بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة السيرة والتاريخ
تاريخ الخلفاء للسيوطيي
خلفاء الدولة ألأموية [ الخاتمة ]
● [ عمر بن عبد العزيز بن مروان ] ●
خامس الخلفاء الراشدين
99 هـ ـ 101 هـ
عمر بن عبد العزيز بن مروان : الخليفة الصالح أبو حفص خامس الخلفاء الراشدين
قال سفيان الثوري : الخلفاء خمسة : أبو بكر و عمر و عثمان و علي و عمر بن عبد العزيز أخرجه أبو داود في سننه
ولد عمر بحلوان قرية بمصر و أبوه أمير عليها سنة إحدى و قيل : ثلاث و ستين و أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب و كان بوجه عمر شجة ضربته دابة في جبهته ـ و هو غلام ـ فجعل أبوه يمسح الدم عنه و يقول : إن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد أخرجه ابن عساكر
و كان عمر بن الخطاب يقول : من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلا أخرجه الترمذي في تاريخه فصدق ظن أبيه فيه
و أخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال : ليت شعري ! من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جورا
و أخرج عن ابن عمر قال : كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر فكان بلال بن عبد الله بن عمر بوجهه شامة و كانوا يرون أنه هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز
روى عمر بن عبد العزيز عن أبيه و أنس و عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و ابن قارظ و يوسف بن عبد الله بن سلام و عامر بن سعد و سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و أبي بكر بن عبد الرحمن و الربيع بن سمرة و طائفة
روى عنه : الزهري و محمد بن المنكدر و يحيى بن سعد الأنصاري و مسلمة بن عبد الملك و رجاء بن حيوة و خلائق كثيرون
جمع القرآن و هو صغير و بعثه أبوه إلى المدينة يتأدب بها فكان يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم فلم توفي أبوه طلبه عبد الملك إلى دمشق و زوجه ابنته فاطمة
و كان قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضا إلا أنه كان يبالغ في التنعم فكان الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم و الاختيال في المشية فلما ولي الوليد الخلافة أمر عمر على المدينة فوليها من سنة ست و ثمانين إلى سنة ثلاث و تسعين و عزل فقدم الشام ثم إن الوليد عزم على أن يخلع أخاه سليمان من العهد و أن يعهد إلى ولده فأطاعه كثير من الأشراف طوعا و كرها فامتنع عمر بن عبد العزيز و قال لسليمان : في أعناقنا بيعة و صمم فطين عليه الوليد ثم شفع فيه بعد ثلاث فأدركوه و قد مالت عنقه فعرفها له سليمان فعهد إليه بالخلافة
قال زيد بن أسلم عن أنس رضي الله عنه : ما صليت وراء إمام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من هذا الفتى ـ يعني عمر بن عبد العزيز ـ و هو أمير على المدينة قال زيد بن أسلم : فكان يتم الركوع و السجود و يخفف القيام و القعود له طرق عن أنس أخرجه البيهقي في سننه و غيره
و سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال : هو نجيب بني أمية و إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده
و قال ميمون بن مهران : كانت العلماء مع عمر بن العزيز تلامذه
و أخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة قال : خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة و شيخ متوكئ على يده فقلت في نفسي : إن هذا الشيخ جاف فلما صلى و دخل لحقته فقلت : أصلح الله الأمير ! من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ قال يا رياح رأيته ؟ قلت نعم قال : ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي هذه الأمة و أني سأعدل فيها
و أخرج أيضا عن أبي هشام أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم و أبو بكر عن يمينه و عمر عن شماله فإذا رجلان يتخصمان و أنت بين يديه جالس فقال لك : يا عمر إذا علمت فاعمل هذين لأبي بكر و عمر فاستحلف له عمر بالله لرأيت هذا فحلف له فبكى عمر
بويع بالخلافه بعهد من سليمان في صفر سنة تسع و تسعين كما تقدم فمكث فيها سنتين و خمسة أشهر نحو خلافة الصديق رضي الله عنه ملأ فيها الأرض عدلا ورد المظالم و سن السنن الحسنة و لما قرئ كتاب العهد باسمه عقر و قال : و الله إن هذا الأمر ما سألته الله قط ؟ و قدم إليه صاحب المراكب مركب الخليفة فأبى و قال : ائتوني ببغلتي قال الحكم بن عمر : شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها ؟ قال : ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها فيمن يريد و اجعل أثمانها في مال الله تكفيني بغلتي هذه الشهباء
و قال عمر بن ذر : لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له مولاه : ما لي أراك مغتما ؟
قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ليس أحد من الأمة إلا و أنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه و لا طالبه مني
و عن عمرو بن مهاجر و غيره أن عمر لما استخلف قام في الناس و أثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن و لا نبي بعد محمد صلى الله عليه و سلم ألا و إني لست بفارض و لكني منفذ و لست بمبتدع و لكني متبع و لست بخير من أحدكم و لكني أثقلكم حملا و إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
و عن الزهري قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات فكتب إليه بالذي سأل و كتب إليه إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه و رجاله في مثال زمانك و رجالك كنت عند الله خيرا من عمر
و عن حماد أن عمر لما استخلف بكى فقال : يا أبا فلان أتخشى علي ؟ قال : كيف حبك للدرهم ؟ قال : لا أحبه قال : لا تخف فإن الله سيعنيك
و عن مغيرة قال : جمع عمر حين استخلف بني مروان فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت له فدك ينفق منها و يعول منها على صغير بني هاشم و يزوج منها أيمهم و إن فاطمة سألته أن يجعلها لها ؟ فأبى فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر ثم أقطعها مروان ثم صارت لعمر بن عبد العزيز فرأيت أمرا منعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة ليس لي بحق و إني أشهدكم أني قد رددتها على ما كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و عن الليث قال : لما ولي عمر بدأ بلحمته و أهل بيته فأخذ ما بأيديهم و سمى أموالهم مظالم
و قال أسماء بن عبيد : دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز فقال : يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا فمنعتناها و لي عيال و ضيعة أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي لما يصلح عيالي ؟ فقال عمر : أحبكم من كفانا مؤنته ثم قال له : أكثر ذكر الموت فإن كنت في ضيق من العيش و سعه عليك و إن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك
و قال فرات بن السائب : قال عمر بن عبد العزيز لامرأته فاطمة بنت عبد الملك ـ و كان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله ـ : اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال و إما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن أكون أنا و أنت و هو في بيت واحد قالت : لا بل أختارك عليه و على أضعافه فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين فلما مات عمر و استخلف يزيد قال لفاطمة : إن شئت رددته إليك قالت : لا و الله ما أطيب به نفسا في حياته و أرجع فيه بعد موته
و قال عبد العزيز : كنت بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه : إن مدينتنا قد خربت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمها به فعل فكتب إليه عمر : إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه مرمتها و السلام
و قال إبراهيم السكوني : قال عمر بن عبد العزيز : ما كذبت منذ علمت أن الكذب شين على أهله
و قال قيس بن جبير : مثل عمر في بني أمية مثل مؤمن آل فرعون
و قال ميمون بن مهران : إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي و إن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز
و قال وهب بن منبه : إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز
و قال محمد بن فضالة : مر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز براهب في الجزيرة فنزل إليه الراهب و لم ينزل لأحد قبله و قال : أتدري لم نزلت إليك ؟ قال : لا قال : لحق أبيك إنا نجده في أئمة العدل بموضع رجب من الأشهر الحرم ففسره أيوب بن سويد بثلاثة متوالية : ذي القعدة و ذي الحجة و المحرم : أبي بكر و عمر و عثمان و رجب منفرد منها عمر بن عبد العزيز
و قال حسن القصاب : رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز فقلت : سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها ! فقال الراعي : إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس
و قال مالك بن دينار : لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء : من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة ؟ عدله كف الذئاب عن شائنا
و قال موسى بن أعين : كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاة و الذئب ترعى في مكان واحد فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب للشاة فقلت : ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة
و قال الوليد بن مسلم : بلغنا ان رجلا كان بخراسان قال : أتاني آت في المنام فقال : إذا قام أشج بني مروان فانطلق فبايعه فإنه إمام عدل فجعلت أسأل كلما قام خليفة حتى قام عمر بن عبد العزيز فأتاني ثلاث مرات في المنام فارتحلت إليه فبايعته
و عن حبيب بن هند الأسلمي قال : قال لي سعيد بن المسيب : إنما الخلفاء ثلاثة : أبو بكر و عمر و عمر بن عبد العزيز قلت له : أبو بكر و عمر قد عرفناهما فمن عمر ؟ قال : إن عشت أدركته و إن مت كان بعدك قلت و مات ابن المسيب قبل خلافة عمر
و قال ابن عون : كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال : نهى عنه إمام الهدى يعني عمر بن عبد العزيز
و قال الحسن : إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز و إلا فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم
و قال مالك بن دينار : الناس يقولون : مالك زاهد إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها
و قال يونس بن أبي شبيب : شهدت عمر بن عبد العزيز و إن حجزة إزاره لغائبة في عكنه ثم رأيته بعد ما استحلف و لو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت
و قال ولده عبد العزيز : سألني أبو جعفر المنصور : كم كانت غلة أبيك حين أفضت الخلافة إليه ؟ قلت : أربعين ألف دينار قال : فكم كانت حين توفي ؟ قلت أربعمائة دينار و لو بقي لنقصت
و قال مسلمة بن عبد الملك : دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لفاطمة ينت عبد الملك : ألا تغسلون قميصه ؟ قالت : و الله ما له قميص غيره
قال أبو أمية الخصي غلام عمر : دخلت يوما على مولاتي فغدتني عدسا فقلت : كل يوم عدس ؟ قالت : يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين
قال : و لما احتضر بعثني بدينار إلى أهل الدير و قال : إن بعتموني موضع قبري و إلا تحولت عنكم فأتيتهم فقالوا : لولا أنا نكره أن يتحول عنا ما قبلناه
و قال عون بن المعمر : دخل عمر على امرأته فقال : يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنبا ؟ فقالت : لا و قالت : و أنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم تشتري به عنبا ؟ ! قال : هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدا في جهنم
و قال سهل بن صدقة : لما استخلف عمر سمع في منزله بكاء فسألوا عن ذلك فقالوا : إن عمر خير جواريه فقال : قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم فمن أحب أن أعتقه أعتقته و من أحب أن أمسكه أمسكته و إن لم يكن مني إليها حاجة فبكين إياسا منه قالت فاطم امرأته : كان إذ دخل البيت ألقى نفسه في مسجده فلا يزال يبكي و يدعو حتى تغلبه عيناه ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع
و قال الوليد بن أبي السائب : ما رأيت أحدا قط أخوف من عمر و قال سعيد بن سويد : صلى عمر بالناس الجمعة ـ و عليه قميص مرفوع الجيب من بين يديه و من خلفه ـ فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك فلو لبست فنكس مليا ثم رفع رأسه فقال : إن أفضل القصد عند الجدة و أفضل العفو عند القدرة
و قال ميمون بن مهران : سمعت عمر يقول : لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل إني لأريد الأمر و أخاف أن لا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعا من الدنيا فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا
و قال إبراهيم بن ميسرة : قلت لطاووس : هو المهدي ـ يعني عمر بن عبد العزيز ـ قال هو مهدي و ليس به إنه لم يستكمل العدل كله
و قال عمر بن أسيد : و الله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون فما يبرح بماله كله قد أغنى عمر الناس
و قالت جويرية : دخلنا على فاطمة ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنها فأثنت على عمر بن عبد العزيز و قالت : لو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد
و قال عطاء بن أبي رباح : حدثتني فاطمة امرأة عمر أنها دخلت عليه و هو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته فقالت : يا أمير المؤمنين ألشيء حدث ؟ قال : يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم أسودها و أحمرها فتفكرت في الفقير الجائع و المريض الضائع و العاري المجهود و المظلوم المقهور و الغريب الأسير و الشيخ الكبير و ذي العيال الكثير و المال القليل و أشباههم في أقطار الأرض و أطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت أن لا تثبت لي حجة فبكيت
و قال الأوزاعي : إن عمر بن عبد العزيز كان جالسا في بيته و عنده أشراف بني أمية فقال : أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندا ؟ فقال رجل منهم : لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال : ترون بساطي هذا ؟ إني لأعلم أنه يصير إلى و فناء و إني أكره أن تدنسوه بأرجلكم فكيف أوليكم أعراض المسلمين و أبشارهم ؟ هيهات لكم هيهات ! فقالوا له : لم ؟ أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم و أقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء إلا رجلا من المسلمين حبسه عني طول شقته
و قال الأوزاعي : كان عمر بن عبد العزيز : إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثة أيام ثم عاقبه كراهة أن يعجل في أول غضبه
و قال جويرية بن أسماء : قال عمر بن عبد العزيز : إن نفسي تواقة لم تعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه فلما أعطيت ما لا شيء فوقه من الدنيا تاقت نفسي إلى ما هو أفضل منه ـ يعني الجنة ـ
و قال عمرو بن مهاجر : كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين و قال يوسف بن يعقوب الكاهلي : كان عمر يلبس الفروة الكبل و كان سراج بيته على ثلاث قصبات فوقهن طين
و قال عطاء الخراساني : أمر عمر غلامه أن يسخن له ماء فانطلق فسخن قمقما في مطبخ العامة فأمر عمر أن يأخذ بدرهم حطبا يضعه في المطبخ
و قال عمر بن مهاجر : كان عمر يسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثم أسرج عليه سراجه
و قال عمرو بن مهاجر : اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا فقال : ما أطيب ريحه و أحسنه ! أرفعه يا غلام للذي أتى به و أقرئ فلانا السلام و قل له : إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب فقلت : يا أمير المؤمنين ابن عمك و رجل من أهل بيتك و قد بلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأكل الهدية فقال : ويحك ! إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه و سلم هدية و هي لنا اليوم رشوة
و قال الأوزاعي : لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة كلموه في ذلك فقال : لن يتسع مالي لكم و أما هذا المال فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد
و قال أبو عمر : كتب عمر بن عبد العزيز برد أحكام من أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس
و قال يحيى الغساني : لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة و نقبا فكتبت إليه أعلمه حال البلد و أسأله : آخذ الناس بالظنة و أضربهم على التهمة أو آخذهم بالبنية و ما جرت عليه السنة فكتبت إلي أن آخذ الناس بالبينة و ما جرت عليه السنة فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله قال يحيى : ففعلت ذلك فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد و أقلها سرقة و نقبا
و قال رجاء بن حيوة : سمرت ليلة عند عمر فغشي السراج ـ و إلى جانبه و صيف ـ قلت : ألا أنبهه ؟ قال : لا، قلت : أفلا أقوم ؟ قال : ليس من مروءة الرجال استخدامه ضيفه فقام إلى بطة الزيت و أصلح السراج ثم رجع و قال : قمت و أنا عمر بن عبد العزيز و رجعت و أنا عمر بن عبد العزيز
و قال نعيم كاتبه : قال يا عمر : إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة
و قال مكحول لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد و لا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز و قال سعيد بن أبي عروية : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضربت أوصاله
و قال عطاء : كان عمر بن عبد العزيز يجمع في كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت و القيامة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة
و قال عبيد الله بن العيزار : خطبنا عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين فقال : أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم و اعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم و اعلموا أن رجلا ليس بينه و بين آدم أب حي لعرق له في الموت و السلام عليكم
و قال وهيب بن الورد : اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك : قل لأبيك : إن من كان قلبه من الخلفاء كان يعطينا و يعرف لنا موضعنا و إن أباك قد حرمنا ما في يديه فدخل على أبيه فأخبره فقال لهم : إن أبي يقول لكم : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم
و قال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم و لا تأخذوا ما هو خلاف لهم فإنهم خير منكم و أعلم
و قال جويرية بن أسماء : لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه بلال بن أبي بردة فهنأه و قال : من كانت الخلافة شرفته فقد شرفتها و من كانت زانته فقد زنتها و أنت كما قال مالك بن أسماء :
وتزيدين أطيب الطيب طيبا . أنت تمسيه أين مثلك أينا
وإذا الدار زان حسن وجوه . كان للدر حسن وجهك زينا
قال جعونة : لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل عمر يثني عليه فقال : يا أمير المؤمنين لو بقي كنت تعهد إليه ؟ قال : لا، قال : و لم و أنت تثني عليه ؟ قال : أخاف أن يكون زين في عيني منه ما زين في عين الوالد من ولده
و قال غسان عن رجل من الأزد : قال رجل لعمر بن عبد العزيز : أوصني قال : أوصيك بتقوى الله و إيثاره تخف عنك المؤونة و تحسن لك من الله المعونة
و قال أبو عمرو : دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن عبد العزيز فقام لها و مشى إليها ثم أجلسها في مجلسه و جلس بين يديها و ما ترك لها حاجة إلا قضاها
و قال الحجاج بن عنبسة : اجتمع بنو مروان فقالوا : لو دخلنا على أمير المؤمنين فعطفناه علينا بالمزاح فدخلوا فتكلم رجل منهم فمزح فنظر إليه عمر فوصل له رجل كلامه بالمزاح فقال : لهذا اجتمعتم ؟ لأخس الحديث و لما يورث الضغائن ؟ إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن تعديتم ذلك فعليكم بمعاني الحديث
و قال إياس بن معاوية بن قرة : ما شبهت عمر بن عبد العزيز إلا برجل صناع حسن الصنعة ليس له أداة يعمل بها يعني لا يجد من يعينه
و قال عمر بن حفص : قال لي عمر بن عبد العزيز : إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير
و قال يحيى الغساني : كان عمر ينهي سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية و يقول : ضمنهم الحبس حتى يحدثوا توبة فأتي سليمان بحروري فقال له سليمان : هيه فقال الحروري : و ماذا أقول ؟ يا فاسق بن الفاسق فقال سليمان : علي بعمر بن عبد العزيز فلما جاء قال : اسمع مقالة هذا فأعادها الحروري فقال سليمان لعمر : ماذا ترى عليه ؟ فسكت قال : عزمت عليك لتخبرني بماذا ترى عليه قال : أرى عليه أن تشتمه كما شتمك قال : ليس الأمر كذلك فأمر به سليمان فضربت عنقه و خرج عمر فأدركه خالد صاحب الحرس فقال : ياعمر كيف تقول لأمير المؤمنين ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك ؟ و الله لقد كنت متوقعا أن يأمرني بضرب عنقك قال : و لو أمرك لفعلت ؟ قال : إي و الله فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس فقال عمر : يا خالد ضع هذا السيف عنك و قال : اللهم إني قد وضعت لك خالدا فلا ترفعه أبدا ثم نظر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن مهاجرالأنصاري و قال : يا عمرو و الله لتعلمن أنه ما بيني و بينك قرابة إلا قرابة الإسلام و لكن سمعتك تكثر تلاوة القرآن و رأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة و أنت رجل من الأنصار خذ هذا السيف فقد وليتك حرسي
و قال شعيب : حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه فقال يا أمير المؤمنين : ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال : رأيت بدعة فلم تمتها أو سنة فلم تحيها ؟ فقال أبوه : رحمك الله و جزاك من ولد خيرا يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة و عروة عروة و متى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقا يكثر فيه الدماء و الله لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم أو ما ترضى أن لا يأتي أبيك يوم من أيام الدنيا إلا و هو يميت فيه بدعة و يحيى سنة ؟
و قال معمر : قال عمر بن عبد العزيز : قد أفلح من عصم من المراء و الغضب و الطمع
و قال أرطأة بن المنذر : قيل لعمر بن عبد العزيز : لو اتخذت حرسا و احترزت في طعامك و شرابك فقال : اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئا دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي
و قال عدي بن الفضل : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب فقال اتقوا الله أيها الناس و أجملوا في الطلب فإن كان لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته
و قال أزهر : رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس و عليه قميص مرقوع
و قال عبد الله بن العلاء : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب في الجمع بخطبه واحدة يرددها و يفتتحها بسبع كلمات : الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلله فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده و رسوله من يطع الله و رسوله فقد رشد و من يعص الله و رسوله فقد غوى ثم يوصى بتقوى الله و يتكلم ثم يختم خطبته الأخيرة بهؤلاء الآيات : { يا عبادي الذين أسرفوا } إلى تمامها
و قال حاجب بن خليفة البرجمي : شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب و هو خليفة فقال في خطبته : ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحباه فهو دين نأخذ به و ننتهي إليه و ما سن سواهما فإنا نرجئه
أسند جميع ما قدمته أبو نعيم في الحلية
و أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : دخلنا على عمر بن عبد العزيز يوم العيد ـ و الناس يسلمون عليه ـ و يقولون : تقبل الله منا و منك يا أمير المؤمنين فيرد عليهم و لا ينكر عليهم
قلت : هذا أصل حسن للتهنئة بالعيد و العام و الشهر
و أخرج عن جعونة قال : ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة فقال : اقبل من محسنهم و تجاوز مسيئهم و لتكن في أولهم فتقتل و لا في آخرهم فتفشل و لكن كن وسطا حيث يرى مكانك و يسمع صوتك
و أخرج عن السائب بن محمد قال : كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم و إنه لا يصلحهم إلا السيف و السوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم و أنه لا يصلحهم إلا السيف و السوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل و الحق فابسط ذلك فيهم و السلام
و أخرج عن أمية بن زيد القريشي قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى علي كتابه قال : اللهم إني أعوذ بك من شر لساني
و أخرج عن صالح بن جبير قال : ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب فأذكر أن في الكتاب مكتوبا اتق غضبة الملك الشاب فأرفق به حتى يذهب غضبه فيقول لي بعد ذلك : لا يمنعك يا صالح ماترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته
و أخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي قال : قدم جرير بن عيطة بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز فذهب ليقول فنهاه عمر فقال : إنما أذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذكره فقال :
إن الذي ابتعث النبي محمدا . جعل الخلافة للأمير العادل
رد المظالم حقها بيقينها . عن جورها و أقام ميل المائل
والله أنزل في القرآن فريضة . لابن السبيل و للفقير العائل
إني لأرجو منك خيرا عاجلا . و النفس مغرمة بحبي العاجل
فقال له عمر : ما أجد لك في كتاب الله حقا قال : بلى يا أمير المنؤمنين إنني ابن سبيل فأمر له من خاصة ماله بخمسين دينارا
و في الطيوريات أن جرير بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على عمر بن عبد العزيز فسأله عمر عن حال ابنه ثم قال له : علمه الفقه الأكبر قال : و ما الفقه الأكبر ؟ قال : القناعة و كف الأذى
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي قال : دعاني عمر ابن عبد العزيز فقال : صف لي العدل فقلت بخ ! سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أبا و لكبيرهم ابنا و للمثل منهم أخا و للنساء كذلك و عاقب الناس على قدر ذنوبهم و على قدر أجسادهم و لا تضربن لغضبك سوطا واحدا فتعد من العادين
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مست النار حتى كان يتوضأ من السكر
و أخرج عن وهيب أن عمر بن عبد العزيز قال : من عد كلامه من عمله قل كلامه
و قال الذهبي : أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز فاستتابه فقال : لقد كان كنت ضالا فهديتني فقال عمر : اللهم إن كان صادقا و إلا فاصلبه واقطع يديه و رجليه فنفذت فيه دعوته فأخذ في خلافة هشام بن عبد الملك و قطعت أربعته و صلب بدمشق في القدر
و قال غيره : كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في الخطبة فلما ولي عمر ابن عبد العزيز أبطله و كتب إلى نوابه بإبطاله و قرأ مكانه : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن
و قال القالي في أماليه : حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا أحمد بن عبيد قال : قال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته :
انه الفؤاد عن الصبا ... و عن انقياد للهوى
فلعمر ربك إن في ... شيب المفارق و الجلا
لك و اعظا لو كنت تت ... عظ اتعاظ ذوي النهى
حتى متى لا ترعوي ... و إلى متى و إلى متى
ما بعد أن سميت كه ... لا و استبلت اسم الفتى
بلي الشباب و أنت إن ... عمرت رهن للبلى
وكفى بذلك زاجرا ... للمرء من غي كفى
● فائدة :
قال الثعالبي في لطائف المعارف : كان عمر بن الخطاب أصلع و عثمان و علي و مروان بن الحكم و عمر بن عبد العزيز ثم انقطع الصلع عن الخلفاء
فائدة : قال الزبير بن بكار : قال الشاعر في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز :
بنت الخليفة و الخليفة جدها . أخت الخلائف و الخليفة زوجها
قال : فلم تكن امرأة تستحق هذا النسب إلى يومنا هذا غيرها
قلت : و لا يقال في غيرها هذا إلى يومنا هذا
● ذكر مرضه و وفاته ●
قال أيوب : لعمر بن عبد العزيز : لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : و الله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إلي من أن يعلم الله مني أني أراني لذلك الموضع أهلا
و قال الوليد بن هشام : قيل لعمر في مرضه : ألا تتداوى ؟ فقال : لقد علمت الساعة التي سقيت فيها و لو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو أوتي بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت و قال عبيد بن حسان : لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال : أخرجوا عني فقعد مسلمة و فاطمة على الباب فسمعوه يقول : مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس و لا جان ثم قال { تلك الدار الآخرة } الآية ثم هدأ الصوت فدخلوا فوجدوه قد قبض رضي الله عنه
و قال هشام : لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن البصري : مات خير الناس
و قال خالد الربعي : إنا نجد في التوراة أن السموات و الأرض تبكي على عمر ابن عبد العزيز أربعين صباحا
و قال يوسف بن ماهك : بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه : بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار
و قال قتادة : كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك : سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فإني كتبت و أنا دنف من وجعي و قد علمت أني مسؤول عما و ليت يحاسبني عليه مليك الدنيا و الآخرة و لست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئا فإن رضي عني فقد أفلحت و نجوت من الهوان الطويل و إن سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصير أسأل الله لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته و أن يمن علي برضوانه و الجنة فعليك بتقوى الله الرعية الرعية فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلا و السلام أسند هذا كله أبو نعيم في الحلية
توفي عمر رضي الله عنه بدير سمعان ـ بكسر السين ـ من أعمال حمص لعشر بقين ـ و قيل : لخمس بقين ـ من رجب سنة إحدى و مائة و له حينئذ تسع و ثلاثون سنة و ستة أشهر و كانت وفاته بالسم كانت بنو أمية قد تبرموا به لكونه شدد عليهم و انتزع من أيديهم كثيرا مما غصبوه و كان قد أهمل التحرز فسقوه السم
قال مجاهد : قال لي عمر بن عبد العزيز : ما يقول الناس في ؟ قلت : يقولون مسحور قال : ما أنا بمسحور و إني لأعلم الساعة التي سيقت فيها ثم دعا غلاما له فقال له : و يحك ! ما حملك على أن تسقيني السم ؟ قال : ألف دينار أعطيتها و على أن أعتق قال : هاتها قال : فجاء بها فألقاها في بيت المال و قال : اذهب حيث لا يراك أحد
مات في أيامه من الأعلام : أبو أمامة سعد بن سهل بن حنيف و خارجة بن زيد بن ثابت و سالم بن أبي الجعد و يسر بن سعيد و أبو عثمان النهدي و أبو الضحى و شهر بن حوشب الشامي و حنش بن عبد الله الصنعاني و مسلم بن يسار البصري و عيسى بن طلحة بن عبد الله القريشي التيمي أحد أشراف قريش و عقلائها و علمائها
● [ يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ] ●
101هـ ـ 105 هـيزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم : أبو خالد الأموي الدمشقي
ولد سنة إحدى و سبعين و ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز بعهد من أخيه سليمان كما تقدم
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما ولي يزيد قال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز فأتى بأربعين شيخا فشهدوا له ما على الخلفاء حساب و لا عذاب
و قال ابن الماجشون : لما مات عمر بن عبد العزيز قال يزيد : و الله ما عمر بأحوج إلى الله مني فأقام أربعين يوما يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز ثم عدل عن ذلك
و قال سليم بن بشير : كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك حين احتضر : سلام عليك أما بعد فإني لا أراني إلا لما بي فالله الله في أمة محمد فإنك تدع الدنيا لمن لا يحمدك و تفضي إلى من لا يعذرك و السلام
و في سنة اثنتين خرج يزيد بن المهلب على الخلافة فوجه إليه مسلمة بن عبد الملك بن مروان فهزم يزيد و قتل و ذلك بالعقير موضع بقرب كربلاء
قال الكلبي : نشأت و هم يقولون : ضحى بنو أمية يوم كربلاء بالدين و يوم العقير بالكرم مات يزيد في أواخر شعبان سنة خمس و مائة
و ممن مات في خلافته من الأعلام : الضحاك بن مزاحم و عدي بن أرطأة و أبو المتوكل الناجي و عطاء بن يسار و مجاهد و يحيى بن وثاب مقرئ الكوفة و خالد بن معدان و الشعبي عالم العراق و عبد الرحمن حسان بن ثابت و أبو قلابة الجرمي و أبو بردة بن أبي موسى الأشعري و آخرون
● [ هشام بن يزيد بن عبد الملك ] ●
105 هـ ـ 125هـهشام بن عبد الملك : أبو الوليد ولد سنة نيف و سبعين و استخلف بعهد من أخيه يزيد
قال مصعب الزبيري : رأى عبد الملك في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فسأل سعيد بن المسيب فقال : يملك من ولده لصلبه أربعة فكان آخرهم هشام
و كان هشام حازما عاقلا كان لا يدخل بيت ماله مالا حتى يشهد أربعون قسامة : لقد أخذ من حقه و لقد أعطى لكل ذي حق حقه
و قال الأصمعي : أسمع رجل مرة هشاما كلاما فقال له : يا هذا ليس لك أن تسمع خليفتك
قال : و غضب مرة على رجل فقال : و الله لقد هممت أن أضربك سوطا
و قال سحبل بن محمد : ما رأيت أحدا من الخلفاء أكره إليه الدماء و لا أشهد عليه من هشام
و عن هشام أنه قال : ما بقي شيء من لذات الدنيا إلا و قد نلته إلا شيئا واحدا أخا أرفع مؤنة التحفظ فيما بيني و بينه
و قال الشافعي لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب أن يخلو يوما لا يأتيه فيه غم فما انتصف النهار حتى أتته ريشة بدم من بعض الثغور فأوصلت إليه فقال : و لا يوما واحدا.
مات في ربيع الآخرة سنة خمس و عشرين و مائة
و في سنة سبع من أيامه فتحت قيصرية الروم بالسيف و في سنة ثمان فتحت خنجرة على يد البطال الشجاع المشهور و في سنة اثنتي عشرة فتحت خرشنة في ناحية ملطية
و ممن مات في أيامه من الأعلام : سالم بن عبد الله بن عمر و طاووس و سليمان بن يسار و عكرمة مولى ابن عباس و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و كثير عوه الشاعر و محمد بن كعب القرظي و الحسن البصري و محمد ابن سيرين و أبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابي آخرهم موتا و جرير و الفرزدق و عطية العوفي و معاوية بن قرة و مكحول و عطاء بن أبي رباح و أبو جعفر الباقر و وهب بن منبه و سكينة بنت الحسين و الأعرج و قتادة و نافع مولى ابن عمر و ابن مقرئ الشام و ابن كثير مقرئ مكة و ثابت البناني و مالك بن دينار و ابن محيض المقرئ و ابن شهاب الزهري و خلائق آخرون
و من أخبار هشام : أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : أراد هشام ابن عبد الملك أن يوليني خراج مصر فأبيت فغضب حتى اختلج وجهه و كان في عينيه الحول فنظر إلي نظر منكر و قال : لتلين طائعا أو لتلين كارها فأسكت عن الكلام حتى سكن غضبه فقلت : يا أمير المؤمنين أتكلم ؟ قال : نعم قلت : إن الله قال في كتابه العزيز : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها } الآية فو الله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين و لا أكرههن إذ كرهن و ما أنا بحقيق أن تغضب علي إذ أبيت و تكرهني إذ كرهت فضحك و أعفاني
و أخرج عن خالد بن صفوان قال : و فدت على هشام بن عبد الملك فقال : هات يا ابن صفوان قلت : إن ملكا من الملوك خرج متنزها إلى الخورنق و كان ذا علم مع الكثرة و الغلبة فنظر و قال لجلسائه : لمن هذا ؟ قالوا : للملك قال : فهل رأيتم أحدا أعطي مثل ما أعطيت ؟ و كان عنده رجل من بقايا حملة الحجة فقال : إنك قد سألت عن أمر أفتأذن لي بالجواب ؟ قال : نعم قال : أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار ميراثا و هو زائل عنك إلى غيرك كما صار إليك ؟ قال : كذا هو قال : فتعجب بشيء يسير لا تكون فيه إلا قليلا و تنقل عنه طويلا فيكون عليك حسابا قال : ويحك فأين المهرب ؟ و أين المطلب ؟ و أخذته قشعريرة قال : إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله بما ساءك و سرك و إما أن تنخلع من ملكك و تضع تاجك و تلقي عنك أطمارك و تعبد ربك قال : إني مفكر الليلة و أوافيك السحر فلما كان السحر قرع عليه بابه فقال : إني اخترت هذا الجبل و فلوات الأرض و قد لبست علي أمساحي فإن كنت لي رفيقا لا تخالف فلزما الجبل حتى ماتا و فبه يقول عدي بن زيد العبادي :
أيها الشامت المعير بالدهـ ... ر أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام ؟ بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى الملوك أبو سا ... سان أم أين قلبه سابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم و لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه و إذ دجل ... ة تجبى إليه و الخابور
شاده مرمرا و جلله كل ... سا فللطير في ذراة وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتذكر رب الخورنق إذ أش ... رف يوما و للهدى تذكير
سره ماله و كثرة ما يم ... لك و البحر معرض و السدير
فارعوى قلبه و فال : و ما غب ... طة حي إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح و الملك و الأم ... ة وارتهم هناك القبور
ثم صاروا كأنهم ورق جـ ... ف فألوت به الصبا و الدبور
قال : فبكى حتى اخضلت لحيته و أمر بابنتيه و طي فرشه و لزم قصره فأقبلت الموالي و الحشم على خالد بن صفوان و قالوا : ما أردت إلى أمير المؤمنين ؟ أفسدت عليه لذته فقال : إليكم عاهدت أن لا أخلو بملك إلا ذكرته الله تعالى
● [ الوليد بن يزيد بن عبد الملك ] ●
125هـ ـ 126هـالوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم : الخليفة الفاسق أبو العباس
ولد سنة تسعين فلما احتضر أبوه لم يمكنه أن يستخلفه لأنه صبي فعقد لأخيه هشام و جعل هذا ولي العهد من بعد هشام فتسلم الأمر عند موت هشام في ربيع الآخر سنة خمس و عشرين و مائة و كان فاسقا شريبا للخمر منتهكا حرمات الله أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه و خرجوا عليه فقتل في جمادى الآخرة سنة ست و عشرين
و عنه أنه لما حوصر قال : ألم أزد في أعطياتكم ؟ ألم أرفع عنكم المؤن ؟ ألم أعط فقراءكم ؟ فقالوا : ما ننقم عليك في أنفسنا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله و شرب الخمر و نكاح أمهات أولاد أبيك و استخفافك بأمر الله
و لما قتل و قطع رأسه و جيء به يزيد الناقص نصبه على رمح فنظر إليه أخوه سليمان بن يزيد فقال : بعدا له أشهد أنه كان شروبا للخمر ماجنا فاسقا و لقد راودني على نفسي
و قال المعافي الجريري : جمعت شيئا من أخبار الوليد و من شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه و سخافته و ما صرح به من الإلحاد في القرآن و الكفر بالله
و قال الذهبي لم يصح عن الوليد كفر و لا زندقة بل اشتهر بالخمر و التلوط فخرجوا عليه لذلك
و ذكر الوليد مرة عند المهدي فقال رجل : كان زنديقا فقال المهدي : مه خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق
و قال مروان بن أبي حفصة : كان الوليد من أجمل الناس و أشدهم و أشعرهم
و قال أبو الزناد : كان الزهري يقدح أبدا عند هشام في الوليد و يعيبه و يقول : ما يحل لك إلا خلعه فما يستطيع هشام و لو بقي الزهري إلى أن يملك الوليد لفتك به
و قال حماد الراوية : كنت يوما عند الوليد فدخل عليه منجمان فقالا : نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين قال حماد : فأردت أن أخدعه فقلت : كذبا و نحن أعلم بالأثار و ضروب العلم و قد نظرنا في هذا فوجدناك تملك أربعين سنة فأطرق ثم قال : لا ما قالا يكسرني و لا ما قلت يغرني و الله لأجبين المال من حلة جباية من يعيش الأبد و لأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد
و قد ورد في مسند أحمد حديث [ ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشد على هذه الأمة من فرعون لقومه ]
و قال ابن فضل الله في المسالك : الوليد بن يزيد الجبار العنيد لقبا ما عداه و لقما سلكه فما هداه فرعون ذلك العصر الذاهب و الدهر المملوء بالمعاتب يأتي يوم القيامة يقدم قومه فيوردهم النار و يرديهم العار و بئس الورد المورود و المورد المردي في ذلك الموقف المشهود رشق المصحف بالسهام و فسق و لم يخف الآثام
و أخرج الصولي عن سعيد بن سليم قال : أنشد بن ميادة الوليد بن يزيد شعره الذي يقول فيه :
فضلتم قريشا غير آل محمد . وغير بني مروان أهل الفضائل
فقال له الوليد : أراك قد قدمت علينا آل محمد فقال ابن ميادة : ما أراه يجوز غير ذلك.
● [ يزيد بن الوليد بن عبد الملك ] ●
( الناقص ) 126 هـ ـ 126هـيزيد الناقص : أبو خالد بن الوليد بن عبد الملك لقب بالناقص لكونه نقص الجند من أعطياتهم وثب على الخلافة و قتل ابن عمه الوليد و تملك
و أمه شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد و أم فيروز بنت شيرويه بن كسرى و أم شيرويه بنت خاقان ملك الترك و أم أم فيرون بنت قيصر عظيم الروم فلهذا قال يزيد يفتخر:
أنا ابن كسرى و أبي مروان . وقيصر جدي و جدي خاقان
قال الثعالبي : أغرق الناس في الخلافة من طرفيه
و لما قتل يزيد الوليد قام خطيبا فقال :
أما بعد إني و الله ما خرجت أشرا و لا بطرا و لا طعما و لا حرصا على الدنيا و لا رغبة في الملك و إني لظلوم نفسي إن لم يرحمني ربي و لكن خرجت غضبا لله و لدينه و داعيا إلى كتابه و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم حين درست معالم الهدى و طفىء نور أهل التقوى و ظهر الجبار المستحل الحرمة و الراكب البدعة فلما رأيت ذلك أشفقت إذ غشيكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم و قسوة من قلوبكم و أشفقت أن يدعو كثيرا من الناس إلى ما هو عليه فيجيبه فاستخرت لله في أمري و دعوت من أجابني من أهلي و أهل ولايتي فأراح الله منه البلاد و العباد ولاية من الله و لا حول و لا قوة إلا بالله أيها الناس : إن لكم عندي إن وليت أموركم أن لا أضع لبنة على لبنه و لا حجرا على حجر و لا أنقل مالا من بلد حتى أسد ثغره و أقسم بين مصالحه ما تقوون به فإن فضل فضل رددته إلى البلد الذي يليه حتى تستقيم المعيشة و تكونوا فيه سواء فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم و إن ملت فلا بيعة لي عليكم و إن رأيتم أحدا أقوى مني عليها فأردتم بيعته فأنا أول من يبايعه و يدخل في طاعته و أستغفر الله لي و لكم
و قال عثمان بن أبي العاتكة : أول من خرج بالسلاح في العيدين يزيد بن الوليد خرج يومئذ بين صفين من الخيل عليهم السلاح من باب الحصن إلى المصلى
و عن أبي عثمان الليثي قال يزيد الناقص : يا بني أمية إياكم و الغناء فإنه ينقص الحياء و يزيد في الشهوة و يهدم المروءة و إنه لينوب عن الخمر و يفعل ما يفعل المسكر فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا
و قال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي رحمه الله يقول : لما ولي يزيد بن الوليد دعا الناس إلى القدر و حملهم عليه و قرب أصحاب غيلان
و لم يمتع يزيد بالخلافة بل مات من عامه في سابع ذي الحجة فكانت خلافته ستة أشهر ناقصة و كان عمره خمسا و ثلاثين سنة و قيل : ستا و أربعين سنة و يقال: إنه مات بالطاعون
● [ إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ] ●
126 هـ ـ 127 هـإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك : أبو إسحاق بويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد الناقص فقيل : إنه عهد إليه و قيل : لا
قال برد بن سنان : حضرت يزيد بن الوليد و قد احتضر فأتاه قطن فقال : أنا رسول من وراء بابك يسألونك بحق الله لما و ليت أمرهم أخاك إبراهيم فغضب فقال : أنا أولي بإبراهيم ؟ ثم قال : يا أبا العلاء إلى من ترى أعهد ؟ قلت : أمر نهيتك عن الدخول فيه فلا أشير عليك في آخره قال : و أغمي عليه حتى حسبته قد مات فقعد قطن فافتعل كتابا بالعهد على لسان يزيد و دعا ناسا فاستشهدهم عليه و لا و الله ما عهد يزيد شيئا
و مكث إبراهيم في الخلافة سبعين ليلة ثم خلع : خرج عليه مروان بن محمد و بويع فهرب إبراهيم ثم جاء و خلع نفسه من الأمر و سلمه إلى مروان و بايع طائعا
و عاش إبراهيم بعد ذلك إلى سنة اثنتين و ثلاثين فقتل فيمن قتل من بني أمية في وقعة السفاح
و في تاريخ ابن عساكر سمع إبراهيم من الزهري و حكى عن عمه هشام و حكى عنه ابنه يعقوب و أمه أم ولد و هو أخو مروان الحمار لأمه
و كان خلعه يوم الإثنين لأربع عشرة خلت من صفر سنة سبع و عشرين و مائة
و قال المدائني : لم يتم لإبراهيم أمر كان قوم يسلمون عليه بالخلافة و قوم يسلمون عليه بالإمرة و أبى قوم أن يبايعوا له و قال بعض شعرائهم:
نبايع إبراهيم في كل جمعة . ألا غن أمرا أنت واليه ضائع
و قال غيره : كان نقش خاتم إبراهيم [ إبراهيم يثق بالله ]
● [ مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ] ●
( الحمار ) 127 هـ ـ 132 هـ مروان الحمار : آخر خلفاء بني أمية أبو عبد الملك بن محمد بن مروان بن الحكم و يلقب بالجعدي نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم و بالحمار لنه كان لا يجف له لبد في محاربة الخارجين عليه
كان يصل السير بالسير و يصبر على مكاره الحرب و يقال في المثل : فلان أصبر من حمار في الحروب فلذلك لقب به وقيل : لأن العرب تسمي كل مائة سنة حمارا فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة لقبوا مروان بالحمار لذلك
ولد مروان بالجزيرة و أبوه متوليها سنة اثنتين و سبعين و أمه أم ولد
و ولي قبل الخلافة ولايات جليلة و افتتح قونية سنة خمس و مائة
و كان مشهورا بالفروسية و الإقدام و الرجولة و الدهاء و العسف فلما قتل الوليد و بلغه ذلك و هو على أرمينية دعا إلى بيعة من رضيه المسلمون فبايعوه فلما بلغه موت يزيد أنفق الخزائن و سار فحارب إبراهيم فهزمه و بويع مروان و ذلك في نصف صفر سنة سبع و عشرين و استوثق له الأمر فأول ما فعل أمر بنبش يزيد الناقص فأخرجه من قبره و صلبه لكونه قتل الوليد
ثم إنه لم يتهن بالخلافة لكثرة من خرج عليه من كل جانب إلى سنة اثنتين و ثلاثين فخرج عليه بنو العباس و عليهم عبد الله بن علي عم السفاح فسار لحربهم فالتقى الجمعان بقرب الموصل فانكسر مروان فرجع إلى الشام فتبعه عبد الله ففر مروان إلى مصر فتبعه صالح أخو عبد الله فالتقيا بقرية بوصير فقتل بها في ذي الحجة من السنة
مات في أيامه من الأعلام : السدي الكبير و مالك بن دينار الزاهد و عاصم ابن أبي النجود المقري و يزيد بن أبي حبيب و شيبة بن نصاح المقري و محمد بن المنكدر و أبو جعفر يزيد بن القعقاع مقرىء المدينة و أبو أيوب السختياني و أبو الزناد و همام بن منبه و واصل بن عطاء المعتزلي
و أخرج الصولي عن محمد بن صالح قال : لما قتل مروان الحمار قطع رأسه و وجه به إلى عبد الله بن علي فنظر غليه و غفل فجاءت هرة فاقتلعت لسانه و جعلت تمضغه فقال عبد الله بن علي : لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان في فم هرة لكفانا ذلك
101هـ ـ 105 هـ
105 هـ ـ 125هـ
125هـ ـ 126هـ
( الناقص ) 126 هـ ـ 126هـ
126 هـ ـ 127 هـ
( الحمار ) 127 هـ ـ 132 هـ