من طرف صبايا الأربعاء أكتوبر 06, 2021 5:14 am
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ تابع باب ما جاز أن يكون خبرا ] ●
الثاني : الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد :
وذلك قولك : ( ضَربَ زيدٌ عمراً ) اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع مسائله اسمانِ في كل مسألة فاعلٌ ومفعولٌ فإن قيل لك : ( أخبرْ عن الفاعلِ بالذي ) قلت : ( الذي ضَربَ عمراً زيدٌ ) فالذي رفع بالإبتداء ( وضَربَ عمراً ) صلتهُ وفي ( ضَرَبَ ) ضميرُ ( الذي ) هو راجع إليه وضَربَ وعمروٌ في صلة ( الذي ) وبهما تم اسماً والخبرُ زيدٌ وزيدٌ هو ( الذي )
فإن قيلَ لكَ : ثَنِّ واجمعْ قلتَ : ( اللذانِ ضربا عمراً الزيدانِ ) والذين ضربوا عمراً الزيدونَ لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساوياً لهُ وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ الذي والضميرُ والخبرُ فإن قيل لك : أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت ( الضاربُ عمراً زيدٌ ) والتفسير كالتفسير في ( الذي ) فإن قيل لك : ثَنِّ واجمعْ
قلتَ : ( الضاربانِ عمراً الزيدانِ ) والضاربون عمراً الزيدون ولا يجوز أن تقول : ( الضاربُ عمراً الزيدانِ لأن المبتدأَ قد نقص عدده عن عدة الخَبِر والضاربُ عمراً واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ فإذا ثنيتَ وجمعتَ
قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع ( اللذين ) في الألف واللام أن يكون الإسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظيرُ ( الذي ) وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه فإن رفعتَ ( الذي ) رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ وكذلك يكونان إذا قامَ أحدهما مقامَ الآخر
ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو : ( الضاربُ ) كإعرابِ ( الذي ) كذلك ثُني وجُمع تثنيته وجمعَهُ ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لأنفصلت كإنفصال ( الذي ) من الصلة فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الإسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول فإن قيل لكَ أخبرْ عن المفعول في قولك : ضَربَ زيدٌ عمراً قلت : ( الذي ضربَهُ زيدٌ عمروٌ ) وحذف الهاء حسنٌ كما خبرتك به وإنْ شئت قلتَ : الذي ضربه زيدٌ عمروٌ فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ والهاء ترجع إلى ( الذي ) وعمروٌ خبرَ المبتدأ والذي هو عمروٌ
فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ : الضاربهُ زيدٌ عمروٌ جعلتَ : الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيداً بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : الضاربهما زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ فإذا قلتَ : ( ضربتُ زيداً ) فقيلَ لك : أَخبر عن ( التاءِ ) فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي بالمكنى المنفصل فتقول : ( الذي ضَربَ زيداً أنا ) فإن قيل لك : أَخبرْ عن زيدٍ قلتَ : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) لأنَ الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل فإن ثنيتَ أو جمعتَ الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله وقال المازني مثلُ ذلك قال أبو بكر والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما ( كانَ ) يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ
وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى ( أَفعلَ ) تعدى فلما كانَ يجوز أن أقول : ( عَلمَ زيدٌ ) فاقتصر على الفاعل جاز أنْ أقول : ( أَعلمَ اللّهُ زيداً ) ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى لأنَّكَ إذا قلت : ( ظننتُ زيداً منطلقاً ) فالشكُّ إنما وقعَ في الإنطلاق لا في زيدٍ فلذلك لا يجوز أن تقول : ( ظننتُ زيداً ) وتقطع الكلام ويجوز أن تقول : ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ وهذا لا خلاف فيه وإذا جازَ أن تقول : ( ظننتُ وتسكت فيساوي ( قمت ) في أنه لا يتعدى جاز أن تقول : ( أظننت زيداً ) إذا جعلته يظن بهِ كما تقول أَقمتُ زيداً لأنه لا فرق بين ( ظَنَّ زيدٌ ) إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ كما تقولُ : أَقمتُ زيداً وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى ( أفعلَ ) تعدّى إلى واحدٍ فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ فإن نقلتَ ( فَعَلَ ) إلى ( فُعِلَ ) كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى ( فُعِلَ ) وإنْ كان يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعدَ بعدهُ إلى مفعولٍ وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدى إلى مفعولين ( فَفُعِلَ ) ينقصُ مِنْ المفعولاتِ و ( أَفَعلُ ) يزيدُ فيها إذا كان منقولاً من ( فَعَلَ ) فإذا أخبرتَ عن الفاعل ( بالذي ) من قولكَ : أعلمَ اللّهُ زيداً عمراً خيرَ الناسِ قلت : ( الذي أَعلمَ زيداً عمراً خيرَ الناسِ اللّهُ ) وتفسيرهُ كتفسير ما قبله فإن قيلَ لكَ ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ كُفرٌ لأنَّ الله عز و جل لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه ولكن لو قلت : ( أعلمَ بكرٌ عمراً زيداً خيرَ الناسِ ) لجاز تثنية بكرٍ وجمعهُ عى ما تقدمَ من البيان وإن قلته : بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله وذلك قولك : ( المعلمُ زيداً عمراً خيرُ الناسِ اللّهُ ) والمنبىء زيداً عمراً أَخاكَ اللّهُ وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت : ( المعلمهُ الله عمراً خيرَ الناسِ زيدٌ ) وإثباتُ الهاءِ ها هنا هو الوجه وحذفها جائز وهو ها هنا أسهل عندَ المازني وعندي لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ وإن أخبرت عن المفعول الثاني قلت : ( المعلمهُ الله زيداً خيرَ الناسِ عمروٌ ) وإن شئتَ قلت : ( المعلم الله زيداً إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمروٌ ) وهو الوجهُ والقياسُ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لِبْساً فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ : أَعن الأول أم الثاني وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث قدمتَ الضمير إنْ شئتَ قلت : ( المعلمهُ الله زيداً عمراً خيرُ الناسِ ) وإنْ أخرت قلت : المعلمُ اللّهُ زيداً عمراً إيَّاهُ خيرُ الناسِ وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقعض الإسم الذي انتزع ليخبر عنه في موضعه
[ السادس ]
السادس : الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به :
اعلم : أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل حكمهُ حكم الفاعل تقول : ضُرِبَ زيدٌ كما تقول : ( ضَربَ زيدٌ ) فإذا أردت أن تخبر عن ( زيدٍ ) من قولك : ضُربَ زيدٌ بالذي قلت : ( الذي ضُرِبَ زيدٌ ) ففي ( ضَرِبَ ) ضميرُ ( الذي ) والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل فإن ثنيتَ قلت : ( اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ ) وإن جمعت قلت : ( الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ ) فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت : ( المضروب زيدٌ ) لأن مفعولاً في هذا الباب كفاعل في غيره أَلا ترى أنَّكَ إذا جعلتهُ صفة قلتَ : ( رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ ) ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ فإن ثنيتَ قلت : ( المضروبانِ الزيدانِ ) و ( المضروبونَ الزيدون ) وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل فإن قلتَ : ( أُعطِي زيدٌ درهماً ) فأخبرتَ عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( أُعطي درهماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ : ( الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ ) ولكَ أن تقولَ : ( أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ ) وهو القياسُ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس ولكن لو كان أصل المسألة : أُعطي زيدٌ عمراً
ما جاز هذا عندي فيه لأنه ملبس لا يعرف المأخوذ من الآخذ وليس الدرهم كذلك لأنه لا يجوز أن يكون آخذاً وعلى هذا المثال : ( بابُ ظننتُ وأخواتُها ) تقول : ظُنَّ زيدٌ قائماً فإن أخبرتَ عن ( زيدٍ ) بالذي قلتَ : الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ
وإن أخبرت عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ ولكَ أن تقول : ( الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) وهو القياسُ وإن قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( المظنونُ قائماً ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهُ زيدق قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) فإن ثنيتَ قلتَ : ( المظنونانِ قائمين الزيدانِ ) وإن جمعتَ قلتَ : ( المظنونون قائمينَ الزيدونَ ) فإذا أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهما الزيدانِ قائمانِ ) وإن شئت قلت : ( المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ ) وعلى هذا القياسُ في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
[ السابع ]
السابع : الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد :
وذلك كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ تقول : ( كانَ عبدُ الله أَخاكَ وأَصبحَ زيدٌ أَباك ) فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت : ( الذي كانَ أخاكَ عبد اللِه ) ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة ( الذي ) و ( الذي ) مبتدأٌ وعبد اللِه خبرهُ والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله
فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت : ( الكائنُ أَخاكَ زيدٌ ) وتقديرهُ تقديرُ : ( الضاربِ أخاكَ زيدٌ ) ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم ( كانَ ) فأما خبرها ففيه اختلاف فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول : الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ والمصبحهُ عمروٌ أخوكَ وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلاً فقلت : ( الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ وقال قوم : إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ لأن معناهُ : ( كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا ) فكما لا يجوز أن تخبر عن ( كانَ من أمرهِ كذا وكذا ) كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا كان في معناه كذا حكى المازني جميع هذا
قال أبو بكر : والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس إضمارهُ متصلاً إنما هو مجازٌ وعلامات الإِضمارِ ها هنا غيرُ محكمةٍ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع ( إياَّه ) ذلك الموقع فأجازتهم إيّاهُ ( في ) كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ها هنا قال الشاعر :
( ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْراً ... لا تَرىا فيه عَريبا )
( لَيْسَ إيَّايَ وإيَّاكَ ... ولا نَخْشَى رَقِيبَا )
فقال : ( ليسَ ) إيَّاي ولم يقل : ليسني فقد فارقَ باب ( ضربني ) وقد روى ( عليهِ رجلاً ليسني ) وإنما هذا كالمثل لأنهم لا يأمرون ( بعليكَ ) إلا المخاط بَ فقد شذ هذا من جهتين من قولهم : ( عليهِ ) فأمروا غائباً ومن قولهم : ( ليسني ) فأجروهُ مجرى ( ضربني ) فإذا قلت : ( ليسَ زيدٌ أخاكَ ) وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول فإنَّهُ لا يجوز إلا ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام لأن ( ليسَ ) لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول : ( يفعلُ ) منها ولا شيئاً من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ وأصلها ( لَيِسَ ) مثل ( صَيِدَ ) البعيرُ
وألزمتِ الإِسكانَ إذ كانت غير متصرفةٍ فتقول : إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ : ( ليسَ زيدٌ أَخاكَ ) الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ وإن أخبرتَ عن المفعول قلت : الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ ) على قياسِ الذين أجازوهُ في ( كانَ ) والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ ( كانَ ) وأخواتِها يحتجون بقول أبي الأَسود الدؤلي :
( فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ ... أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها )
فجعله كقولك : اضربها ويضربها ولو قلت : ( كانَ زيدٌ حسناً وجههُ ) فأخبرت عن الوجه لم يجز لأنَّك كَنتَ تضع موضعهُ ( هُوَ ) فتقول : الذي كانَ زيدٌ حسناً هُو وجههُ إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الإسم الذي تخبر عنه ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) كما بينتَ فيما تقدمَ فإذا كان ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ : ( حسناً وجههُ بأَسرهِ ) جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب فتقول : الكائنهُ زيدٌ حَسُنٌ وجههُ ولو أخبرتَ ( بالذي ) لقلت : ( الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ ) وحذفت ضميرَ المفعولِ من ( كانَ ) كما حذفتهُ من ( ضَرَبَتُ ) حينَ قلتَ : الذي ضَربَ زيدٌ ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ وإنْ أخبرت بالذي على قول من جعل المفعول ( إيَّاهُ ) لم يجز حذفهُ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول : الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه
[ الثامن ]
الثامن : الظروف من الزمان والمكان :
اعلم : أنَّ الظرف إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسماً وصار كسائر المفعولات إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلا ضميره إلا بحرف الجر إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبُه كنصبِ سائر المفعولاتِ وهذه الظروف منها ما يكن اسماً وظرفاً ومنها ما يكونُ ظرفاً ولا يكون اسماً وقد تقدم ذكرها في هذا الكتاب إلا أنَّا نعيدُ منه شيئاً ها هنا ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه فالذي يكون منه ظرفاً واسماً ضمَّ اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك
وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو ( ذاتَ مرةٍ وبُعيداتَ بَينٍ وبكراً وسَحَراً ) إذا أردتَ ( سَحراً ) بعينه ولم تصرف ولَم تُردْ سحراً من الأسحارِ وكذلك ضَحيّاً إذا أردت ضُحَى يومِكَ وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفاً وأما الأماكن وما يكون منها اسماً فنحو المكان والخَلْفِ والقدام والأمامِ والناحية وتكون هذه أيضاً ظروفاً والظروفُ كثيرةٌ وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو : عندَ وسوى وسواءٌ إذا أردتَ بهنَّ معنى ( غير ) لم تستعملُ إلا ظروفاً ورُبَّما كان الظرفُ ظرفاً والعمل في بعضه لاَ في كلِه نحو : آتيكَ يومَ الجمعةِ وإنما تأتيهِ في بعضه لا كلهِ وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب ( مَتى ) فعلى هذا يجيء وأما ما كان جواباً ( لكم ) فلا يكون العمل إلا فيه كله نحو : سرتُ فرسخينِ وفرسخاً وميلاً لا يجوز العمل في بعضه دون بعضٍ
وإذا قلت : صمتُ يوماً لم يجزْ أن يكون الصومَ في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُلِه
فما كان من الظروف قد يستعمل اسماً فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفاً لم يجز الإِخبارُ عنه تقول : ( ذهبتُ اليومَ ) فإذا قيلَ لكَ : أَخبرْ عنِ اليومِ ( بالذي ) قلتَ : الذي ذهبتُ فيهِ اليوم ولَمْ يجز حذفُ ( فيهِ ) كما كان يجوز حذف الهاءِ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجرِ وكذلك إذا قلتَ : ( قمتُ اليومَ يا هذا ) فجعلتَ اليومَ مبتدأ قلت : ( اليومُ قمتُ فيهِ ) لأنه قد صار اسماً والمضمر لا يكون ظرفاً وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه وذلك المعنى يُراد به فإن ثنيتَ قلتَ : اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ
فإن قلت ذلك بالالف واللامِ قلتَ : ( الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ ) والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ فالألفُ واللامُ قد قامَ مقامَ ( الذي ) وأفردت ( ذاهباً ) ولم تثنيهِ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده وإنْ جمعتَ قلتَ الذاهبُ فيهنَ أَنا الأيامُ وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت : ( جلستُ مكانكَ ) فإذا أردتَ الإِخبارَ عن ( مكانُك ) قلت : ( الذي جلستُ فيه مكانكَ ) واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ وبالألف واللامِ : ( الجالسُ فيهِ أنا مكانُكَ ) والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره فقلت : في ( ذهبتُ اليوم ) إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي قلت : ( الذي ذهبتُ اليوم ) كما تخبرُ عن زيدٍ في قولك : ( ضربتُ زيداً ) تريد : الذي ذهبتهُ اليوم وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ وهو الأصل وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ : لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام وتقولهُ بالألف واللام : الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول : ( سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين ) فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان فإن أخبرت عن اليومين ( بالذي ) قلت : اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ وبالألف واللام السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين ( فيهما يومان ) وإن أخبرت عنهما على السعة قلت : السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ وبالذي : اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ وإن شئتَ قلت : سرتهما وهو أحبها إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت : ( سيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ ) فأنتَ بالخيار إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولاً على السعة لأنه قد صار اسماً وخرج عن حد الظرف وتجعلُ الثاني ظرفاً إن شئت وإن شئتَ جعلتهُ مفعولاً على السعة أيضاً فإذا أخبرتَ عن الفرسخين فيمن رفعهما بالذي قلت : ( اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ وإن قلتهُ بالألف واللام قلت ( المسيرانِ بزيدٍ يومينٍ ) فرسخانٍ ) وإن أخبرت عن ( اليومينِ ) في هذه المسألة وقد رفعت الفرسخينِ قلت ( المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ ) هذا إذا كان ( اليومانِ ) ظرفاً فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : ( المسيرُ هما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ ) وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك : ( سير بزيدٍ فرسخانِ يومينِ ) قلت : ( الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ ) فجعلت ضمير الفرسخينِ في ( سِيرَ ) فقلت : سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما فإن قدمت اليومين قلت : ( اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ ) فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار ( اليومينِ ) فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) فالفرسخان : مبتدأٌ واليومانِ مبتداٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة فإن لم تجعلهما كذلك قلت : سيرا فيهما وكل ما قدمته فقد مقامَ مقامهُ ضميره فإن أدخلت ( اللذينِ ) في ( سيرَ ) وجعلتَ ( اللذينِ ) هما الفرسخانِ قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما ) فالفرسخان : مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ فيهما والخبرُ ( هُما ) والألف في ( سيرا ) ترجع إلى اللذين و ( فيهما ) ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة واليومان وما بعدهما خَبرَ الفرسخينِ وإن شئتَ قلت : ( اللذانِ سيراهما ) فإن أخبرت بالألف واللام قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيران بزيدٍ فيهما هما ) واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ ألا ترى أن قولك : ( هما ) ضمير الفرسخين و ( هُما ) التي في قولكَ : المسيراهُما ضمير اليومين فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام : ( المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ ) فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل هذه المسائل فإن جعلتَ ( اللذين ) في هذه المسألة لليومين قلت : الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما بزيدٍ فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و ( اللذانِ ) خبرُ ( اليومينِ ) وهُما اليومانِ والألفُ في ( سيرا ) ضمير الفرسخين وفيهما ضميرُ ( اللذينِ ) فلو جعلتَ ( الفرسخين ) موضعَ ضميرهما لقلت : اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ هما فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما ( لليومين ) أيضاً قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما ) فهما الأولى : مفعولةٌ على السعةِ والثانيةُ فاعلةٌ وإنما ظهر الفاعل ها هنا لأن كُلَّ اسمْ كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه وإنما جاز في ( اللذينِ سيرا ) لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جارياً على غير مَنْ هُو لهُ ومعنى قولي : جَارٍ على غير مَنْ هو له أن اللذينِ لليومين والألف في ( سيرا ) للفرسخين فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول : المسيراهما كما قلت : ( اللذانِ سيراهما ) لأن مسيراً اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه ضمير الألف واللام ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم يجوز أن تقول القائمان وضمير الفاعل للألف واللام وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف ( الذي ) وحدُه لأنها تتحد مع الإسم الذي بعدها فيثني تثنية ( الذي ) وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهراً وإما مكنياً فلذلك قلت الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما لقلت : اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول : الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ ( هما ) فتجعل الأولى مفعولةً والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ لأن قولك : مسيرهما هُما الفرسخانِ فإذا جعلت : ( مسيرهما ) خبراً عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الإسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوعُ ولو قلت : ( الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول : ( زيدٌ ضاربُه أَنا ) ولو قلت : ( زيدٌ اضربْهُ ) لم تحتجْ إلى ( أنا ) لأن الفعل مما يضمر فيه وإن جرى على غير صاحبه
[ التاسع ]
التاسع : الإِخبار عن المصدر :
اعلَم : أن المصدر إذا كان منصوباً وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفاً فالإِخبار فنه قبيحٌ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( ضربتُ ضرباً ) فليس في ( ضرباً ) فائدةٌ لم تكن في ( ضربتُ ) وإنما تجيء تأكيداً فإذا قلت : ضربتُ ضرباً شديداً أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمراً لم يكن في ( ضربتُ ) فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت : ( الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ ) وإن قلت سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ قلت الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف قال الله تبارك وتعالى ( فإذا نُفخَ في الصورِ نفخةٌ واحدة )
وذكر المازني : أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب وإن الأحسن أن يكون معرفةً أو موصوفاً وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعاً من الفعل فتقول على ذلك : ( ضُرِبَ ضَرْبٌ ) أي : نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ وتقول : ( ضربتُكَ ضرباً شديداَ ) فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت : ( الضاربكَ أنا ضَرْبٌ شديدٌ ) أي : ( الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ ) فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار لأنك تقول : ضُرِبَ ضربتانِ فتكونُ فيه فائدة لأن قولك : ( ضُرِبَ ) لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت : ( ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ ) أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً فإذا قلت : ( ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ ) قلت : ( المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ ) و ( المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ ) وإذا قلت : ( شربتُ شربَ الإبلِ ) قلت : ( الشاربهُ أَنا شربُ الإِبلِ ) وإذا قلت : ( تبسمتُ وميضَ البرقِ ) قلت : المتبسمة أنا وميضُ البرقِ وقد قال قومٌ : إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على ( فعلٍ ) غير ( تبسمتُ ) كأنهم قالوا : ( ومضتُ وميضَ البرقِ ) فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن هذه الجهة ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الحال وإذا كانت المصادر وغيرها أيضاً حالاً فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو : أَرسلها العِراكَ والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ ورجعَ عودَهُ على بدئهِ وما أشبه هذا مما جاء حالاً وهو معرفة وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فقصة : رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ وكُلُّ شاةٍ وسخلتَها وما أشبه هذا مما جاء معطوفاً نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر ( رُبُّ ) فتقول : ( الذي رُبّهُ ) ولا حجةَ في قول العربِ : رُبّهُ رجلاً ورُبّها امرأةً لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسمٍ تقدم
قال المازني : وأما قول العرب : ( ويحَهُ رجلاً ) فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول : ( الذي ويحهُ رجلاً هو ) وفيه قبحٌ لأنَّ ( ويح ) بمعنى الدعاءِ مثل الأمر والنهي والذي لا يوصل بالأمر والتي لأنَّهما لا يوضحانه والدعاءُ بتلكَ المنزلة قال : إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخير قال أبو بكر أنا أقولُ : ( وهو عندي غير جائزٍ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك وأما ما جاء من المصادر مضمراً فعله مثل : إنما أنتَ ضرباً وأنتَ سيراً وضرباً ضرباً ) فلا يجوز عندي الإِخبار عنه لأنها مصادر استغنى بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه فلا يجوز الإِخبار غعنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل
والمازني : يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن ( سير ) من قولك : إنَّما أَنتَ سيراً قلتَ : ( الذي انتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ ) كأنَّكَ قلتَ : الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ
[ العاشر ]
العاشر : الإبتداء والخبر :
اعلمْ : أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإٍخبار فيه إلا بالذي لأنه لا يكونُ منه فاعلُ
وذلك قولكَ : ( زيدٌ أخوكَ ) إن أخبرتَ عن ( زيد ) قلت : ( الذي هو أخوكَ زيدٌ ) انتزعت زيداً من الصلة وجعلتَ موضعهُ ( هو ) فرجع إلى ( الذي ) والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم وإن أخبرت عن الأخ
قلت : ( الذي زيد هو أخوكَ ) جعلتَ ( هو ) مكان الخبر كما كان في أصل المسألة ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ
وتقولُ : ( أنتَ منطلقٌ ) للذي تخاطبُ وإن أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت : ( الذي هو منطلق أنت ) وإن أخبرتَ عن منطلق قلت الذي أنت هو منطلقٌ وإنْ أخبرتَ عن المضمر في ( منطلقٍ ) لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأً ليس في خبره ما يرجع إليه وإذا قلت : ( زيدٌ ضربته ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) أقمت مقامه ( هو ) فقلت : ( الذي هو ضربتهُ زيدٌ ) فهو يرجع إلى ( الذي ) والهاءُ في ( ضربتهُ ) لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول : ( الذي زيدٌ ضربتهُ هو ) فإن جعلت الهاء التي في ( ضربتهُ ) ترجع إلى ( زيدٍ ) لم يرجع إلى ( الذي ) شيءٌ وإن رددته إلى ( الذي ) لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ
قال المازني : هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى لأنَّ زيداً هو الذي في المعنى فإن ذلك أيضاً غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى ولا يجوز الإِخبار عن ( ضربتهُ ) في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت زيدٌ ذهب عمروٌ إليهِ جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول : ( الذي هو ذهبَ عمروٌ إليه زيدٌ ) لأنك تجعل الهاء التي في ( إليه ) يرجع إلى ( هو ) وتجعلُ ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) فجائزٌ
فتقول : ( الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمروٌ ) وتجعل للفاعل في ( ذهب ) ضميراً يرجع إلى ( الذي ) وتجعل عمراً خبراً للمبتدأ وإن جعلت في موضع ( عمروٍ ) في هذه المسألة ( هنداً ) كان أبينُ إذا قلت : ( زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ ) فأخبرتَ عن ( هندٍ ) قلتُ : التي زيد ذهبتْ إليهِ هندٌ فإن ثنيتَ هنداً قلت : ( اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ ) فصار الكلام أوضحُ لما ظهر ضمير الفاعل وهو الراجع إلى ( اللتين ) فإن أخبرتَ عن ( الهاءِ ) في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في ( زيدٍ ضربتهُ ) فإن قلت : ( زيدٌ ذاهبٌ إليه عمروٌ ) فأخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو ( عمروٌ ) جعلتَ ( هو ) فاعلاً وجعلتَ ( هو ) منفصلاً لأن ( ذاهباً ) اسمٌ إذا صار خبراً لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالاً صار فاعلهُ منفصلاً والفعلُ ليس كذلك وقد مضى تفسير هذا وتقول : ( زيدٌ يضربهُ أبوهُ ) فإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ ) جعلتَ ( هو ) موضعَ ( زيدٍ ) وهو الراجعُ إلى ( الذي ) والهاء في يضربهُ ترجع إلى ( هو ) وكذلك الهاء في ( أبيهِ ) كما كان في أصل المسألة وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ : ( الذي زيدٌ يضربه أبوهُ ) فتجعل في ( يضربهُ ) فاعلاً وهو صلة ( الذي ) وجعلت الأب خبراً وهو ( الذي ) وهذه المسألة تلبس بقولك : ( زيدٌ يضربُ أبَاهُ ) لو قيلَ لك أخبر عن ( الأبِ ) لقلت : الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ لو قيلَ لك كيفَ تخبرُ عن الأمِ من قولك : ( زيدٌ تضربهُ أمهُ ) لقلت : ( التي زيدٌ تضربهُ أمُهُ ) ولو قلت ( زيدٌ يضرب أمه ) فأخبرت عن الأمِ لقلتَ : ( التي زيدٌ يضربُها أمُهُ ) وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ فلم يعلم الفاعلُ من المفعول فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفرداً والآخر مثنىً أو مجموعاً أو تجعلَ أحدهما مذكراً والآخر مؤنثاً زال اللبسُ ألا ترى أن أصل المسألة إذا قلت : ( زيدٌ يضربهُ عمروٌ ) وعمروٌ فاعلٌ لو قيلَ لك : قدم عمراً لقلت : عمروٌ زيدٌ يضربهُ ففي ( يضربُه ) ضمير ( عمروٍ ) مرفوعٌ ولو قيلَ لك : قدم عمراً من قولك : ( زيدٌ يضربُ عمراً ) لقلت : ( عمروٌ زيدٌ يضربهُ ) ففي ( يضربهُ ) ضمير ( زيدٍ ) واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمراً فاعلاً أو مفعولاً إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الإسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بأن المرادُ وذلك أن تجعلَ موضع عمروٍ العمرانِ فإذا قلتَ : زيدٌ يضربهُ العمرانِ فقدمتَ العمرينَ مبتدأينِ قلت : ( العمرانِ زيدٌ يضربانهِ ) وإن قلت : ( زيدٌ يضربُ العمرين ) فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت : العمرانِ زيدٌ يضربهما فإن جعلت موضعَ ( يضربُ ) ضارباً من قولك : زيدٌ يضربهُ أبوهُ قلتَ : زيدٌ ضاربهُ أبوهُ فإن أخبرتَ عن الأب قلت : الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ فأظهرتَ ( هو ) منفصلةً لما تقدم ذكره فإن أخبرتَ عن الأب من قولك : ( زيدٌ ضاربٌ أباهُ ) قلتَ : ( الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ ) ولم تحتجْ إلى ( هو ) لأن ( ضاربَ ) إلى جانب زيدٍ وهو لهُ فأما قولهم : ( السمَنُ منوانِ بدرهمٍ ) فهذا مستعملٌ بالحذف يريدونَ : السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ فإن أخبرتَ عن السمن قلت : ( والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ ) تريد : ( الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ ) نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله والهاءُ التي في ( منهُ ) ترجِعُ إلى ( هو ) كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة
وإن أخبرت عن ( المنوينِ ) قلت : ( اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ ) وإن أتممت الكلامَ قلت : ( اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوانٍ ) والإِتمامُ هو أحبُّ إليَّ
لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه أن يترك على لفظه ليدلَ على ما حذف منه وهذه المسألة نظير قولك : ( زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليه ) فزيدٌ : مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان : مبتدأٌ ثانٍ كعمروٍ وقولكَ : ( بدرهمٍ منهُ ) خبر ( منوينِ ) والهاءُ في ( منهُ ) ترجعُ إلى ( السمنِ ) كرجوع الهاء في ( إليهِ ) فإن قيلَ لك : أخبر عن خبر السمنِ بأسره وهو قولك : ( منوانِ منهُ بدرهمٍ ) لم يجز لأن الجمل لا تضمر وكذلكَ لو قيلَ لك : أخبر في قولك : زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليهِ عن خبر ( زيدٍ ) بأسرهِ لَمْ يَجزْ
[ الحادي عشر ]
الحادي عشر : المضاف إليه :
اعلم : أن المضاف إليه على ضربين : فضربٌ منه يكون الإسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمروٍ يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو عبد الملك فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه لأنه كبعض حروف الإسم وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو : ( دارُ عبد الله ) وغلامُ زيدٍ فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلكَ ومتى زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه البتةَ أعني ( غلاماً وداراً ) إذا قلت : غلامُ زيدٍ ودارُ عمروٍ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف فإذا قلت : ( هذا غلامُ زيدٍ ) فأردت الإِخبار عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هذا غلامهُ زيدٌ ) جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت قمتُ في دار زيدٍ قلت الذي قمتُ في داره زيدٌ فإن قلت : هذا ابن عرس وسامُ أبرصَ وحَمارُ قَبانَ وأبو الحرثِ وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيءٌ يقصدُ إليه وإنما حُمارَ قيانَ اسم للدابةِ ليس أن قبانَ شيءٌ يقصدُ إليهِ كما كان زيد شيئاً يقصد إليه
وقال أبو العباس عن أبي عثمان : أنه قد جاء الإِخبار في مثل : حُمارَ قبانَ وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌ
[ الثاني عشر ]
الثاني عشر : البدل :
اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب
قال أبو بكر : وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ فإذا قلت : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) فأخبرت عن ( رجلٍ ) قلت : الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ والمار به أنا رجلٌ أخوكَ تجعلُ الرجل خبراً ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة وقومٌ يقولون : المارُ به أنا أخيك رجلٌ فيجعلون ( الأخ ) بدلاً من الإسم المضمر كما كان بدلاً من مظهرٍ
قال المازني : فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) قلت : المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ قال : وهذا قبيحٌ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به فجعلته بعد ما قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً قال : ومن أجاز هذا أجازَ : ( زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ ) قال : وهو جائز على قبحه قال أبو بكر : ومعنى قول المازني : قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً يعني : أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل لأن حقَّ البدلِ أي يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ فلو قلت : ( المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ فكان الكلام فاسداً وكذلك لو قلت : ( زيدٌ ضربتَ أخاكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ وقولكَ ( أباهُ ) بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام قال المازني : وكِلا القولينِ مذهبٌ وليسا بقويين
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة