بعد أن توجهت نزهة الزمان على الفور الى قصر الأمير شركان لتشكوا له ما حدث من عماله ، وتخلص اخيها ضوء المكان والتاجر من السجن ، فدخلت عليه وقد اسدلت على وجهها ما يحجبه ، وشركان جالس فى مجلس الإمارة والحكم، والقاضى والوزراء والعلماء يجلسون بين يديه ، فقالت له: اصلح الله الأمير ، وأدام عليه ملك ابيه ، الملك المُهاب عمر النعمان الذى ملك الأقطار ووصلت عساكره إلى الهند والسند والصين وأقصى البلاد ، فلم يجور جنده على الناس ، ولم يظلم عماله احد العباد، اعلم أيها الأمير أن مقاصد الخلق منتهية إلى الدين والدنيا لأنه لا يتوصل أحد إلى الدين إلا بالدنيا فإن الدنيا نعم الطريق إلى الآخرة لأن الله تعالى جعل الدنيا للعباد كزاد المسافر إلى تحصيل المراد فينبغي لكل إنسان أن يتناول منها بقدر ما يوصله إلى الله ولا يتبع في ذلك نفسه وهواه، ولو تتناولها الناس بالعدل لانقطعت الخصومات ولكنهم تناولونها بالجور ومتابعة الهوى فجرت بينهم الخصومات فاحتاجوا إلى سلطان لأجل أينصف بينهم ويضبط أمورهم ولولا ردع الملك الناس عن بعضهم لغلب قويهم على ضعيفهم وقد قال إزدشير: إن الدين والملك توأمان فالدين كنز والملك حارس وقد جلت الشرائع والعقول، على أنه يجب على الناس أن يتخذوا سلطاناً يدفع الظالم عن المظلوم، وينصف الضعيف من القوي ويكف بأس العاتي والباغي واعلم أيها الملك أنه على قدر حسن أخلاق السلطان يكون الزمان فإنه قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شيئان في الناس إن صلحا صلح الناس وإن فسدا فسد الناس، العلماء والأمراء، وقد قال بعض الحكماء: الملوك ثلاث ، ملك دين، وملك محافظة على الحرمات، وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه يلزم رعيته باتباع دينهم وينبغي أن يكون أدينهم لأنه هو الذي يقتدي به في أمور الدين ويلزم الناس طاعته فيما أمر به موافقاً للأحكام الشرعية ولكنه ينزل السخط منزلة الراضي بسبب التسليم إلى الأقدار. وأما ملك المحافظة على الحرمات فإنه يقوم بأمور الدين والدنيا يلزم الناس باتباع الشرع والمحافظة على المروءة ويكون جامعاً بين العلم والسيف فمن ذاغ عما سطر القلم زلت به القدم ، فيقوم اعوجاجه بحد الحسام وينشر العدل في جميع الأنام. وأما ملك الهوى فلا يدين له إلا اتباع هواه ولم يخش سطوة مولاه الذي ولاه فمآل ملكه إلى لدمار ونهاية عنوه إلى دار البوار. وقالت الحكماء: الملك يحتاج إلى كثير من الناس وهم محتاجون إلى واحد ولأجل ذلك وجب أن يكون عارفاً باختلافهم، ليرد اختلافهم إلى أوقاتهم ويعمهم بعدله وبغمرهم بفضله. واعلم أيها الأمير أن إزدشير وهو الثالث من ملوك الفرس قد ملك الأقاليم جميعاً وقسمها على أربعة أقسام وجعل له من أجل ذلك أربعة خواتم لكل قسم خاتم، الأول خاتم البحر والشرطة والمحاماة وكتب عليه بالنيابات، والثاني خاتم الخراج وجباية الأموال وكتب عليه العمارة ، والثالث خاتم الخراج وكتب عليه الرخاء، والرابع خاتم المظالم وكتب عليه العدل ، وقد كتب كسرى لابنه وهو في جيشه: لا توسعن على جيشك فيستغنوا عنك ولا تضيق عليهم فيضجروا منك وأعطهم عطاءاً مقتصداً وامنحهم منحاً جميلاً ووسع عليهم في الرخاء ولا تضيق عليهم في الشدة. وروي أن أعرابياً جاء إلى المنصور وقال له: اشبع كلبك يتبعك ، فغضب المنصور من الأعرابي لما سمع منه هذا الكلام فقال له أبو العباس الطوسي: أخشى أن يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويتركك فسكن غيظ المنصور وعلم أنها كلمة لا تخطيء وأمر للأعرابي بعطية، واعلم أيها الأمير أن عبد الملك بن مروان كتب لأخيه عبد العزيز بن مروان حين وجهه إلى مصر: تفقد كتابك وحجابك فإن الثابت يخبرك عنه كتابك والترسيم تعرفك به حجابك والخارج من عندك يعرفك بجيشك. وكان عمر بن الخطاب إذا استخدم خادماً شرط عليه أربعة شروط: أن لا يركب البرازين وأن لا يلبس الثياب النفيسة وأن لا يأكل من الفيء وأن لا يؤخر الصلاة عن وقتها. وقيل: لا مال أجود من العقل، ولا عقل كالتدبير، ولا حزم كالتقوى، ولا قربة كحسن الخلق، ولا ميزان كالأدب، ولا فائدة كالتوفيق، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كثواب الله، ولا ورع كالوقوف عند حدود السنة، ولا علم ككلمة التوحيد، ولا عبادة كالفرائض، ولا إيمان كالتقوى، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، فاحفظ الرأس وما وعى، والبطن وماحوى واذكر الموت والبلا. احرص على صون القلوب من الأذى ● فرجوعهـا بعـد التنافر يعسـر إن القلــوب إذا تنـافـر ودهـــــــــــــــا ● مثل الزجاجة كسرها لا يجبر واختم كلامى بحمد الله الواحد الأحد والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. فقال لها شركان وقد ابهره كلامها: من انت ، فقالت: ايها الأمير انما حضرت لحاجتى ، ولم احضر للضيافة ، فقال شركان: وما حاجتك ، فقالت: جار جند الأمير على اخى وصاحبه وساقوهما الى السجن دون حكم القاضى ، فنظر شركان الى القاضى وقال: لا اقر الظلم ولا اقبل به ، وها هو القاضى سينظر فى الأمر ، وانت فى ضيافتى حتى إنتهاء الأمر ، فإدخلى الى الحريم ، لا أسألك من انت. دخلت ضوء المكان على حريم الأمير وهن جلوس ومعهن نساء الأمراء والوزراء ، وقد رفعت حجاب وجهها ، فإنبهرن بها وقمنا لها ، فتلقت نزهت الزمان النساء بالترحيب وصارت تتبسم في وجوههن فأخذت قلوبهن وأنزلتهن في مراتبهن كأنها تربت معهن فتعجبن من حسنها وجمالها وعقلها وأدبها وكن قد سمعن قولها من وراء الحجاب ، فقلن لبعضهن، ما هذه إلا ملكة بنت ملك وصرن يعظمن قدرها وقلن لها: يا سيدتنا أضاءت بك بلدتنا وشرفت بلادنا ومملكتنا فالمملكة مملكتك، والقصر قصرك ، فشكرتهن على ذلك، هذا ما كان من امر ضوء المكان ونزهة الزمان ، اما الملك عمر النعمان ، فبعد ان عاد من الصيد وعلم بخروج ضوء المكان ونزهت الزمان ضمن الحجاج ، انتظر عودتهما ، فلما عاد الركب الحجازى ولم يجد فيه ضوء المكان ونزهت الزمان ، كتب الى ابنه شركان كتاب وارسله فى ذات الوقت والزمان الى دمشق ، فلما فتح شركان كتاب والده الملك النعمان وعليه خاتمه وجد فيه بعد البسملة وحمد الله والصلاة على رسول الله: هذا من عند الحائر الولهان، الذي فقد الولدان، فضاقت به الأوطان، الملك عمر النعمان، إلى ولده شركان، اعلم أنه بعد مسيرك من عندي ضاق علي المكان حتى لا أستطيع صبراً ولا أقدر أن أكتم سراً، فذهبت إلى الصيد والقنص وكان ضوء المكان قد طلب مني الذهاب إلى الحجاز فخفت عليه ومنعته من السفر إلى العام التالى فيصحبنى فيكون فى آمان ، فلما ذهبت إلى الصيد والقنص غبت شهراً. فلما أتيت وجدت أخاك وأختك أخذا شيئاً من المال وسافرا مع الحجاج خفية، فلما علمت بذلك ضاق بي الفضاء وقد انتظرت مجيء الحجاج ، فلما جاء الحجاج سألت عنهما فلم يخبرني أحد بخبرهما ، فأرسلت من يبحث عنهما ، وقد عاد الركبان بدونهما ، فلبست لأجلهما ثياب الحزن وأنا مرهون الفؤاد عديم الرقاد غريق دمع العي ، فلا تتهاون في كشف الأخبار والبحث عنهما ، فإن هذا علينا عار، فلما قرأ الرسالة حزن على حزن أبيه وفقد أخته وأخيه ، فلما دخل على اهل بيته ، وحدثته زوجاته فى امر هذه الصبية التى اقبلت عليهم ، وانها لا تكون إلا ابنة ملك ، وقع فى قلبيه انها اخته نزهت الزمان , فعاد مسرعآ الى الديوان وأمر بأحضار التاجر والشاب من السجن ، فأسرع قائد الجند واحضرهما فى الحال ، فلما وقفا امام شركان ، نظر الى اخيه وهو لا يعرفه ، فقال له: مرحبآ بالأمير ضوء المكان ، فقد ارسل الملك فى طلبك بعد تأخرك فى رحلة الحج ، وتأخرك عن الركب ، فلم يستطع ضوء المكان ان ينكر ، وقال في نفسه: ما خفت منه وقعت فيه، ثم أنشد هذا البيت: كان الذي خفت أن يكونا ● إنا إلى الله راجعونا ثم تحدث الى شركان بقوله: مرحبا بأمير دمشق وولى عهد الممكة وصاحب الملك بعد الملك النعمان حفظه الله ، فأسرع شركان وهو لا يكاد يصدق نفسه ، فإحتضن اخيه واخذ يقبله ويحمد الله على سلامته ، والتاجر واقف بين يديهما وقد ازهله ما سمع وما شاهد ، فأمر شركان بكتابة مرسوم اميرى إلى التاجر مفاده أنه لا يدفع على تجارته عُشراً ولا يتعرض له أحد بسوء في سائر المملكة وأمر له بخلعة سنية . فإنطلق التاجر وقد كاد السرور ان يقتله من شدته ، واخذ شركان ضوء المكان ودخل به الى حيث توجد نزهة الزمان ، بعد ان كتب لأبيه الملك نعمان كتاب يخبره فيه بما كان. أمر شركان بإحضار ثوبآ مزركشآ بالذهب لنزهة الزمان ، وخفاً مزركشاً بالذهب الأحمر مرصعاً بالدرر والجوهر وجعل في أذنيها حلقاً من اللؤلؤ بألف دينار وحول رقباتها قلادة فيها عشر أهلة، كل هلال في وسطه فص من الياقوت فكان ثمن تلك القلادة ثلاثة آلاف دينار فصارت الكسوة التي كساها إياها بجملة بليغة من المال، فدخلت على نساء شركان، فبهتوا في حسنها ، وكأنهن لم يروها من قبل وقلنا: تبارك الله أحسن الخالقين ، هنيئاً لمن كانت هذه عنده ، فضحكت وقالت: لثوب العفاف ، وتاج الحياء ، وحسن الخلق ، ثمن من ذلك كله، ثم جلست بينهن تقص عليهن ما حدث لها ولأخيها. اما ضوء المكان فقد احضر له من أفخر الثياب التى لا تكون إلا للأمراء ، وبعد مرور ثلاثة ايام طلبت نزهة الزمان من شركان ان يسمح لها بالسفر بصحبة اخيها لشدة شوقها الى رؤية ابيها ، فأمر شركان بتحهيز موكب الأمير والأميرة للعودة الى الملك عمر النعمان يصحبهم كاظم كبير وزراء شركان وصناديق الهدايا محملة على الجمال وفرشاً وقماشاً من الديباج وغيره وجنائب مسرجة ونجاتي وعبيداً ومماليك والناس في هرج ومرج بلوحون للأمراء ، وقد صحبهم شركان الى خارج دمشق ، ووقف يودعهم حتى غابوا عن الأنظار. فعاد شركان الى دمشق ، وتابعوا هم رحلتهم بستريحون نهارآ وبسيرون ليلآ ، ولم يزالوا على تلك الحالة حتى قربوا من البلاد ولم يبق بينهم وبين البلاد إلا مسيرة ثلاثة أيام ، وبينما هم فى راحتهم إذا بغبار عظيم قد لاح لهم وأظلم الجو منه حتى صار كالليل الداجي، فصاح الوزير قائلاً: أمهوا ولا تحملوا وركب هو ومماليكه وساروا نحو ذلك الغبار، فلما قربوا منه بان من تحته عسكر جرار كالبحر الزخار وفيه رايات وأعلام وطبول وفرسان وأبطال فتعجب الوزير من أمرهم، فلما رآهم العسكر افترقت منه فرقة قدر خمسمائة فارس وأتوا إلى الوزير هو ومن معه وأحاطوا بهم وأحاط كل خمسة من العسكر بمملوك من المماليك ، فقال الوزير لقائد الجند: ما الخبر ـ وكيف تفعل معنا هذه الأفعال، فقال له قائد الجند: من أنت، ومن أين أتيت، وإلى أين تتوجه، فقال لهم: آلا تعرفنى ، أنا كبير وزراء أمير دمشق الأمير شركان ابن الملك عمر النعمان صاحب أرض خراسان وما حولها من والأمصار، ومعى ابنه الأمير ضوء المكان وابنته الأميرة نزهة الزمان ، فلما سمع كبير الجند كلام الوزير انخرط فى البكاء ، وقال له: واين الأمير ضوء المكان ، فإتجه بهم الوزير الى ضوء المكان ، فأقبل كبير الحرس على ضوء المكان قال له وهو لايزال يبكى: ايها الأمير إن الملك عمر النعمان قد مات ، فتوجه حتى تجتمع بوزيره الأكبر الوزير دندان . فلما سمعت نزهة الزمان ذلك الكلام ارتفع صوتها بالبكاء من داخل صومعتها وقالت: وا ابتاه وا حبيباه وا مصيبتاه ، فأخذ الجميع يبكون ، وتوجه ضوء المكان لملاقاة الوزير دندان الذى أمر بضرب خيامه وجلس على سرير في وسط الخيمة ، فدخل عليه ضوء المكان ومعه الوزير كاظم فأجلسهما الوزير دندان ، فلما اخبره ضوء المكان بما حدث له ، بكى الوزير دندان لما حدث للملك عمر النعمان بسبب فراقه لأولاده ، ثم قال له الوزير دندان: قد اختلف الناس بعد موت الملك عمر النعمان فيمن يولونه بعده ، فمنهم من يرغب فى تولية الأمير شركان ومنهم من يرغب فى البحث عنك يا امير ضوء المكان وتوليتك الأمر بعد ابيك ، حتى كادوا يقتتلون لولا ان منعهم عن بعضهم الأكابر والأشراف والقضاة الأربعة ، فاتفق جميع الناس على أن ما أشار به القضاة الأربعة لا يخالفهم فيه أحد، فوقع الاتفاق على أننا نسير إلى دمشق ونقصد الأمير شركان ونعرض عليه الأمر ، فهو ولى العهد بعد ابيه الملك النعمان ، أما الأن وقد عدت يا امير فالأمر بينكما ، ثم نظر الى الوزير كاظم وقال: ما يقول الوزير ، فقال: الأمر امركم والقول قولكم ، فأرسل الوزير دندان إلى القضاة الأربعة والوزراء وأكابر الدولة وأطلعهم على الأمر، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وتعجبوا من هذا الاتفاق. ثم اجتمعوا كلهم للمشورة ، فلما فرغوا من مشورتهم ركبوا ولحقوا بالعساكر، فأبلغوا الوزير دندان بأنهم قد اختاروا الأمير ضوء المكان ملكآ عليهم يخلف ابيه الملك عمر النعمان ، فقال الوزير دندان: نعم الرأي الذي رأيتموه ، ثم نهض الوزير دندان تعظيماً للأمير ضوء المكان ، وقدم له التقاديم وأقسم له بالولاء وكذلك الأمراء والكبار وارباب المناصب قدموا له التقاديم واقسموا له بالولاء ودعوا له وقالوا: عاش الملك ضوء المكان ، صاحب أرض خراسان وما حولها من والأمصار، أما الوزير كاظم فوقف بين يدى الأمير ضوء المكان وقال: ايها الملك ، كما تعلم فإنى وزير الأمير شركان فأمهلنى حتى اعود اليه ، فلا يظن اننى خنت عهدى معه ، فأقره ضوء المكان على قوله، ثم امر بمتابعة المسير ، حتى إذا ما كانوا على مسيرة يوم من المدينة ، فأمر الوزير دندان بالنزول فيه لأجل الراحة وتهيئة الأوضاع لجلوس ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان سلطانآ على البلاد حيث يحضر في الغد الجيش كله وما بقى من الأعيان وكبار التجار في هذا المكان لتقديم الولاء لسلطان البلاد ، فقال ضوء المكان للوزير دندان: آلا ننتظر حتى نخبر شركان بالأمر ، فقال له دندان: أخاف ان يثب الى الملك غيركم فيغتصبه ، ويخرج الملك من أيديكما ، وتعم الفتنة البلاد ، فأطرق ضوء المكان برأسه ساعة من الزمان ثم قال: قبلت هذا الأمر ، فإن طلبه شركان تخليت له عنه ، فقال الوزير كاظم : تكلمت يا مولاى بما فيه الرشاد ، فشد عزمك وجهز أمرك، فقبل منه ضوء المكان ذلك، فأمر الوزير دندان الفراشين أن يختاروا موضعاً عالياً وينصبوا فيه خيمة واسعة عظيمة للسلطان ليجلس فيها إذا أقدم عليه الناس ، ثم أمر الطباخين أن يطبخوا طعاماً فاخراً ويحضروه، وأمر السقائين أن ينصبوا حياض الماء، وانطلق هو الى خرسان وعند الغروب ظهر الغبار حتى سد الأقطار، ثم انكشف ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار مثل البحر الزخار. يتقدمهم الوزير دندان ، وكلهم فرحون بسلطنة ضوء المكان ، فقابلهم ضوء المكان لابساً خلعة الملك متقلداً بسيف الموكب فقدم له الوزير دندان الفرس فركب وسار هو ومماليكه وجميع من في الخيام مشى في خدمته حتى دخل القبة الكبيرة وجلس ووضع التاج على رأسه والوزير دندان عن يمينه والوزير كاظم عن شماله، ووقفت المماليك في دهليز الخيمة وشهروا في أيديهم السيوف ثم أقبل قاض القضاة وقائد الجيوش وكبير الأعيان وشيخ التجار، فتلقاهم ضوء المكان أحسن ملتقى ووعدهم بكل خير فهنئوه بالسلامة ودعوا له وحلفوا له الإيمان الصادقة أنهم لا يخالفون له أمراً ، ثم اتخذ كل منهم مجلسه فى الخيمة السلطانية ، ثم جرى الحديث بينهم وبين السلطان فى احوال المملكة ، فإستمع لهم ضوء المكان ووعدهم بكل خير ، ثم انصرفوا واختلى ضوء المكان بالوزير دندان فقال ضوء المكان للوزير دندان: تعلم ما انا مقبل عليه، فأوصنى ، فإيبتسم الوزير دندان وقال: ما اشبه مولاى حقظه الله بواله يرحمه الله ، فقد دخل رجل من البادية على والدك الملك عمر النعمان يرحمه الله فأحسن الكلام بين يديه ، فقال له والدك يرحمه الله : أوصني، فقال: أوصيك أن تكون في الدنيا مالكاً زاهداً وفي الآخرة مملوكاً طامعاً ، فالزاهد في الدنيا يملك الدنيا والآخرة. وعليك بخصلتين: أن لا تشرك بالله شيئاً وأن لا تؤذي من خلق الله أحداً، وختام قولى ان لا تنسى زادك من الدنيا وأنشد هذين البيتين: إذا أنت لم يصحبك زاد من التقى ● ولاقيت بعد الموت من قد تزودا نـدمـت على أن لا تكــون كمـثلـه ● وإنك لم ترصـد كما كان أرصـدا فنظرت فإذا الدمع ينهمر من عين والدك يرحمه الله ، ولم يمنعه سلطانه من ذلك ، فإنصرف الإعرابى وقد اجزل له والدك العطاء، فاعلم أيها الملك أنه ينبغي لذي التقى ان يتحلى بالفضائل وأن يؤدي الفرائض ويبتعد عن الكبائر ويلازم ذلك ملازمة من لو أفرد عنه لهلك وأساس الأدب مكارم الأخلاق واعلم أن أسباب المعيشة طلب الحياة والقصد من الحياة عبادة الله، فينبغي أن تحسن خلقك مع الناس وأن لا تعدل عن تلك السنة فإن أعظم الناس خطراً أحوجهم إلى التدبير والملوك أحوج إليه من السوقة لأن السوقة قد تفيض في الأمور من غير نظر في العافية، وأن تبدل في سبيل الله نفسك ومالك واعلم أن العدو خصم تخصيمه بالحجة وتحرز منه، وأما الصديق فليس بينك وبينه قاض يحكم غير حسن الخلق. فاختر صديقك لنفسك صادقاً ليس بجاهل ولا شرير والمنافق لا يكون صديقاً لأن الصديق مأخوذ من الصدق الذي يكون ناشئاً عن صميم القلب فكيف به إذا أظهر الكذب على اللسان، واعلم أن أتباع الشرع ينفع صاحبه فتودد لأخيك، وإن ظهر لك منه ما تكره فإنه ليس كالمرأة يمكن طلاقها ولكن رحم يعظم قطعها ، والتمس له كل عذر ، فإن خير الإخوان أشدهم في النصيحة، وخير الأعمال أجملها عاقبة، وخير الثناء ما كان فى غير افراط، واعلم انه لا ينبغي للعبد أن يغفل عن شكر الله خصوصاً على نعمتي العافية والعقل، وقيل: من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهرته، ومن عظم صغائر المصائب ابتلاه الله بكبارها، ومن أطاع الهوى ضيع الحقوق، ومن أطاع الواشي ضيع الصديق، ومن ظن بك خيراً فصدق ظنه ومن بالغ في الخصومة أثم ومن لم يحذر الحيف لم يأمن السيف. ونا اجمل قول الشاعر: وإني لأغني الناس عن متـكلف ● يرى الناس ضلالاً وما هو مهتدي وما المـال والأخلاق إلا معــارة ● فكل بـما يخفيه في الصـدر مرتدي إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ● ضللت وإذ تدخل من الباب تـهتدي واعلم أيها الملك أنه لا ينفع قضاء بحق إلا بعد التثبت، وينبغي للحاكم أن يجعل الناس في منزلة واحدة حتى لا يطمع شريف في الجور ولا ييأس ضعيف من العدل وينبغي أيضاً أن يجعل البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حرماً أو حرم حلالاً، وما شككت فيه اليوم فراجع فيه عقلك وتبين به رشدك لترجع فيه إلى الحق فالحق فرع والرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل، وسو بين الأخصام في الوقوف وليكن نظرك على الحق موقوفاً وفوض أمرك إلى الله عز وجل واجعل البينة على من ادعى فإن حضرت بينته أخذت بحقه وإلا فحلف المدعى عليه وهذا حكم الله. واخلص نيتك فأن من خلصت نيته وأصلح ما بينه وبين الله، كفاه الله ما بينه وبين الناس. هذه وصيتى للملك ، والحمد لله رب العالمين. فدخلت نزهة الزمان ، فقالت للوزير دندان : اخبرنا بأحوال ابى بعد ان غادرنا ، فقال: لما عاد الملك عمر النعمان يرحمه الله من الصيد والقنص وجاء إلى المدينة سأل عنكما فلم يجدكما فلما قرأ الكتاب علم أنكما قد قصدتما الحج، فاغتم لذلك لشدة خوفه عليكما ، وغضب لمعصيتكما له والخروج دون إذنه ، وضاق صدره ، فلما حضر الحُجاج ولم يجدكما معهم ، اشتد خوفه وغضبه وإستخبر عنكما كل شارد ووارد فلم يخبره أحد عنكما. وإنطلقت الجيوش للبحث عنكما ولكن دون جدوى ، واستغل أفريدون انشغال الملك عمر النعمان بالبحث عنكما فأرسل من خطف اموكما الأميرة صفية ، فإزداد هم الملك النعمان ، وضعف جسمه واشتد عليه المرض وحار فيه الأطباء حتى جاء قدر الله ، يرحم الله الملك ويعفوا عنكما ، ولك أجل كتاب، ما كاد الوزير دندان ينتهى من كلامه حتى انخرط ضوء المكان ونزهة الزمان فى البكاء والوزير يخفف عن نزهة الزمان , ثم قال لضوء المكان: أيها الملك أن البكاء لا يفيدك شيئاً ولا يفيدك إلا أن تشد قلبك وتقوي عزمك لأمور حكمك وتؤطيد ملكك ، فسكت ضوء المكان عن بكائه وأمر بالمسير لدخول المدينة. فدخلها فى موكب مهيب وسط الحفاوة والجميع يهتف بحياتة والولاء له. وفور دخول ضوء المكان المدينة اخذ بنصيحة الوزير دندان فى نسيان الأحزان والشروع فى توطيد حكمه وتثبيت ملكه ، فطلب من الوزير دندان ان يخبره بخزائن أبيه ، فأخبره بما فى الخزائن من الأموال والذخائر والجواهر ، واعلمه بما فى دواوين المملكة وعرض عليه كتب ابوه الى الملوك ومعاهداته وخصوماته ، حتى اعلمه بجميع امور المملك بصدق وامانة ، فعند ذلك أمر ضوء المكان كاتب السر أن يكتب كتاباً إلى أخيه شركان ويذكر فيه ما جرى من الأول إلى الآخر ويذكر في آخره : فإن رغبت فى الملك وتولى الحكم فجهز أمرك واحضر بعسكرك لإستلام الحكم وتولى الملك فأنت الأحق به ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ، ثم طوى الكتاب وختمه وقال للوزير كاظم: ما يتوجه بهذا الكتاب إلا أنت ولكن ينبغي أن تتلطف به في الكلام وتقول له: إن أردت ملك أبيك فهو لك وأخوك نائباً عنك في دمشق كما أخبرنا بذلك. فنزل الوزير كاظم من عند ضوء المكان وتجهز للسفر وغادر على الفور. كتب ضوء المكان كتاب لأخيه شركان وختمه وقال للوزير كاظم: ما يتوجه بهذا الكتاب إلا أنت ولكن ينبغي أن تتلطف به في الكلام وتقول له: إن أردت ملك أبيك فهو لك وأخوك نائباً عنك في دمشق كما أخبرنا بذلك. فنزل الوزير كاظم من عند ضوء المكان وتجهز للسفر وغادر على الفور، وبعد مدة عاد الوزير كاظم من سفره وأخبره بخبر أخيه شركان وإنه قادم عليه . فخرج ضوء المكان الى خارج المدينة وامر بشد الخيام لانتظار قدوم أخيه ومعه كبار رجال الدولة . وعند الصباح أقبل الأمير شركان في عساكر الشام ما بين فارس مقدام وأسد ضرغام وبطل مصدام، فلما أشرفت الكتائب وقدمت النجائب وخفقت أعلام المراكب توجه ضوء المكان هو ومن معه لملاقاتهم فلما عاين ضوء المكان أراد أن يترجل إليه فأقسم عليه شركان أن لا يفعل ذلك، وترجل شركان ومشى نحوه فلما صار بين يدي ضوء المكان رمى ضوء المكان نفسه عليه فاحتضنه شركان إلى صدره وبكيا بكاءاً شديداً وعزى بعضهما بعضاً. ثم ركب الاثنان وسار العسكر معهما إلى أن أشرفوا على خرسان ونزلوا، ثم تقدم ضوء المكان هو وأخوه شركان إلى قصر الملك ، وقبل ان يباتا لليلتهما أمر ضوء المكان أن يجتمع العسكر والناس عند الصباح ليعلن ضوء المكان تنازله على الملك لأخيه شركان ، فأصبحوا والقوم يأتون أفواجاً متتابعة، فقال شركان لأخيه: يا أخي ما حضرت لهذا ، ثم تركه وذهب ليتفقد احوال أخته نزهة الزمان ويسلم عليها فوجدها بعافية وأنها في غاية ما يكون من الصحة والسلامة فحمدت الله تعالى وشكرته ، ورجع شركان إلى أخيه يشاوره في أمر الرحيل ، ولكن ضوء المكان طلب منه ان ينتظر بجانبه حتى تستقر الأمور. كان ضوء المكان يدبر لأمر غزو القسطنطينية لإعادة امه الملكة صفية ابنة أفريدون، فأخبر شركان بذلك ، فقال له شركان : لا نتحرك حتى تتكامل العساكر ونتزود بالعربان والميرة والذخيرة، فقد ذهبت الى هذه البلاد فى حياة ابينا واعلم ان هذه المدينة شديدة الحصون عالية الأسوار، واعرف مدى ما يتطلبه السفر من جهد وعتاد ، فأمر ضوء المكان بالإرسال الى الجيوش وتجهيز الميرة والزخيرة ، وسافر في ثالث شهر من حين نزول عسكر الشام بعد أن قدمت العربان وجميع العساكر من كل مكان وسارت الجيوش والعساكر وتتابعت الجحافل وكان اسم رئيس عسكر الديلم رستم واسم رئيس عسكر الترك بهرمان. امر ضوء المكان الوزير دندان ان يبقى فى خرسان ليدير امور المملكة فى غيابه وسار هو بالجيوش ومعه الوزير كاظم ، وقد تأخر شركان بجنود الشام ليأمن ظهر الجيوش فلا يباغتها الروم من الخلف ، وطلب من ضوء المكان ان يحكم حصار المدينة ولا يقترب منها ويكتفى بضربها بالمنجانيق ، ولم يزالوا سائرين مدة شهر وكل جمعة ينزلون في مكان يستريحون فيه ثلاثة أيام ، ولم يزالوا سائرين على هذه الحالة حتى وصلوا إلى بلاد الروم فنفر أهل القرى والضياع والصعاليك وفروا إلى القسطنطينية فلما سمع أفريدون بالخبر اسرع فحشد الحشود من جنود الروم داخل القسطنطينية واغلق ابوابها ووقف الجنود ليل نهار على الأبراج للمراقبة ، وإستمروا على ذلك حتى رأوا غباراً طار حتى سد الأقطار فلم تمض ساعة من النهار حتى انجلى ذلك الغبار وتمزق إلى الجو وطارت ومحت ظلمته كواكب الأسنة والرماح وبريق بيض الصفاح وبانت من تحته الرايات ، وأقبلت الفرسان كاندفاع البحار في دروع تحسبها سحباً مزررة على أقمار، فأمر ضوء المكان بإحكام الحصار حول المدينة ، فتم ضرب الخيام ونصب المنجانيق وإعداد ادوات القتال ، وجنود الروم تنظر من الأبراج فوق حصون المدينة الحصينة ، التى فشلت جميع محاولات اقتحامها من قبل ، وشركان قد اختفى بجنود الشام فلا يراهم احد من فوق الأسوار. استمر حصار ضوء المكان للمدينة ثلاث شهور ، وقد عقد العزم على عدم العودة إلا بفتح المدينة او اخذ امه والعودة بها ، ولو استمر فى حصار المدينة لسنوات ، وشركان يرسل له كل يوم رسول ليعرف منه الأخبار، وقد إشتد الأمر على سكان القصطنطينية وضاق عليهم الحصار ، فجمع أفريدون المجلس للبحث عن مخرج مما هم فيه ، فقال الوزير: عندى رأى قد ادخرته لهذه اللحظة ايها الملك ، فقال له أفريدون: عجل به ، فقال: نرسل خمسين ألفاً من الرجال ينزلون في المراكب ويتوجهون في البحر إلى أن يصلوا إلى جبل الدخان ةبذلك يكونون خلفهم ونحن نقابلهم من امامهم فلا ينجو منهم أحد ، فاستصوب الملك أفريدون كلام الوزير ، وقال له: اسرع بالتنفيذ ، ولكن طلائع عساكر الشام رصدت من طلعوا من البحر من عساكر الروم وتتبعوا أثرهم ثم اقبلوا الى شركان واخبروه فارسل من اخبر ضوء المكان بأمرهم وبخطته فى اسرهم او القضاء عليهم ، وطلب حضور الوزير كاظم ، فلما حضر الوزير كاظم قال له شركان: خذ معك عشرين ألف فارس وسر بهم إلى ناحية البحر مقدار سبعة فراسخ وأسرعوا في السير حتى تكونوا قريباً من الساحل بحيث يبقى بينكم وبين القوم قدر فرسخين واختفوا في وهدأت الأرض حتى تسمعوا ضجة جنود الروم فأخرجوا وحولوا بينهم وبين المراكب ، فأنطلق الوزير كاظم، وإنتظر شركان حتى تجمع عساكر الروم، وقبل ان يشرعوا فى تنفيذ خطتهم ، احاط بهم ثم امر النبالين بوضع النيران فى سهام نبالهم ويرموا بها خيام عساكر الروم فإلتهب النار في الخيام فتفرقوا مزعورين فلم يجدوا امامهم غير الهرب الى البحر لوكوب المراكب والعودة الى القصطنطينية ، ولكن الوزير كاظم كان ينتظرهم بسيوف عسكر الشام ورماحهم فإستسلموا وتم شد وثاقهم غير قله منهم تم قتلهم ، وطار الخبر الى أفريدون فأرسل رسوله الى ضوء المكان للتفاوض معه ، ومبادلة الأسرى بالملكة صفية ، فوافق ضوء المكان بعد ان عرض الأمر على شركان ، وعادت الملكة صفية الى ابنها ، ولكن ضوء المكان استمر فى حصار القصطنطينية ، فأرسل اليه أفريدون يطلب منه فك الحصار مقابل ما يريد من المال ، فقدر شركان تكلفة الغزوة وضاعف قيمته ذهبآ وفوقه خمسون ألفاً من الخيل فوافق أفريدون ، فطلب ضوء المكان من شركان ان يتقدم فيصلى بالعساكر ركعتى شكر لله لما من الله عليهم من النصر والتأييد والغنيمة . ثم فك الحصار وامر بالتحرك فى رحلة العودة الى الديار ، وجدوا في سيرهم حتى أشرفوا على مرج فسيح وفيه كل شيء مليح ما بين وحوش تمرح وغزلان تسنح وكانوا قد قطعوا مغاور كثيرة وانقطع عنهم الماء ستة أيام، فلما أشرفوا على ذلك المرج نظروا تلك العيون النابعة والأثمار اليانعة وتلك الأرض كأنها جنة أخذت زخرفها وازّينت وشربت أغصانها من رحيق الظل فتمايلت وجمعت بين عذوبة التنسيم فتدهش العقل والناظر كما قال الشاعر: انظر إلى الـروض النـضير كأنما ● نشــــرت عليه مـلاءة خضـراء إن ما سنحت بلحظ عينك لا ترى ● إلا غـديـــراً جـال فيــه المــــاء وتـرى بنفســك عـزة في دوحـــة ● إذ فوق رأسك حيث سرت لواء فلما نظر ضوء المكان إلى ذلك المرج الذي التفت أشجاره وزهت أزهاره وترنمت أطياره نادى أخاه شركان وقال له: هذا ذكرنى بغوطة دمشق فرغبت فى إمارتها ، فضحك شركان وقال له: انت السلطان ولابد لك من عمال وانا عاملك على دمشق ، فقال له ضور المكان: بل انت السلطان وانا عاملك على دمشق ، وخلع التاج والبسه لشركان امام العساكر ، فرفض شركان ، فقال له ضور المكان: قد امرتك فلا تعصى امرى ، فأنت الأحق بها ، إنما كنت اثبت لك ملكك ، فهتف الجنود: عاش الملك ضور المكان ، عاش الملك شركان، ثم اخذ ضور المكان امه وعساكر الشام والوزير كاظم واتجه الى دمشق ليصبح اميرآ عليها ، وطلب من شركان ان يرسل له اخته نزهة الزمان فور وصوله الى خرسان.
الحكايات مقتبسة من الف ليلة وليلة إعداد مدير منتدى توتة وحدوتة منتدى توته وحدوتة - البوابة