأمر مساوياً لسمك الحائط كان أجود.
    فإذا أحكم تركيب الخشبة فليعتمد المعتبر عوداً مستقيماً في غاية الاستقامة ويكون غلظه مساوياً لغلظ الثقب القائم الذي في الخشبة. وإن اعتمد عوداً مستقيماً أغلظ من سعة الثقب وخرطه في الشهر حتى يصير غلظه بمقدار سعة الثقب على التحرير كان أولى ويكون متساوي الغلظ. فإذا تحرر هذا العود فليحدد طرفه تحديداً منخرطاً حتى يصير نقطة رأسه هي طرف سهم العود بالقياس إلى الحس . ثم يداخل هذا العود في الثقب القائم ويحركه في الثقب إلى أن يلقى طرفه الحاد سطح الحائط الأبيض. فإذا لقي سطح هذا الحائط يعلم على موضع طرفه نقطة، فتكون هذه النقطة على استقامة سهم الثقب القائم. فإذا علم هذه النقطة فليخرج العود من الثقب.
    ثم يدخل المعتبر البيت الذي يفضي إليه هذا الثقب، ويجعل بصره عند محيط الثقب القائم، وينظر إلى الحائط الأبيض ويتفقد نهاية ما يدركه بصره من ذلك الحائط وابعد موضع يدركه عن النقطة المفروضة على الحائط الأبيض التي على استقامة سهم الثقب القائم. فيتقدم إلى من يتعلم على ذلك الموضع ويشير إليه بالصفة نقطة. ثم إن أدار المعتبر بصره حول محيط الثقب، ونظر من كل ناحية منه إلى الحائط الأبيض، وتفقد أبعد موضع يدركه من سطح الحائط عن النقطة المفروضة، فإنه يجد أبعد الأبعاد التي يدركها بصره عن النقطة المفروضة المقابلة لمركز الثقب أبداً متساوية، لأن هذه خاصة الثقوب المستديرة.
    وليجعل المعتبر النقطة الأولى من الحائط الأبيض مركزاً، ويدير ببعد البعد الأبعد الذي يدركه بصره من سطح الحائط ويعلم عليه دائرة.
    ثم يجعل بصره ثانية على محيط الثقب وينظر إلى الدائرة المرسومة: فإنه يدرك محيط الدائرة ولا يدرك زيادة عليه. وليدر بصره حول محيط الثقب وينظر إلى محيط الدائرة المرسومة: فإن لم ير غير محيط الدائرة فالدائرة في حقها، وإن أدرك بصره زيادة على محيط الدائرة، أو لم يدرك محيط الدائرة من بعض الجهات أو من جميع الجهات، فليس الدائرة في حقها. فإن عرض ذلك فليغير الدائرة ويعتبرها ببصره إلى أن يتحرر وضعها ويكون إذا أدار بصره حول محيط الثقب رأي محيط الدائرة ولم ير زيادة عليه.
    فإذا تحرر وضع هذه الدائرة فلينتقل إلى الثقب المائل، فيجعل بصره عند محيط هذا الثقب وينظر إلى الحائط الأبيض: فإنه يدرك الدائرة المرسومة في هذا الحائط ويدرك محيطها ولا يدرك زيادة عليها. وإذا أدار بصره حول محيط الثقب المائل، ونظر إلى الدائرة وإلى أبعد موضع يدركه من الحائط، أدرك الدائرة وأدرك محيطها ولم يدرك زيادة عليها ولا نقصاناً منها.
    وذلك أن نسبة الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتباعدتين اللتين في السطح الداخل من الخشبة إلى الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتقابلتين اللتين في السطح الخارج من الخشبة، كنسبة الخط الممتد على استقامة سهم الثقب القائم من مركز الدائرة الداخلة إلى سطح الحائط الأبيض، إلى القسم من هذا الخط الذي بين الحائطين.
    فيكون سهم الثقب المائل إذا امتد على استقامة فإنه يلقى سهم الثقب القائم على النقطة بعينها التي عليها يلقى سهم الثقب القائم على السطح الأبيض.
    ومركز الدائرة المرسومة في الحائط الأبيض هي النقطة التي عليها يلقى سهم الثقب القائم سطح الحائط الأبيض.
    فسهم الثقب المائل إذا امتد على استقامة فإنه يلقى سطح الحائط الأبيض على مركز الدائرة المرسومة في الحائط بعينها.
    وإذا كان ذلك كذلك كانت نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في سطح الحائط وبين منتصف سهم الثقب المائل، إلى النصف الآخر من سهم الثقب المائل، كنسبة الخط الذي ين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين منتصف سهم الثقب القائم، إلى النصف الآخر من سهم الثقب القائم لأن الخط الذي يصل بين منتصفي السهمين مواز للخط الذي يصل بين مركزي الدائرتين .
    وهذه النسبة هي نسبة نصف قطر الدائرة المرسومة في الحائط إلى نصف قطر دائرة الثقب القائم التي تلي داخل البيت لأن محيط الدائرة المرسومة في الحائط يظهر للبصر من محيط دائرة هذا الثقب، والبصر ليس يدرك شيئاً إلا على سموت الخطوط المستقيمة ، فهو يدرك محيط الدائرة التي في الحائط على سموت الخطوط المستقيمة التي تمر بالنقط المتقاطرة في محيطي دائرتي الثقب وتنتهي إلى محيط الدائرة التي في الحائط. والبصر يدرك محيط الدائرة التي في الحائط من جميع محيط دائرة الثقب القائم. فتكون جميع الخطوط المستقيمة التي تمر بمحيطي دائرتي الثقب القائم ومحيط الدائرة التي في الحائط تتقاطع عند وسط سهم هذا الثقب لأن دائرتي الثقب متساويتان والخطوط المتقاطرة تتقاطع على وسط سهم الثقب.
    فلذلك تكون نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين منتصف سهم الثقب القائم إلى نصف سهم الثقب القائم، كنسبة نصف قطر الدائرة التي في الحائط إلى نصف دائرة الثقب الداخلة.
    ونسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين منتصف سهم الثقب القائم إلى نصف سهم الثقب القائم، كنسبة الخط الذي بين مركز الدائرة التي في الحائط وبين منصف سهم الثقب المائل إلى نصف سهم الثقب المائل.
    فتكون نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة التي في الحائط وبين منتصف سهم الثقب المائل، كنسبة نصف قطر الدائرة المرسومة في الحائط إلى نصف قطر الدائرة الداخلة من الثقب المائل لن دائرة الثقب المائل مساوية لدائرة الثقب القائم.
    وإذا كان كذلك فغاية ما يظهر للبصر من سطح الحائط عند كون البصر على محيط الثقب المائل هو محيط الدائرة المرسومة على سطح الحائط المقابلة للثقب القائم.فإن أدرك المعتبر عند وضع بصره على محيط الثقب المائل شيئاً من الحائط خارجاً عن الدائرة، فإن ذلك لأن سطح الخشبة ليس بمواز لسطح الحائط، أو البعد الذي بين الخشبة وبين الحائط ليس هو البعد بعينه الذي بحسبه كانت قسمة الخط الذي بين سطح الخشبة. فإن كان ذلك فليحرر وضع الخشبة، وينظر في الثقبين القائم والمائل إلى أن يصح وضع الخشبة ويصير الذي يدركه البصر من الثقبين جميعاً هو الدائرة المرسومة في سطح الحائط من غير زيادة ولا نقصان. لأنه إذا تحرر وضع الخشبة لم يمكن أن يدرك البصر من الثقبين إلا الدائرة بعينها التي في الحائط فقط من غير زيادة ولا نقصان.
    فإذا تحرر وضع الخشبة وأحكم تركيبها في الثقب الذي هي فيه واستوثق منها، فليثقب المعتبر في الحائط الأبيض في نفس الدائرة المرسومة فيه ثقباً مستديراً نافذاً إلى البيت الذي من وراء هذا الحائط يكون محيطه محيط الدائرة المرسومة في سطح الحائط ويكون امتداده في جسم الحائط منخرطاً كلما دخل اتسع. فإذا فرغ المعتبر من هذا الثقب فليسده بجسم أبيض نقي البياض كثيفاً، كثوب أبيض أو حجر أو قرطاس، ولا يكون هذا الجسم ثقيلاً، ويسد به جميع الثقب ، ويسوي سطح هذا الجسم مع سطح الحائط.
    ثم يراعي المعتبر ضوء الصباح، فإذا أضاء النهار، وقوي الضوء على الحائط الأبيض المنكشف للضوء، وقبل أن يشرق عليه ضوء الشمس، دخل البيت الذي فيه الثقبان واغلق الباب وأسبل على الباب ستراً صفيقاً حتى لا يدخل من الباب ولا من ثقوبه شيء من الضوء، ثم يسد الثقب المائل حتى لا يبقى في البيت ضوء إلا الضوء الذي يدخل من الثقب القائم فقط، ثم يقابل هذا الثقب بجسم كثيف نقي البياض: فإنه يجد عليه ضوءاً ما بحسب قوة الضوء الذي على الحائط الأبيض وعلى الجسم الأبيض الذي سد به الثقب، ويجد الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف مستديراً ومنخرطاً كمثل انخراط الضوء الذاتي الذي يخرج من الأجسام المضيئة من ذواتها وينفذ في الثقوب الأسطوانية.
    وإذا جعل المعتبر بصره في موضع من هذا الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف في داخل البيت، ونظر إلى الحائط الأبيض، فليس يرى إلا الجسم الأبيض الذي يسد به الثقب الذي في الحائط فقط. فإذا تبين للمعتبر هذا الضوء فليتقدم بان يرفع الجسم الأبيض الذي سد به الثقب، ويغلق باب البيت الذي ينفذ إليه هذا الثقب: فإن الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت النافذ من الثقب القائم يبطل ولا يظهر منه شيء. فإن ظهر على هذا الجسم شيء من الضوء فهو بحسب ما يصح أن يصدر الضوء الذي يصل إلى محيط داخل الثقب القائم.
    فإذا ظهر على الجسم الكثيف الذي داخل البيت ذي الثقبين في هذه الحال شيء من الضوء، فينبغي للمعتبر أن يصبغ محيط داخل الثقب القائم الذي يعتبر به الضوء بصبغ أسود لئلا يصدر عن محيط داخل هذا الثقب إلى داخل البيت الذي يليه ضوء ظاهر. وإذا صبغ محيط داخل الثقب القائم بصبغ اسود لم يظهر على الجسم الكثيف المقابل للثقب القائم عند رفع الجسم الأبيض المضيء الذي كان يسد الثقب المقابل له شيء من الضوء.
    فإذا بطل الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف المقابل للثقب القائم عند رفع الجسم المضيء الذي كان يسد الثقب المقابل له، فينبغي للمعتبر أن يتقدم برد ذلك الجسم الأبيض، ويسد الثقب الذي كان بالحائط به كما كان: فإنه يعود الضوء ويظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت كما كان يظهر في الحالة الأولى.
    فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي نفذ من الثقب القائم وظهر على الجسم الكثيف إنما هو ضوء ورد إليه من الضوء العرضي الذي على الجسم الأبيض المقابل فقط.
    وفي وقت رفع هذا الجسم وفتح الثقب المقابل وبطلان الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت يكون بين هذا الجسم الكثيف الذي في داخل البيت الذي بطل منه وبين بقية الحائط الأبيض المنكشف للضوء من جميع نواحي الحائط، وبين كثير من الجدران المضيئة، وبين جميع الجو المضيء، هواء متصل ومسافات كثيرة منحنية ومنعرجة ليس يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة . ولم يتغير إلا الموضع المقابل للثقب القائم على سمت الاستقامة فقط. ومع ذلك فليس يظهر الضوء في داخل البيت ما دام الثقب الذي في الحائط مفتوحاً وليس يقابل الثقب القائم على استقامة جسم كثيف مضيء. وإذا رد الجسم الأبيض وسد به الثقب الخارج ظهر الضوء على الجسم الذي في داخل البيت.
    ثم إن تحري المعتبر المسافة المستقيمة التي بين الثقب القائم وبين الثقب الذي في الحائط، فيقطعها بجسم كثيف نقي البياض في أي المواضع شاء من المسافة التي بينهما من خارج الثقب، وكان الضوء مشرقاً على هذا الجسم، فإن الضوء يظهر على الجسم الذي في داخل البيت. وإن تحرى المعتبر المسافة المستقيمة التي بين طرف الثقب القائم من داخل البيت وبين الجسم الذي يظهر عليه الضوء، فقطعها بجسم كثيف في أي موضع شاء منها، فإن الضوء يبطل من الجسم الأول ويظهر على الجسم الثاني.
    فمن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند كون الجسم المضيء بالضوء العرضي في الثقب الذي في الحائط الأبيض، وبطلان الضوء من هذا الجسم الكثيف عند رفع الجسم المضيء الذي في الثقب، ويتبين أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت على الجسم الكثيف المقابل للثقب له إنما هو ضوء يرد إليه من الضوء الذي في ذلك الجسم المضيء الذي في الثقب، وانه ليس يرد إليه في تلك الحال ضوء إلا من ذلك الجسم فقط.
    ومن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي فيداخل البيت عند حصول الجسم المضيء في مقابلته على الاستقامة في وقت كونه في الثقب الذي في الحائط وعند كونه في أي المواضع كان من المسافة المستقيمة التي بين الثقبين من خارج البيت، وبطلان الضوء الذي على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند رفع الجسم المضيء المقابل له مع وجود الضوء على بقية الحائط الأبيض وفي جميع الهواء المضيء بضوء النهار المتصل بالهواء الذي في الثقب وعلى كثير من الجدران المضيئة التي بينها وبين الثقب القائم هواء متصل، يتبين أن الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي ليس يصدر إلا على سمت مستقيم: لأن بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت الذي يظهر عليه الضوء وبين بقية الحائط الأبيض المضيء بضوء النهار، وبين كثير من الجدران المضيئة، وبين الهواء المضيء بضوء النهار، مسافات كثيرة بلا نهاية منحنية ومنعرجة ومقوسة متصلة بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت وبين هذه المواضع يصح أن تمتد في الهواء المتصل بينه وبين المواضع، ولم يبطل عند رفع الجسم الأبيض المقابل للثقب إلا الضوء الذي عند أطراف المسافات المستقيمة فقط التي بين الجسم الذي في داخل البيت وبين الضوء.
    وأيضاً فإن المعتبر إذا تأمل الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند حصول الجسم الأبيض مقابلاً له وجده أضعف من الضوء العرضي الذي في الجسم الخارج المقابل له. ثم إذا باعد المعتبر هذا الجسم الكثيف عن الثقب على سمت المقابلة فإنه يجد الضوء الذي يظهر عليه إذا بعد عن الثقب قد ضعف. وكلما ازداد بعداً عن الثقب ازداد الضوء الذي يظهر عليه ضعفاً.
    وإذا اعتبر المعتبر جميع هذه المعاني، فليسد الثقب القائم ويفتح الثقب المائل ويسود سطح داخل الثقب المائل ويقابله بالجسم الكثيف ويسد الثقب الذي في الحائط الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت.
    وكذلك إن قطه المسافة المستقيمة التي بين الثقب الذي في الحائط وبين الثقب المائل بالجسم الأبيض في أي موضع شاء منها ، وكان الضوء مع ذلك مشرقاً على ذلك الجسم الأبيض، فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت. ثم إذا رفع الجسم الأبيض المضيء المقابل للثقب المائل من خارج الضوء يبطل من الجسم الكثيف الذي في داخل البيت ولا يظهر عليه شيء من الضوء. وإذا أعاد الجسم الأبيض إلى الثقب المقابل أو إلى المسافة المستقيمة التي بينه وبين الثقب المائل عاد الضوء إلى الجسم الكثيف الذي في داخل البيت كمثل الحال في الثقب القائم . فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت المقابل للثقب المائل ليس يرد إلا على سمت الاستقامة وأنه ليس يرد إليه إلا من الجسم المقابل له فقط.
    فإن باعد المعتبر الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عن الثقب المائل أيضاً عند اعتبار هذا الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه يضعف، وكلما بعد عن الثقب ازداد الضوء الذي عليه ضعفاً.
    ثم ينبغي للمعتبر أن يفتح الثقبين جميعاً القائم والمائل في وقت واحد، ويقابل كل واحد منهما بجسم كثيف أبيض، ويسد الثقب الذي في الحائط بالجسم الأبيض:فإنه يجد الضوء يظهر على الجسمين جميعاً المقابلين للثقبين القائم والمائل في وقت واحد . وقد تبين أن كل واحد من هذين الموضعين ليس يرد إليه ضوء عند كون الجسم المضيء في الثقب إلا من هذا الجسم بعينه فقط، إذا كان الهواء الذي بينه وبين كل واحد من الثقبين القائم والمائل متصلاً لا يقطعه شي من الأجسام الكثيفة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت في الموضعين جميعاً في وقت واحد إنما هو ضوء يرد إلى الموضعين جميعاً معاً من ذلك الجسم المضيء المقابل لهما الذي في الثقب.
    وكذلك إن ثقب المعتبر في الخشبة الموضوعة عدة ثقوب كل واحد منها مقابل للثقب الذي في الحائط الأبيض وعلى النسبة التي تقدم ذكرها، وفتح جميع الثقوب، وقابل جميعها بجسم كثيف فسيح ، وجد على ذلك الجسم أضواء بعدد الثقوب في وقت واحد، ويكون كل واحد من تلك الأضواء مقابلاً لذلك الجسم المضيء الذي في الثقب الخارج على سمت الاستقامة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق من ذلك الجسم المضيء بضوء النهار في جميع الجهات التي تقابله على سموت مستقيمة، وإن إشراق الضوء منه في جميع الجهات معاً ودائماً ما دام مضيئاً.
    وإذا تحرر للمعتبر هذا المعنى من ضوء النهار يراعي حينئذ الموضع إلى أن يشرق ضوء الشمس على ذلك الحائط فيعتبره على الوجوه التي تقدمت، فإنه يجد الحال في ضوء الشمس كمثل الحال في ضوء النهار، إلا أنه يجد الضوء الذي يرد من ضوء الشمس أقوى وأبين.
    وكذلك إذا اعتبر ضوء القمر وجده على هذه الصفة، وكذلك إذا اعتبر ضوء النار وجده على هذه الصفة أيضاً. فإذا أراد ضوء النار فليعتمد ناراً قوية ويقابل بها الحائط الأبيض ليضيء على مثل ما تقدم، ويغلق باب البيت الذي فيه الثقبان ولا يترك في البيت شيئاً من الضوء، ويعتبر ضوء النار كمثل الاعتبار الذي تقدم: فإنه يجد الضوء يشرق من ضوء النار الذي يظهر على الجسم المسدود به الثقب على مثل إشراق الأضواء ولا يخالفها إلا في القوة والضعف فقط.
    فيتبين من جميع هذه الاعتبارات بياناً واضحاً ان الأضواء العرضية التي في الأجسام الكثيفة يشرق منها ضوء في جميع الجهات التي تقابلها، وأن إشراق الضوء منها ليس يكون إلا على سموت مستقيمة، وأن الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي يكون أضعف منه، وكلما بعد من الضوء الذي يصدر ازداد ضعفاً.
    فلنسم هذه الأضواء، أعني الأضواء التي تصدر عن الأضواء العرضية على طريق الانعكاس كما تنعكس عن الأجسام الصقيلة، بل إنما تصدر عنها الأضواء الأول الذاتية عن الأجسام المضيئة من ذواتها، وما كان من هذه الأجسام صقيلاً أو كانت فيه أجزاء صقيلة، وأشرق عليها ضوء ما، فإن ذلك الضوء ينعكس منها ومع ذلك يصدر عنها ضوء ثان كما يصدر عن الأجسام المضيئة من ذواتها. فلنبين الآن هذه الحال أيضاً بالاستقراء والاعتبار، وذلك كما نصف:
    يتحرى المعتبر بيتاً يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب مقتدر ليس بكل الفسيح، ويكون الضوء مع ذلك ينتهي إلى أرض البيت، ويراعي دخول ضوء الشمس إلى هذا البيت. فإذا دخل ضوء الشمس وظهر في أرض البيت أغلق الباب ولم يترك للضوء سبيلاً إلى البيت إلا الضوء الذي يدخل من الثقب:فإنه يجد البيت في هذه الحال مضيئاً بذلك الضوء ويجد الضوء في جميع نواحيه، ويجد كلما كان من جدران البيت قريباً من ذلك الضوء فإن الضوء الذي ظهر عليه يكون أقوى، وكلما كان من الجدار بعيداً فإن الضوء الذي يظهر عيه يكون أضعف. ثم يعتمد المعتبر مكوكاً أو جسماً أجوف فيتلقى به ذلك الضوء ليصير جميع الضوء في داخل ذلك الجسم. فعند هذه الحال يجد البيت مظلماً والضوء الذي كان يظهر على الجدار بطل، إلا ما لعله يقابل الضوء الذي في داخل الجسم الأجوف من علو البيت. ثم إذا رفع ذلك الجسم عاد البيت مضيئاً وظهر الضوء على جميع نواحي البيت. فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت إنما هو ضوء ثان يشرق عليه من ضوء الشمس الذي يظهر في أرض البيت.
    ثم يعتمد المعتبر صفيحة من الفضة ويصقلها حتى تصير كالمرآة. وإنما الاعتبار بالفضة أبين من الاعتبار بالمرايا الحديد لأن المرايا الحديد تكسف الأضواء بألوانها لأن ألوانها مظلمة فلا تكون الأضواء المشرقة عنها بينة إلا المنعكس فقط لقوته، وسنبين العلة في ذلك عند كلامنا في الانعكاس. فيضع المعتبر الصفيحة الفضة في موضع ضوء الشمس، وليتحر أن يكون على مقدار الضوء أو أوسع منه، فإن زاد الضوء عليها ضيق الثقب ليصير جميع الضوء على الصفيحة. فإذا صار الضوء على الصفيحة فإنه يجد الضوء ينعكس عنها إلى موضع واحد مخصوص، لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية، وسنبين هذا المعنى عند كلامنا في الانعكاس. ويجد هذا الضوء في الجهة المقابلة للجهة التي فيها الشمس، ويظهر ضوء هذا الانعكاس على الجدار المقابل للثقب أو على سقف البيت إن كان البيت واسعاً، ويجد هذا الضوء قوياً قريب الشبه والقوة من ضوء الشمس وأقوى من جميع الضوء الذي في سائر نواحي البيت، ويوجد هذا الضوء محصوراً متناهياً. فإذا ظهر هذا الضوء، فليتأمل المعتبر جميع نواحي البيت: فإنه يجده مضيئاً، ويجد الضوء الذي فيه أقوى وأبين مما كان ، من أجل بياض الصفيحة.
    وليس لذلك الضوء سبب إلا ضوء الشمس الذي هو في هذه الحال على الصفيحة، لأنه إذا تلقى هذا الضوء بالجسم الأجوف على الوجه الذي تقدم خفي الضوء الذي في جميع نواحي البيت . وليس يجوز أن ينعكس الضوء عن الصفيحة إلا إلى موضع واحد مخصوص فقط، وهو الموضع الذي يظهر فيه ضوء الانعكاس في هذه الحال هو متميز منفرز ومع ذلك أقوى من جميع الضوء الذي في جميع نواحي البيت. فليس الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو ضوء الانعكاس.
    ثم إن اعتمد المعتبر جسماً كثيفاً أبيض فقربه إلى الصفيحة وقابلها به على التاريب من غير جهة الانعكاس وجد على الجسم الكثيف ضوءاً بيناً. ثم إن بعد هذا الجسم عن الصفيحة ضعف الضوء الذي عليه. وإذا قربه أيضاً قوي الضوء الذي يظهر عليه. وإن أراد الجسم حوالي الصفيحة من جميع جهاتها غير جهة الانعكاس، وقابل به الصفيحة، وجد الضوء يظهر عليه في جميع الجهات، ومع ذلك يجد الضوء المنعكس على حاله.
    ثم إذا رفع الصفيحة وجد الضوء أيضاً في جميع نواحي البيت لا يبطل منه إلا الضوء المنعكس فقط. وإن جعل في موضع الضوء جسماً أبيض نقي البياض غير صقيل وجد الضوء في جميع نواحي البيت قد قوي وزاد، ولا يجد في البيت ضوءاً منعكساً كما كان يجده عن الصفيحة الصقيلة. وإن رفع ذلك الجسم وجعل مكانه جسماً أسود أو مظلماً فإنه يجد الضوء في جميع نواحي البيت قد انكسف وضعف.
    فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو ضوء ثان يصدر عن الضوء العرضي الذي حصل في أرض البيت من ضوء الشمس، وأن إشراقه على جميع نواحي البيت ليس هو بالانعكاس.
    وكذلك إن اعتبر ضوء القمر على هذه الصفة وجده ينعكس، ومع ذلك يشرق في جميع الجهات كما يشرق الضوء عن ضوء الشمس الذاتي.
    وكذلك ضوء النار الذي يشرق على الأرض وعلى الجدار وعلى الأجسام الكثيفة إذا اعتبر وجد الضوء يشرق منه في جميع الجهات التي تقابله، ومع ذلك ينعكس عن الأجسام الصقيلة كما ينعكس جميع الأضواء.
    فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق عن الأضواء العرضية على سموت مستقيمة في جميع الجهات المقابلة لها كما تشرق الأضواء الذاتية، وان هذا الإشراق ليس هو بالانعكاس، وان ما كان من هذه الأضواء على الأجسام الصقيلة فإن الضوء يشرق منها في جميع الجهات كما يشرق عن غيرها ومع ذلك ينعكس عنها على الجهة التي تخص الانعكاس، وان الضوء الذي ينعكس عن الأجسام الصقيلة يكون أقوى من الضوء الذي يشرق عنها في جميع الجهات.
    وأيضاً فإنه يلزم في الأضواء العرضية التي تظهر في الأجسام الكثيفة أن يكون كل جزء منها وإن صغر فإن يشرق منه في جميع الجهات، وإن تعذر اعتبار الأجزاء الصغار على انفرادها وخفيت أضواؤها عن الحس. لأن كل واحد من هذه الأضواء هو طبيعة واحدة ولا فرق بين الأجزاء الكبار منها وبين الأجزاء الصغار في الكيفية وإنما الفرق بينهما في الكمية، فالذي يعرض عن الأجزاء الكبار من جهة كيفيتها يلزم في كيفية صغار الأجزاء ما دامت حافظة لصورة نوعها. فإن لم يظهر ضوء الأجزاء الصغار للحس منفردة أو لم يقدر على تمييزه منفرداً فلقصور الحس عن إدراك ما تناهي في الضعف والصغر. وأريد بأجزاء الضوء العرضي الأضواء التي في أجزاء الجسم المضيء بالضوء العرضي أي ضوء كان.
    وأيضاً فإننا نقول عن الأضواء المنعكسة ليس تمتد من موضع الانعكاس إلا على خطوط مستقيمة.
    واعتبار هذا المعنى يسهل، وذلك بان يعتمد المعتبر في وقت ظهور الضوء المنعكس على موضع من المواضع جسماً كثيفاً فيقطع به المسافة المستقيمة التي بين السطح الصقيل الذي عنه انعكس الضوء وبين الموضع الذي يظهر فيه الضوء المنعكس: فإنه يجد الضوء المنعكس يظهر على الجسم الكثيف الذي قطع به تلك المسافة ويبطل من الموضع الأول. وإذا حرك الجسم الكثيف في طول المسافة المستقيمة الممتدة بن السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس وجد الضوء المنعكس أبداً على الجسم الذي تحرك في تلك المسافة. وإذا أخرج هذا الجسم من المسافة المستقيمة ظهر الضوء في الموضع الأول . وإذا قطع بعض المسافة المستقيمة بجسم صغير بطل جزء من الضوء المنعكس وظهر على ذلك الجسم الصغير ضوء منعكس.
    وإذا كان موضع الضوء المنعكس قريباً من السطح الصقيل، وداخل المعتبر في المسافة المستقيمة التي بينهما ميلاً دقيقاً معترضاً، ظهر في الضوء المنعكس ظل ذلك الميل ، وظهر على الميل ضوء منعكس. وإن حرك الميل في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبداً في مكانه ووجد الضوء المنعكس أبداً على الميل. وإذا اخرج الميل من تلك المسافة عاد الضوء إلى موضع الظل. وقد يمكن أن يحرر المسافة المستقيمة التي بين الميل وبين الظل بمسطرة تمتد فيما بينهما ويحرك الميل في طولهما. وإن جعل المعتبر الميل في جهة غير تلك الجهة من محيط الضوء المنعكس، وداخله في الضوء المنعكس، وجد حاله أبداً على صفة واحدة ، اعني انه يجد له ظلاً في الضوء المنعكس. وإذا حركه في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل في موضعه.
    وبين السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس مسافات كثيرة منحنية ومنعرجة ومقوسة لا يقطعها شيء من الجسام الكثيفة. فلو كان الضوء ينعكس على غير الخطوط المستقيمة لكان الضوء المنعكس يظهر في موضعه مع قطع المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل بالجسم الكثيف.وإذا كان ليس يظهر الضوء في موضع الانعكاس إذا قطعت المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل الذي انعكس عنه الضوء بالجسم الكثيف مع اتصال المسافات الباقية، ويظهر على الجسم الكثيف من تلك المسافة ظهر الضوء المنعكس في موضعه، يتبين من هذه الحال أن الضوء ليس ينعكس عن الجسم الصقيل إلا على الخطوط المستقيمة. وإذا اعتبر المعتبر الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة المختلفة الأشكال والهيئات وجد الضوء ليس ينعكس عن شيء منها على الخطوط المستقيمة.
    فيتبين من هذا الاعتبار بياناً واضحاً أن الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة ليس تنعكس إلا على خطوط مستقيمة.ويتبين من انعكاس الضوء على الجسم الصقيل إلى موضع مخصوص أن الضوء ليس ينعكس إلا على خطوط مستقيمة مخصوصة، لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن تمد من موضع الانعكاس في جميع الجهات.
    ونقول أيضاً إن الأضواء التي تنفذ في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء كالزجاج والماء وأحجار المشفة وما يجري مجراها إذا امتدت بعد نفوذها في هذه الجسام فليس تمتد إلا على خطوط مستقيمة أيضاً .
    وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى أيضاً بسهولة ، وذلك يكون بان يعتمد المعتبر جاماً من الزجاج الصافي المشف المستوي السطح أو حجراً من الأحجار المشفة، ويقابل به الشمس في موضع يظهر فيه ضوء الشمس على الأرض أو على الجدار: فإنه يجد له ظلاً على الأرض أو الجدار، ويجد ضوء الشمس مع ذلك ينفذ في الجسم المشف ، ويظهر في ظل ذلك الجسم المشف ضوء ما دون ضوء الشمس الصريح. ثم إذا قطع المعتبر المسافة التي بين هذا الظل وبين الجسم المشف بجسم كثيف بطل الضوء النافذ الذي كان يظهر في الظل، وظهر على الجسم الكثيف. وإذا حرك المعتبر ذلك الجسم الكثيف في طول المسافة المستقيمة التي بين موضع الضوء النافذ وبين الجسم المشف وجد الضوء النافذ أبداً على الجسم الكثيف. وإذا خرج الجسم الكثيف من تلك المسافة المستقيمة ظهر الضوء النافذ في الظل. وإن قرب الجسم المشف من موضع الظل وداخل في المسافة المستقيمة التي بين هذا الضوء النافذ وبين الجسم المشف جسماً كثيفاً دقيقاً ، كالميل وما جرى مجراه، ظهر ظل ذلك الجسم الدقيق في الضوء النافذ. وإذا حرك الجسم الدقيق في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبداً في موضعه. وإن اخرج ذلك الجسم الدقيق من المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله ظهر الضوء في موضع ظله. وإن جعل ذلك الجسم في موضع من المسافة المستقيمة التي بين الضوء النافذ وبين الجسم المشف غير الموضع الأول ، واعتبره على مثل ما اعتبر في الأول وجد الحال مثل الحالة الأولى.
    وفيما بين موضع الضوء النافذ في الجسم المشف، الظاهر في ظله في حال اعتباره، وبين الجسم المشف الذي نفذ فيه الضوء مسافات كثيرة مختلفة منحنية ومقوسة ومنعرجة ليس يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. فلو كان الضوء النافذ في الجسم المشف يمتد بعد مفارقته للجسم المشف على مسافة غير المسافة المستقيمة لقد كان الضوء النافذ يظهر في الظل مع قطع المسافة المستقيمة بالجسم الكثيف. فإذا كان الضوء يبطل عند قطع المسافة المستقيمة بالجسم الكثيف من هذه المسافة رجع الضوء إلى موضعه، دل ذلك على أن الضوء النافذ في الجسم المشف ليس يمتد بعد خرجه من الجسم المشف إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من امتداد الضوء النافذ إلى موضع مخصوص، لا إلى جميع المواضع، أن الضوء النافذ في الجسم المشف إنما يمتد بعد نفوذه على خطوط مستقيمة مخصوصة، لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن تمتد من موضع النفوذ في جميع الجهات.
    وامتداد الضوء في نفس الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس يكون أيضاً إلا على خطوط مستقيمة، إلا أن الخطوط المستقيمة التي عليها يمتد الضوء في الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس تكون على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء في الهواء إلى الجسم المشف ولا على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء بعد خروجه من الجسم المشف، إلا إذا كانت الخطوط أعمدة على سطح الجسم المشف: لأن الضوء إذا وصل إلى الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الجسم الذي هو فيه، ولم يكن قائماً على سطح الجسم المشف الذي وصل إليه، انعطف ولم ينفذ على استقامة. وكذلك إذا خرج من الجسم المشف الذي وصل إليه، ولم يكن قائماً على سطحه الثاني، انعطف أيضاً انعطافاً ثانياً ولم ينفذ على استقامته. وسنبين هذا المعنى من بعد عند كلامنا في الانعطاف بياناً مستقصى.
    وأيضاً فإنه إذا اعتبر الضوء الذي في الموضع من الجسم المشف الذي منه يخرج الضوء النافذ فيه وجد هذا الضوء يشرق منه أيضاً ضوء ثان كما يشرق الضوء الثاني من جميع الأقسام المضيئة بالضوء العرضي.
    وهذا المعنى يمكن أن يعتبر بالضوء الذي يدخل من الثقب إلى داخل البيت إذا أغلق باب البيت ولم يبق في البيت ضوء سوى الضوء الذي يدخل من الثقب، وجعل الثقب أضيق من الجسم المشف، وقوبل بالجسم المشف الثقب عند دخول ضوء الشمس من الثقب وتحرى أن يحصل جميع الضوء على الجسم المشف: فإنه يجد الضوء ينفذ في الجسم المشف ويظهر في موضع مخصوص من البيت. ثم إن قرب إلى الجسم المشف من ورائه ومن غير المسافة المستقيمة التي يمتد منها الضوء النافذ جسم أبيض كثيف فإنه يظهر عليه ضوء ما. وإذا بوعد ذلك الجسم الأبيض عن الجسم المشف ضعف ذلك الضوء كمثل حال الأضواء الثواني. وإن أدير الجسم الأبيض حول الجسم المشف من جميع جهاته، ولم يدخل في المسافة التي يمتد فيها الضوء النافذ ، وجد عليه هذا الضوء الثاني مع امتداد الضوء النافذ إلى الموضع الذي يخصه.
    فقد تبين من جميع ما شرحناه وبيناه بالاستقراء والاعتبار أن إشراق جميع الأضواء إنما هو على سموت خطوط مستقيمة فقط، وإن كل نقطة من كل جسم مضيء ذاتياً كان الضوء الذي فيه أو عرضياً فإن الضوء الذي فيها يشرق منه ضوء على كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتداً منها في الجسم المشف المتصل بها. فيلزم من ذلك أن يكون الضوء يشرق من كل نقطة من كل جسم مضيء في الجسم المشف المتصل إشراقاً كرياً، أعني على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الجسم المشف. ويلزم أن يكون الجسم المشف هواء كان أو غيره إذا أضاء بضوء ما أي ضوء كان فإن الضوء الذي فيه هو ضوء يشرق عليه من كل نقطة من الضوء الذي منه أضاء ذلك الجسم المشف على كل سمت مستقيم يمتد من تلك النقطة في ذلك الجسم. فعلى هذه الصفة يكون إشراق جميع الأضواء من جميع الأقسام المضيئة .
    وقد تبين أيضاً ان الأضواء الثواني أضعف من الأضواء التي عنها تصدر، وكلما بعدت هذه الأضواء عن مبادئها ازدادت ضعفاً.وقد تبين أن الأضواء المنعكسة تمتد على خطوط مستقيمة مخصوصة، لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من موضع الانعكاس، وأن الأضواء النافذة في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء إنما تمتد بعد خروجها من الأجسام المشفة التي تنفذ فيها على خطوط مستقيمة مخصوصة أيضاً لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من وضع النفوذ.
    وأيضاً فإننا نجد كثيراً من الألوان التي في الأجسام الكثيفة المضيئة بضوء عرضي تصحب الأضواء التي تشرق من تلك الأجسام، وتوجد صورة اللون أبداً مع صورة الضوء. وكذلك الأجسام المضيئة من ذواتها توجد أضواؤها شبيهة بصورها التي تجري مجرى الألوان. فإن ضوء الشمس صورته التي تجري مجرى اللون شبيهة بصورة الشمس . وكذلك ضوء النار شبيه الصورة بصورة النار.
    فأما صور الألوان التي تصحب الأضواء العرضية فإنها تظهر ظهوراً بيناً إذا كانت الألوان أنفسها قوية، وكانت الأضواء المشرقة عليها قوية، وكان مقابلاً لها أجسام مسفرة الألوان، وكانت تلك الأجسام معتدلة الأضواء. وذلك أن الأجسام المشرقة الألوان ، كالأرجوانية والفرفيرية والصعوية والريحانية وما جرى مجراها، إذا أشرق عليها ضوء الشمس وكان بالقرب منها جدار أبيض أو جسم نقي البياض، وكان الضوء الذي على هذا الجدار معتدلاً، وهو أن يكون في ظل، فإن تلك الألوان المشرقة تظهر صورها على الجدار والأجسام البيض القريبة منها مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس المشرق عليها.
    وكذلك أيضاً إذا أشرق ضوء الشمس على روضة خضراء متقاربة النبات، وكان بفنائها جدار نقي البياض، وكان قريباً منها، وكان مستظلاً عن الشمس، فإن خضرة الزرع تظهر على ذلك الجدار.
    وكذلك الشجر إذا أشرق عليها ضوء الشمس، وكان مقابلاً لها وبالقرب منها جدار أبيض مستظل، أو كانت أرضها مسفرة اللون، فإن خضرة الشجر تظهر على ذلك الجدار أو على الأرض .وإن اجتاز مجتاز بفناء الرياض أو بفناء الشجر التي قد أشرق عليها ضوء الشمس، وكان المجتاز في الظل، وكان ثوبه نقي البياض، فإن خضرة الرياض أو الشجر تظهر على ثوبه.
    وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى في كل وقت على الصفة التي نذكرها:
    يعتمد المعتبر بيتاً يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب فسيح قدره ليس بأقل من عظم الذراع في مثله، ويكون الضوء ينتهي إلى أرض البيت، ويكون البيت ضيقاً متقارب الجدران، وتكون جدرانه نقية البياض. ويراعي دخول الضوء من الثقب: فإذا دخل ضوء الشمس من الثقب وظهر على أرض البيت أغلق الباب وأسبل عليه ستراً صفيقاً حتى لا يدخل البيت ضوء إلا من الثقب. ثم يجعل في موضع الضوء جسماً أرجوانياً، وليمثل به موضع الضوء حتى لا يفضل من الضوء شيء. وليكن سطح الجسم الأرجواني مستوياً ليشتمل الضوء جميع سطحه وتكون صورة الضوء عليه متشابهة: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني على جدران البيت من جميع جهاته مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس.
    فإن كان البيت فسيحاً ولم يظهر اللون على جدرانه ظهوراً بيناً لبعدها عن موضع الضوء فسيحاً ولم يظهر اللون على جدرانه ظهوراً بيناً لبعدها عن موضع الضوء فليقرب المعتبر إلى موضع الضوء ثوباً أبيض، ولا يولجه في نفس الضوء بل يقربه منه ويقابله به: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني على الثوب الأبيض مع الضوء، إلا أنه يجد هذه الصورة أضعف من اللون نفسه، ويجدها ممتزجة بالضوء. وإذا باعد الثوب عن موضع الضوء ازداد هذا اللون الذي يظهر على الثوب ضعفاً، كما يزداد الضوء الممازج له ضعفاً. وإذا أدار الثوب من جميع جهات موضع الضوء الذي فيه الجسم الأرجواني وجد صورة اللون عليه في جميع الجهات . وإن جعل حوالي الضوء عدة أجسام نقية البياض من جميع جهاته، وقابل بكل واحد منها الضوء، وجد صورة اللون على جميع تلك الأجسام وممازجة للضوء.
    ثم يرفع الجسم الأرجواني ويجعل مكانه جسماً فرفيرياً ويعتبر لونه على الوجه الذي تقدم: فإنه يجد لونه أيضاً يشرق في جميع الجهات. ثم يرفع الجسم الفرفيري ويجعل مكانه جسماً ريحانياً ويعتبر لونه: فإنه يجده كذلك. وإن جعل موضع الضوء جسماً بأي لون كان من الألوان المشرقة، فإنه يجد لونه يشرق مع الضوء الذي عليه في جميع الجهات. ثم إن جعل في موضع الضوء جسماً أبيض نقي البياض فإنه يجد جميع نواحي البيت قد ازداد ضوءاً كما ذكرنا من قبل وذلك من أجل بياض الجسم الذي في الضوء. ثم إن رفع الجسم الأبيض وجعل مكانه جسماً أسود فإنه يجد البيت قد اظلم وطفئ الضوء الذي كان فيه من أجل سواد الجسم الذي في الضوء.
    فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون يشرق عن الجسم المتلون المضيء ويمتد في جميع الجهات كما يشرق الضوء الذي في ذلك الجسم، ويكونان أبداً معاً، وتكون صورة اللون ممازجة لصورة الضوء، وأن صورة اللون التي تمتد مع صورة الضوء تكون أضعف من اللون نفسه، وكلما بعدت عن الجسم المتلون ازدادت ضعفاً كمثل ما في الضوء.

    ● [ لهذا الفصل بقية ] ●

    المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ] Fasel10

    كتاب : المناظر ● تأليف : ابن الهيثم
    منتدى نافذة ثقافية . البوابة
    المقالة الأولى [ تابع الفصل الثالث ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:58 pm